لماذا يتشدد الاسد في رفضه لقاء اردوغان؟ وما هو السر الذي يفسر ذلك؟

الأربعاء 22 مارس 2023 06:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا يتشدد الاسد في رفضه لقاء اردوغان؟ وما هو السر الذي يفسر ذلك؟



كتب د. شاهر الشاهر:

لم يكن اختيار توقيت الزيارة مصادفة بكل تأكيد، فقد أتت في الذكرى الثانية عشر لبدء الحرب في سورية وعليها. تلك الحرب التي أعادت سورية عقوداً إلى الوراء، لكنها وفي الوقت نفسه جعلت منها “العقدة” لحل العديد من المشكلات الإقليمية والدولية.

هذه المكانة وتلك الأهمية، ليس بالضرورة أن تنعكس إيجاباً على سورية. بمعنى أنها ستجعل من استقرار سورية أمراً ليس سهلاً بكل تأكيد.

جاءت الزيارة وسط تكهنات كثيرة حول عودة العلاقات السورية مع تركيا، وهو ما تسعى إليه أنقرة بما أوتيت من قوة، وما تحاول موسكو تحقيقه إذا ما كان ذلك ممكناً.
الموقف السوري من عودة العلاقات مع تركيا كان واضحاً، ومطالباً بالحدود الدنيا والبديهية لقيام أية علاقات دبلوماسية بين دولتين، وهو الانسحاب التركي من الأراضي التي تحتلها في سورية.
وفي الوقت نفسه، فإن المطلب التركي قد يبدو محقاً من الناحية الشكلية، بمعنى رغبة تركيا في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وألا تتعرض لأية هجمات من داخل سورية، في ظل عدم قدرة الدولة السورية على بسط نفوذها على كامل أراضيها حتى الآن.
لكن جوهر هذا الطلب ليس محقاً من الناحية الواقعية، فتركيا هي من سلح بعض هذه الفصائل وحماها وأدخلها داخل الحدود السورية، لتشكل ميليشيات جهادية تأتمر بإمرة أنقرة.
المخاوف التركية من جماعات قسد الكردية، لا يقل شأناً عن المخاوف السورية من باقي الفصائل الإرهابية كهيئة تحرير الشام وعصابات “الجيش الوطني” المدعومة تركياً.
بمعنى أن دمشق لن تسمح لأنقرة بضمان أمنها إلا إذا استطاعت الحصول على ما يقابل ذلك، عبر وقف الدعم التركي للجماعات الناشطة في الشمال السوري والسماح للجيش السوري ببسط نفوذه على كامل الأراضي السورية.
كما أن الحديث التركي عن اتفاق أضنة غير صحيح، ذلك أن الاتفاق يسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية مسافة ٥ كم، بينما هي الآن تطالب بـ ٣٠ كم، وهذا غير ممكن على أرض الواقع.
        ثم إن دمشق ترى نفسها اليوم أقوى من أي وقت مضى، وهي ليست في عجلة من أمرها، إذا ما قورنت بتركيا التي تسيطر الاستحقاقات الانتخابية القادمة على توجهاتها وسياساتها.
استقلالية القرار السياسي
        حرصت دمشق على إظهار استقلالية قرارها السياسي، وتقديم المصلحة الوطنية على إرادة الحلفاء والأصدقاء. ومن هنا فقد راهن الكثير على قدرة الروسي أو الإيراني في الضغط على دمشق للمضي قدماً في علاقاتها مع أنقرة، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.
        فرغم تصريحات وزير الخارجية التركي وتأكيده على أن اجتماع الرباعية المقرر عقده في موسكو على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع (سوريا- إيران- روسيا- تركيا) سيعقد في الخامس عشر من هذا الشهر، إلى ان دمشق أعلنت موقفها الرافض لذلك وهو ما حدث، فلم يعقد هذا الاجتماع، ولم يضغط حلفاء سوريا عليها كما روج البعض لذلك.
        ثم جرى الحديث عن ضمانات من الممكن أن يقدمها الرئيس بوتين خلال اجتماعه بالرئيس الأسد، حول انسحاب تركيا من الأراضي السورية لكن ذلك لم يحدث على ما يبدو، أو أن تلك الضمانات ليست كافية.
        خاصة وأن الرئيس الأسد قد تحدث في كلمته لوكالة سبوتنيك الروسية قائلاً: “السياسة الروسية واقعية، لا أحد يستطيع أن يضمن أردوغان لعدة أيام. لا أعتقد أن أحداً في العالم يمكنه ضمان أردوغان”.
        من هذا التصريح فإن الحديث عن تقارب سوري تركي، وتعزيز للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين أصبح الآن مؤجلاً إلى ما بعد الانتخابات التركية على أقل تقدير.
        مع الإشارة هنا إلى العلاقة الشخصية المتطورة جداً بين الرئيسين بوتين وأردوغان، فقد وقع البلدان اتفاقيات اقتصادية هامة، كما قامت روسيا بتأجيل الديون المستحقة على تركيا ثمناً للنفط والغاز الروسي، وقدمت موسكو قروضاً لتركيا تقدر بـ ٢٠-٢٣ مليار دولار.
وإن عدم نجاح أردوغان في الانتخابات سينعكس سلباً على روسيا التي تخوض حرباً طاحنة في أوكرانيا. خاصة وأن المعارضة التركية تفضل خيار التوجه غرباً في علاقاتها الدولية.
لكن ذلك كله لم يجعل موسكو قادرة على تغيير الموقف السوري من تركيا، سواء بالترغيب، أو الترهيب الذي طالما توهمه الكثير، لكن الوقائع تثبت عكس ذلك.
القراءة السورية للمتغيرات الإقليمية والدولية ترى أن تلك المتغيرات تصب في مصلحة دمشق. فالموقف العربي الرسمي، أصبح أكثر وضوحاً وتقارباً مع سورية، وهو جيد ومثمر ويسير بخطوات أكثر من متوقعة على ما يبدو.
أما الحديث عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، فيحتاج إلى بعض الوقت، لأن عضوية سورية في الجامعة العربية مجمدة، ولا بد من إلغاء التجميد في إطار قمة عربية. بمعنى أن مشاركة دمشق في القمة العربية التي ستعقد في الرياض تبدو أمراً غير وارد.
وستعمل دمشق خلال المرحلة القادمة على تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول العربية، وهو الأكثر نفعاً بالنسبة لها على ما يبدو.
كما أن الاتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية ستكون له نتائجه الهامة على المشكلات الإقليمية كلها، وسيعزز من فرص التقارب العربي مع سورية، دون أن يكون ذلك مرتبطاً بقيام دمشق بقطع علاقاتها مع طهران.
تلك العلاقة التي نمت وتطورت منذ عقود، وقد شكلت الحرب في سورياً اختباراً حقيقياً لها، حيث استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية رد الدين لسورية، حيث كانت سورية الدولة العربية الوحيدة التي وقفت معها في الحرب التي شنها عليها النظام العراقي السابق.
أما الحديث عن تطور العلاقات السورية الروسية فيبدو أنه آخذ بالازدياد، في ظل التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، وخاصة فيما يتعلق بإعادة الاعمار وتأمين احتياجات سورية من النفط والغاز، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها موسكو على هذا الخط.
كما جرى الحديث عن زيادة عدد القواعد العسكرية الروسية في سوريا، ونشر أسلحة وصواريخ فرط صوتية فيها، وهو أمر جيد بالنسبة للبلدين، لكنه لا يلبي مطالب المواطن السوري التي تتلخص بضرورة تزويد الجيش السوري بأسلحة نوعية تكون قادرة على صد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها.
خاصة وأن الموقف الروسي من هذه الاعتداءات هو دون المطلوب، فروسيا ترى أنها تدخلت في سورية لمكافحة الإرهاب، وأن مهمة قواتها العاملة هناك تتلخص في ذلك، وأن موضوع التعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية ليس مطروحاً بالنسبة لها، وهي التي تربطها علاقات متطورة مع تل أبيب.
انفراجات سياسية وتحديات اقتصادية
يبدو أن الحديث عن “المعارضة السورية” والحل السياسي وفقاً للتصورات السابقة، ومنها تطبيق القرار/٢٢٥٤/ أصبح شيئاً من الماضي، فالحوار هو شأن سوري داخلي ولا مجال للتدخل الخارجي به، إلا من باب المشورة وتقريب وجهات النظر، لا اشتراطات أو املاءات.
كما أن الحديث عن تقسيم سورية لم يعد منطقياً في ظل تراجع الداعمين لهذا التوجه وعلى رأسهم أنقرة، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الموقف الأمريكي من قسد ليس موقفاً استراتيجياً، والانسحاب الأمريكي من الأراضي السورية أمراً لا غنى عنه، في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في العالم، وازدياد المقاومة الشعبية لهذا الاحتلال. وفي ظل المطالبة الروسية بذلك، والتأييد الصيني لهذا الموقف في الآونة الأخيرة.
كما أن الاستثمار السياسي في ملف اللاجئين السوريين لم يعد متاحاً، فسورية أبوابها مفتوحة لجميع أبنائها، ومن حق أي مواطن أن يعود إلى وطنه، وقد صدرت العديد من مراسيم العفو التي تضمن عودة هؤلاء، ومن المتوقع أن يكون هناك مزيداً من الإجراءات الحكومية لتسريع هذا الملف، ومعالجة حقيقية وسريعة لبعض المشكلات العالقة.
وعلى الرغم من أن المشهد السياسي قد يحمل ضوءاً في نهاية النفق بالنسبة لسورية، إلا أن الواقع الاقتصادي هو الأهم والأخطر، والأكثر حساسية بالنسبة للمواطن السوري.
فوفقاً لما قاله الرئيس الأسد: فإن حجم الدمار الذي تسببت به الحرب على سورية يفوق الـ ٤٠٠ مليار دولار. وحجم الخسائر التي تسبب بها الزلزال تتجاوز الـ ٥٠ مليار دولار.
وفي ظل ما تعانيه البلاد من حصار وتجويع وإفقار للشعب السوري، فإن المشهد الاقتصادي يبدو غير مطمئن، ويحتاج إلى المزيد من العمل، ووضع رؤية استراتيجية متكاملة لإدارة هذا الملف.
وكان لافتاً جداً، وباعثاً على التفاؤل، قول الرئيس الأسد: “سورية قادرة على إعادة الإعمار، ونحتاج من أجل ذلك إلى رفع الحصار والعقوبات”.
يبدو أن عنوان المرحلة القادمة بالنسبة لسورية، هو تطوير اقتصادها والبدء بعملية إعادة الاعمار، والسعي لرفع الحصار المفروض عليها، وإدارة ملف التواجد الأجنبي على أراضيها. وهي ملفات صعبة وشائكة بكل تأكيد، لكنها وفي الوقت نفسه أقل خطورة من التحديات التي واجهتها سورية وانتصرت عليها فيما مضى من سنوات…
أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صن يات سين/ الصين
Sh.alshaher77@gmail.com