عن الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية الصين..محمد ياغي

السبت 18 مارس 2023 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT



حققت الصين اختراقا مهما في تعزيز مكانتها وحضورها في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، بنجاحها في تحقيق المصالحة وتطبيع العلاقات بين العربية السعودية وإيران.
العلاقات بين البلدين انقطعت العام ٢٠١٦ عندما اقتحم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر، رجل الدين الشيعي السعودي المعارض.
الأعوام التي تلت القطيعة السياسية شهدت توترا في العلاقات بين البلدين تم التعبير عنها بالتعرض لحاملات نفط في منطقة الخليج العربي، وبزيادة الدعم لحركة أنصار الله في اليمن وحتى باستهداف مواقع إنتاج وتخزين البترول في منطقة البقيق السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وهذه الأعوام أيضا، خصوصا سنواتها الأخيرة الثلاث شهدت انطلاق ست جلسات من الحوار بين البلدين في بغداد وجلسات أخرى في سلطنة عمان. لكن الحوار بين الطرفين لم يؤدِ إلى النتيجة التي رغب الطرفان بها، وهي بالنسبة للعربية السعودية توقف إيران عن التدخل في شؤون الدول العربية وتحديدا تلك التي كان يوجد للعربية السعودية نفوذ تاريخي فيها مثل اليمن ولبنان وسورية.
أما لإيران، فهي التوقف عن التحريض عليها وعدم مساعدة المعارضة فيها، وعدم استخدام أراضي الدول المجاورة لها للاعتداء عليها.   
لا نعرف تفاصيل الاتفاق بين البلدين إلى الآن، وكل ما نعرفه أن الطرفين اتفقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، وعلى احترام سيادة بعضهما البعض وعلى عدم التدخل في شؤون بعضهما وعلى إعادة تفعيل الاتفاق الأمني الذي وقعه البلدان العام ٢٠٠٢ وعلى تطوير التجارة والتبادل الثقافي بينهما.
لكننا في المقابل نعلم التالي:
أولا، السعودية وإيران لهما مصالح استراتيجية مهمة مع الصين لا يستطيع البلدان الاستغناء عنها.
الصين هي الشريك التجاري الأول للعربية السعودية وحجم التجارة بينهما يعادل ضعف ما هي عليه بين أميركا والسعودية. والصين في نفس الوقت هي الشريك التجاري الأول لإيران التي تأمل في تحويل اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل التي وقعتها مع الصين إلى واقع وأن تتمكن من خلالها من تنفيذ مشاريع عديدة قيمتها تصل إلى ٤٠٠ بليون دولار، متفق على تنفيذها خلال ٢٥ عاما.
هذه المصالح التجارية للبلدين مع الصين، تجعل من الصعب عليهما رفض الوساطة الصينية من جهة، وتجعل من الصين ضامنة أيضا للاتفاق بين البلدين.
ثانيا، على عكس الولايات المتحدة، الصين لا يوجد لها وجود عسكري مباشر على الأرض في منطقة الخليج، وهي تقف على مسافة واحدة من البلدين، وهذا يمكنها من لعب دور الوسيط النزيه والمقبول من البلدين، وهو يعزز في نفس الوقت الحضور الصيني في هذه المنطقة بسبب ارتباط اقتصادها بإمدادات النفط القادمة منها.
ثالثا، السياسات «الغبية» للولايات المتحدة في منطقة الخليج ساهمت والى حد بعيد في نجاح الوساطة الصينية بين البلدين.
الولايات المتحدة والتي كانت ترغب أيام الرئيس أوباما في أن تتمكن العربية السعودية وإيران من الوصول إلى تفاهمات مشتركة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران العام ٢٠١٥، سرعان ما تغيرت مع البلدين.
مع إيران قام الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاق النووي وإعادة الحصار عليها وقام باستهداف وقتل الجنرال قاسم سليماني. ومع العربية السعودية، شاهدت الأخيرة بعينها كيف تم تدمير منشآتها النفطية العام ٢٠١٩ في منطقة البقيق - والذي أدى لخفض إنتاجها للنصف ولمدة شهر كامل - دون أن تقوم الولايات المتحدة بالدفاع عنها. ثم جاء الرئيس بايدن وأساء بشكل مباشر للعربية السعودية وهدد بمعاملتها كدولة منبوذة.
في المحصلة توصلت العربية السعودية إلى قناعة بأن الولايات المتحدة، حتى بوجود قيادة جمهورية تدعي الصداقة لها، لا يوجد لديها الاستعداد الفعلي للدفاع عن أمن منطقة الخليج، وهذا ساعدها على اتخاذ قرار التصالح مع إيران وعدم انتظار تغيير الولايات المتحدة لسياساتها في المنطقة.
رابعا، نعلم أيضا أن أولويات العربية السعودية قد تغيرت منذ العام ٢٠١٦ عندما تبنت خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي الشاملة والمعبر عنها في برنامج رؤية ٢٠٣٠. ضمن هذه الرؤية تدرك العربية السعودية أن الفترة الزمنية المتاحة لها لإحداث تحولات شاملة مستفيدة من عوائد البترول محدودة لأن العالم يتجه أكثر للاعتماد على الطاقة المتجددة.  
بالتالي إذا لم يتم استثمار عائدات البترول الحالية في تنويع الاقتصاد السعودي وخلق صناعة عسكرية دفاعية، فإن السعودية لن تتمكن مستقبلا من ضمان رفاهية سكانها ولا تأمين احتياجاتها الأمنية لأن البترول سيفقد أهميته الاقتصادية الحالية.
إعطاء الأولوية لتنفيذ رؤية ٢٠٣٠ يتطلب استغلال مصادر البلد المالية والسياسية لتحقيقها، وهو يعني بالتالي إنهاء الحرب في اليمن مع الحصول على الضمانات الأمنية التي تريدها. وتحقيق ذلك دون التفاهم المباشر والمصالحة مع إيران غير ممكن وهذا بدورة ساهم في جعل الاتفاق بين البلدين ممكنا.
أخيرا، نعلم أن إسرائيل لا تريد الاتفاق بين البلدين. الاتفاق يحرمها من الادعاء بأن الخليج العربي بحاجة لها لمواجهة الخطر الإيراني، ويجعل وجودها في منطقة الخليج عاملا لانعدام الاستقرار فيه.
ونعلم أيضا أن الاتفاق ورغم ترحيب الغرب به إلا أن ذلك يأتي من باب النفاق السياسي، لأن الاتفاق يحرم الغرب من التدخل في المنطقة بحجة حماية «الدول العربية السنية من الخطر الشيعي الفارسي» ويجرده أيضاً من الورقة المذهبية التي يستخدمها لتعزيز الانقسام بين دوله.
أخيراً، كون الصين هي الوسيط والضامن للاتفاق، هذا يجعلنا نتفاءل، لكن علينا أيضا ألا نبالغ في ذلك لأن الاتفاق يتحقق عندما يمتد هذا التفاهم بين إيران والسعودية إلى لبنان، واليمن وسورية والعراق وهو ما سنعرفه خلال الأشهر القادمة.