أثار نائب أردني قضية رفض حكومة بلاده شراء الغاز من الجزائر بأسعار تفضيلية، مع إصرارها على شراء الغاز الإسرائيلي، رغم المعارضة البرلمانية والشعبية، غير أن هذا الواقع قد يتغير في 2023.
ففي مارس/ آذار الجاري، أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، تقديم بلاده طلبا للجزائر للتزود بالغاز (المسال)، وأن هناك وعودا جزائرية بدراسة الطلب الأردني، ما يدعو للتساؤل عن الأسباب التي دفعت الأردن لتغيير بوصلته نحو الغاز الجزائري، في وقت يشتد فيه الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
رفض برلماني للغاز الإسرائيلي
منذ أن وقّعت الحكومة الأردنية في 2016 على اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل طيلة 15 سنة مقابل 10 مليارات دولار، والذي بدأ تنفيذه مطلع 2020، خرجت مظاهرات منددة بالاتفاق ورفعت شعار “غاز العدو احتلال”.
وبناءً على مذكرة وقّعها 58 عضواً (من أصل 130)، صوّت مجلس النواب الأردني في يناير/ كانون الثاني 2020، بغالبية أعضائه، على مقترح مشروع قانون يحظر استيراد الغاز من إسرائيل، دون الإعلان عن أي إجراءات رسمية بخصوصه.
وقبل أن يتحوّل إلى قانون ساري المفعول، يحتاج مشروع القانون إلى المرور بمراحل دستورية، تتمثل بصياغته من قبل الحكومة، وتحويله إلى مجلس النواب، ثم إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليُرفعَ بعدها إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمصادقة عليه، وصولًا إلى إعلان إقراره بالجريدة الرسمية.
ولم يتقبل النواب الأردنيون فكرة استيراد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي كانت دول عربية مثل الجزائر تصدّر كميات هامة منه إلى أوروبا ودول عربية أخرى.
وفجّر النائب موسى هنطش، مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، مفاجأة، عندما قال إن “السفير الجزائري في عمّان، محمد بوروبة، أبلغه بعرض بيع الأردن الغاز الجزائري بأسعار تفضيلية، لكن الحكومة الأردنية رفضت ذلك؛ لأسباب غير معلومة”. ولم يتسن الحصول على تعليق رسمي أردني على هذه التصريحات.
وتحدث النائب الأردني حينها أن وفدا برلمانيا سيزور الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة (جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019) لمتابعة العرض الجزائري.
لكن يبدو أن هذه الزيارة لم تتم إلا في فبراير/شباط 2023، بالنظر إلى الظروف السياسية التي مرت بها الجزائر حينها، وانتشار جائحة كورنا في العالم ما بين 2020 و2021.
ومع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم، بعد فوز حزبه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وترؤسه حكومة توصف بأنها “متشددة” عن سابقاتها، فهذا يثير قلق المملكة الهاشمية بكل مؤسساتها الرسمية، بحسب مراقبين.
وفد برلماني يسبق زيارة الوزير
كان لافتا استقبال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، لوفد برلماني أردني بمقر وزارته، في 21 فبراير الماضي.
وقال الوزير الجزائري حينها إن بلاده “جادة في دراسة مدى إمكانية إمداد الأردن بالنفط الخام، والغاز المسال، وغاز النفط المسال”.
بل ذهب عرقاب أبعد من ذلك، عندما تحدث عن إمكانية امتداد التعاون بين البلدين إلى تخزين وتوزيع الأردن للمنتجات النفطية الجزائرية، وفق ما نشرته وسائل إعلام عربية.
وبعد أيام قليلة من وصول الوفد البرلماني الأردني إلى الجزائر في 18 فبراير، توجه وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، إلى الجزائر هو الآخر، حيث تلقى وعودا بدراسة الطلب الأردني للتزود بالغاز الجزائري، وفق ما صرح به مؤخرا للصحافة المحلية.
زيارة الشمالي لم تقتصر على تقديم طلب استيراد الغاز الجزائري، بل تضمنت الاتفاق على خريطة طريق لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ما بين 2023 إلى 2025.
وكلّلت هذه الزيارة باتفاق لإعادة فتح خطوط الطيران بين البلدين بعد إغلاقات كورونا “بواقع 4 رحلات أسبوعية بين الجانبين، بداية من 9 مارس بالنسبة للخطوط الملكية الأردنية و15 مارس بالنسبة للخطوط الجوية الجزائرية، وفق الشمالي.
كما تم الاتفاق على “معالجة المرضى الجزائريين في 6 مستشفيات أردنية”، وأبدى الجانب الأردني رغبته في الاستثمار بزراعة المحاصيل الاستراتيجية في الجزائر كالقمح والشعير”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها المملكة الأردنية رغبتها في الاستثمار بقطاع الزراعة الجزائرية، فمجموعة “أسترا سختيان” الأردنية السعودية، أبدت منذ نحو 17 عاما اهتمامها بالاستثمار في زراعة المحاصيل الاستراتيجية.
و”أسترا سختيان”، لها بالفعل عدة استثمارات في الجزائر منذ نحو عقدين، خاصة في قطاع الاتصالات والصناعات الصيدلانية وعلى رأسها مصنع الكندي للأدوية، وكان لها تجربة مميزة في إنتاج القمح بالسعودية، وفق تصريحات صحافية لمسؤولين فرعيين لها بالجزائر.
قرار سياسي
هذه الحركية السريعة للتعاون بين البلدين اللذين لم تتجاوز التجارة بينهما 232 مليون دولار في عام 2021، بدأت فعليا بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى الجزائر يومي 3 و4 ديسمبر 2022.
واتفق الملك الأردني مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على ضرورة توسيع آفاق التعاون بين البلدين، لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والدفاعية.
ولم يكن هذا اللقاء الأول بين الزعيمين، إذ التقى تبون وعبد الله الثاني، على هامش قمة المناخ، التي عقدت بالقاهرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
كما شارك ولي العهد الأردني الحسين بن عبد الله الثاني، في القمة العربية التي عقدت بالجزائر، مطلع نوفمبر، وحظي بلقاء خاص من الرئيس تبون.
وكانت هذه اللقاءات السياسية مفتاحا، لتحرك حكومتي البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية، وفتح ملف تصدير الغاز الجزائري إلى الأردن.
صعوبة تنفيذ الطلب الأردني
قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، كان للجزائر فائض في إنتاج الغاز، ولكن مع سعي أوروبا للتخلص من إمدادات الغاز الروسي ولجوئها إلى الجزائر، لتعويض حصة من هذا النقص، لم يبق للأخيرة كميات فائضة لتلبية طلبات زبائنها خاصة الأوروبيين منهم.
إذ إن إيطاليا استفادت لوحدها من فائض الغاز الجزائري والذي كان يباع في السوق الحرة، والمقدر بنحو 4 مليار متر مكعب، ووقّعت اتفاقية لرفع إمدادات الغاز الجزائر بنحو 9 مليار متر مكعب إلى غاية 2024.
ووصلت الجزائر إلى طاقتها القصوى في إنتاج الغاز الطبيعي والمسال، والتي بلغت 56 مليار متر مكعب في 2022، وهي الكمية الأكبر منذ 2010.
ودخلت عدة دول أوروبية سوق المنافسة على الغاز الجزائري على غرار فرنسا وسلوفينيا والبرتغال، وهذا ما يجعل الاستجابة للطلب الأردني في الآجال القريبة مسألة صعبة من الناحية التقنية.
وهذا ما يفسر طلب الرئيس تبون، من عملاق الطاقة الجزائري سوناطراك مضاعفة صادرات الغاز الجزائري إلى 100 مليار متر مكعب في العام الجاري.
ورغم أن الوصول إلى هذا الرقم نهاية 2023، يبدو مهمة مستحيلة، إلا أنه مع ضخ الجزائر نحو 40 مليار دولار لتطوير قطاع الطاقة، ودخول شركات عالمية للاستثمار في قطاع الغاز، من شأنه رفع إنتاج الجزائر بكميات هامة خلال الأعوام القليلة القادمة.
واحتياجات الأردن من الغاز ليست كبيرة مقارنة بدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لذلك من السهل تلبيتها، خاصة إذا كان هناك قرار سياسي يمنح عمّان الأولوية.