أحاول النبش في الكثير من الأحيان في تاريخ العرب الحديث الذي يمتدّ لمئة عام أو يزيد قليلا، فلا أخرج أبدا بما يسرّ البال والخاطر، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتلك المؤامرات الدنيئة من قبل بعض العرب في ذلك الوقت، بالتعاون مع اليهود أنفسهم .
وحين يتحدّث عربان اليوم عن القضية، وضرورة إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فأنا شخصيا أعتبر ذلك ضربا من ضروب التآمر والخيانة بحق الشعب الفلسطيني، الذي ما زال يشعر بالمرارة من مواقف الأنظمة العربية، التي باعت فلسطين التاريخية بأثمان بخسة، وبجرّة قلم أصبحت يافا وحيفا واللد وطبريا وبئر السبع مدنا يهودية، لا علاقة للعرب بها .
بعد إعلان بريطانيا إنهاء الإنتداب على فلسطين،أدرك الفلسطينيون ممثّلين بالهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني أهمية الإستعداد لهذا الحدث، واستباقه بإيجاد إطار دستوري يملأ الفراغ الناجم عن إنهاء الإنتداب، وهو إقامة حكومة في فلسطين .
تمّ تقديم الإقتراح للجامعة العربية، وعارضت حكومات مصر والعراق والأردن الإقتراح المذكور، حتى أنّ بعض الدول هددت بالإنسحاب من الجامعة إذا تمّت الموافقة على مشروع إنشاء حكومة فلسطينية .
ورغم ذلك ؛ صمم الفلسطينيون على إقامة الحكومة في غزّة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وإعلان فلسطين دولة مستقلة حرة ذات سيادة، ورسم الإعلان حدودها ؛ سوريا ولبنان من الشمال، وشرق الأردن شرقا، والبحر المتوسط غربا، أي فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، ورفض محاولة اليهود إقامة دولتهم .
ضغوط أجنبية كبيرة مورست على العرب لإفشال مشروع الدولة الفلسطينية، وأجبر رئيس وزراء مصر النقراشي باشا الحاج أمين الحسيني على المجيء للقاهرة، ولم تسمح مصر بنشاطات الحكومة، في الوقت الذي بدأت فيه الجامعة العربية بالتضييق على الحكومة، مما أدّى إلى فشلها، وتقليصها إلى مجرّد شخص واحد هو رئيسها أحمد حلمي وسكرتيره وبضعة موظفين، ومخصصات بلغت ألف وخمسمائة جنيه فقط .
ورغم كل هذا التضييق ؛ فقد أصدرت الحكومة الفلسطينية أكثر من ستين ألف جواز سفر فلسطيني، ثمّ كانت النهاية بالحرب المسرحية 1948، وإتفاقية الهدنة في جزيرة رودس، والتي كانت نتيجتها استسلاما عربيا، واعترافا بالحدود الجديدة، وإقامة ما يسمّى( دولة إسرائيل ) .
وفي كتابه ( كارثة فلسطين ) يتّهم الشهيد القائد عبد الله التلّ القيادات العربية بصنع الهزيمة، نعم .. لقد صنعوا هذه الهزيمة، وتعاونوا مع اليهود لإجهاض أي حلم للفلسطينيين بإقامة دولة لهم، وحتى اليوم ما زال التآمر يأخذ أشكالا متعددة، لقد باتت القضية الفلسطينية بالنسبة لأنظمة عربية من الماضي، لم تعد تكترث بها، ومنذ أكثر من نصف قرن، ما زالت الإسطوانة المشروخة لم تتغير .. إقامة دولة على حدود الرابع من حزيران 1967، حتى هذه التصريحات هي فقط لذرّ الرماد في العيون، فالخيانة باتت متأصّلة .
لم يقم جدّي ببيع فلسطين، ولم يغادر قريته في قضاء الرملة في ذلك العام الذي أسموه ( النكبة )، فبات جدّي لاجئا وكذلك والدي وأنا، وأدرك تماما بأنّ النكبة التي عشناها سوف ترتدّ على كل متآمر على فلسطين، وسوف نشهد، بحول الله، نكباتهم واحدا تلو الآخر .
كاتب فلسطيني