من وحي الوطن حماس وبن غفير: المواجهة ومعركة المصير..

الأحد 12 مارس 2023 08:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
من وحي الوطن  حماس وبن غفير: المواجهة ومعركة المصير..



كتب د. أحمد يوسف:

مشهد الصراع اليوم مع الاحتلال يتجه نحو المزيد من العنف والتشدد، ولا يبدو أنَّ هناك فرجاً قريباً يلوح في الأفق، فالحكومة اليمينية التيتحركها الصهيونية الدينية برئاسة المتطرف بن غفير وسموترش ليس في جعبتها من خيارات باتجاه (حلّ الدولتين) ولا (الدولة الواحدة-ثنائية القومية)، كما أن حلولها التي تُلوِّح بها للفلسطينيين صفرية الخلاص؛ إي الحسم والتطهير العرقي.

ومع سوداوية هذا المشهد، لا يبدو -للأسف- أنَّ العالم الغربي قادر على كبح جماح هذا التطرف أو التأثير على حكومة نتنياهو بفرض إجراءات عقابية رادعة لكلِّ ما تقترفه من انتهاكات وجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية. لذلك، هي ترتكب المجازر بشكل دائم بخق الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتجد هناك من يحمي جرائمها بالفيتو الأمريكي، ويؤمن لها الإفلات من العقاب. وعليه؛ تمضي مستمرة في سياسة العقاب الجماعي وارتكاب المجازر ومصادرة الأرض الفلسطينية، وتوسعة الاستيطان بفرض سياسة الأمر الواقع وقوة السلاح وإرهاب المستوطنين.

في ظل هذا الواقع الاحتلالي الاستعماري، ماذا تبقي بحورة الفلسطينيين القيام به لحماية أنفسهم وديارهم؟ وماذا بأيدي حماس وفصائل المقاومة من إمكانيات للرهان عليها غير البندقية؟

منذ توقيع اتفاق أوسلو بالعاصمة الأمريكية واشنطن في أغسطس 1993، كان موقف حركة حماس والقوى الإسلامية الأخرى هو رفض الاتفاق، باعتباره اتفاقاً أمنياً لن يتحقق معه السلام، وكلّ ما تهدف إسرائيل من وراء توقيعه هو شراء الوقت للاستيلاء على المزيد من الأراضي وتثبيت الاستيطان في الضفة الغربية، وشرذمة الفلسطينيين والاستثمار في تكريس الخلافات الفلسطينية العربية، وفتح الطريق أمام الراغبين في التطبيع للهرولة دونما حياءٍ أو حرج، بعدما صار التنسيق الأمني هو عنوان العلاقة مع الاحتلال.

كانت حركة حماس التي خرجت من رحم الحركة الإسلامية الأم – الإخوان المسلمون- بمثابة حامي الثوابت الفلسطينية، فكان التشدد في المواقف السياسية نجاه عملية التسوية السلمية نهجاً له ضوابطه الوطنية وركائزه الدينية، وكان سقف مطالبها ترى فيه إسرائيل تهديداً وجودياً لها، باعتبار أنه يرى الحلَّ في عودة كلّ من تمَّ تهجيرهم من الفلسطينيين إلى ديارهم، وعلى المحتل الغاصب أن يحمل كفنه ويرحل.

ورغم أنَّ حركة حماس قد تحركت مواقفها -بعد دخولها معترك العمل السياسي- باتجاهٍ أقل تشدداً، وقد تبدى ذلك واضحاً في وثيقتها السياسية الجديدة عام 2017، إذ أظهرت تلك الرؤية الاستشرافية نقاط التقاءٍ مع "الكلّ الفلسطيني"؛ أي إمكانية التعاطي مع (حلّالدولتين) أو حتى التفكير بـ(حلِّ الدولة الواحدة- ثنائية القومية)، وهي تحركات على مستوى الفكر والعقيدة لم يكن من السهل تقبلها قبل ذلك، إلا أنها جاءت نتيجة لتفاهمات فلسطينية -فلسطينية هدفت الحفاظ على تماسك النسيج الوطني من النكوث والتفكك.

لا شكَّ أنَّ إسرائيل -اليوم- بتطرفها اليميني والديني ستدفع الفلسطينيين -كلّ الفلسطينيين- وخاصة الإسلاميين منهم إلى قناعتهم الأولى؛ أي النظر إلى الصراع كلعبة صفرية (لا تُبقي ولا تذر)، لا فرص فيها للتعايش والبقاء على شاكلة ما مثلته حِقب تاريخية سابقة،جمعت على ثرى الأرض المباركة أصحاب الديانات السماوية الثلاث:اليهودية والمسيحية والإسلام. اليوم؛ وفي سياق اللعبة الصفرية، فإن الخيار المتاح "لا مقام لكم أيها الصهاينة بيننا، والخلاص هو عودة هؤلاء الصهاينة المتطرفين كلٌّ من حيث أتى".

إنَّ هناك بين القيادات الإسلامية في فلسطين من يعتقد بأن مآلات المواجهة القادمة ستكون نصراً مؤزراً للفلسطينيين، حيث إنَّ مجريات الحرب الروسية في أوكرانيا والتوترات العسكرية المتصاعد التي حشرت فيها أمريكا نفسها وجرَّت معها الكثير من الدول الغربية، آخذة بالتدحرج باتجاه الخروج عن السيطرة إلى حرب كونية، ستجر إلى محرقتها دولاً كثيرة لها تأثيراتها على موازين القوى في الشرق الأوسط، مما سيعيد ترتيب خريطة المنطقة بشكل لن تكون فيه إسرائيل قادرة على العيش تحت ظلِّ حرابها وسيوف حلفائها، وستتأتى رياح النُصرة لتمكين الفلسطينيين بالداخل وفي كلِّ دول الجوار لتحريك زحوفهم باتجاه أرضهم وديارهم.

إنَّ لدى الفلسطينيين الكثير من الثقة والأمان بأنَّ الزمن تمضي عقاربهلصالحهم، وأنّ سموترش وبن غفير هما من علامات إساءة وجه بني إسرائيل في العالمين، وإذا ما خُضَّت شوكة أمريكا، وتصدعت أركان قوتها مع مخرجات المواجهة في أوكرانيا، أو حتى مع الصين في تايوان، فإن إسرائيل في مشهد البولتيك الجيوسياسي ستفقد منسأتها، وتتداعى مرتكزات قوتها وتضعضع أركان وجودها،وستُبعث في الأمة روح الزحف ونخوة الغيرة لتحرير مقدساتها وأقصاها الأسير.

إن ارتفاع منسوب الغطرسة والتطرف الذي تمارسه إسرائيل اليوم،سيدفع الفلسطينيين إلى حالة من التطرف العابر للفصائل والتنظيمات، وسيعاظم من حالة العداء والكراهية لهذا الكيان الاحتلالي الغاصب، مما يؤجج من رغبات الانتقام لتصبح فعلاً يومياًلا يمكن وقفه، حتى لو عسكرت إسرائيل الضفة الغربية بكلِّ جنودها ومستوطنيها.

إنَّ الفلسطيني الذي فقد رؤية حلٍّ يلوح في الأفق، وتحاصره مشاهد الظلم وغياب العدالة الدولية، وحياته باتت مهددة وغير آمنةٍ من غارات المستوطنين، الذين رضعوا لبان التطرف، ولا ينفك إرهاب الدولةبتحريضه ينفخ فيهم، الأمر الذي سيجد فيه الفلسطيني نفسه أمام تحدي الكرامة واثبات الوجود، إذ ليس هناك مع هذا التطرف الصهيوني ما يخسره، وعليه القيام بالفعل الذي تتطلبه "زفة الشهيد"وذكره وأهله في الخالدين.

قد لا نحتاج لتذكير الإسرائيليين بأعوام التسعينيات وبالمهندس يحي عياش والعمليات الاستشهادية، التي ألقت الرعب في قلوب كلِّ هؤلاء الصهاينة وألزمتهم حدودهم. نعم؛ لقد اتخذت حماس قرارها منذ عام 2004 بوقف استخدام هذا السلاح القاتل، استجابة لنداءات إنسانية لكثير من المسلمين المقيمين كجاليات في الغرب، إلا أنَّ مشاهد العنف الإسرائيلي للمتطرفين الصهاينة وهم يحرقون بيوت الآمنين في قرى ومدن الضفة الغربية، سيدفع بالكثيرين من المقاومين لمعاودة نهج "العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص". 

إنَّ العامين القادمين هما بوابة لسيناريوهات قادمة، فالتطرف الإسرائيلي سيدفع نتنياهو باتجاه ارتكاب حماقات ضد إيران لن تمضي دون رد، ولن يكون هذا الرد دون إيلام يهز أركان هذا الكيان.

إنَّ قناعاتنا الثابتة هي أنَّ إسرائيل دولة أوهى من بيت العنكبوت، وانهيارها إذا لم تتعايش مع الفلسطينيين وشعوب المنطقة مسألة وقت، هذا ليس وشوشات أُذنٍ متوعكة أو أضغاث أحلام في عتمة ليلٍ بهيم، إنها طمأنات التاريخ وشهادات وقائعه، كما أنها نبؤه "وعد الأخرة"الذي تلوح مع احتدام الصراع بشائره.

إن حلَّ القضية الفلسطينية هو حجر الزاوية لاستقرار هذه الأرض التي تموج بتصدعات أعماقها، وهي مسألة يتجاهلها هؤلاء المتطرفينأمثال بن غفير وسموترش، وإذا لم يتم التعامل بهذا الحجر ووضعه في زاويته الصحيحة، فإن انهيار المعبد على رأس هؤلاء الصهاينة هو الناموس والحتمية التاريخية لمن كانت عاقبة أمرهم خسرا، مع تطاول الدهور وتعاقب العصور.

2