زعم الجنرال يهودا فوكس أنه فوجئ بحدة عنف المستوطنين في حوارة، وأنه هيأ قواته للتعامل مع محاولة انتقام محدودة لمقتل إسرائيليين اثنين، لا لهجوم يقوم به عشرات منهم مسلحون بزجاجات المولوتوف التي أحرقوا بها المنازل والسيارات وأشجار الزيتون في القرية، واعترف في حديث لقناة ” 24 نيوز ” الإسرائيلية أن سوء تقديره فشل له، ووصف جريمة المستوطنين بمذبحة، ووصفهم بخارجين على القانون. ووصفه للجريمة بمذبحة صحيح دقيق، وليس كذلك وصفه للمستوطنين.
من يرتكب مذبحة مجرم، لا خارج على القانون وكفى لكون الخروج على القانون مصطلحا فضفاضا قد تقع في نطاقه مستويات كثيرة من الأفعال والمعاصي، ولا تكون مذابح. وهو يكذب في زعمه أنه ” فوجئ ” بعدد المستوطنين وبحجم جريمتهم، وأنهم مسلحون بالمولوتوف وحده دون أسلحة نارية. لا يفعل المستوطنون أي شيء ضد الفلسطينيين إلا بعد الاتفاق والتنسيق مع الجيش، وكثيرا ما يصاحبهم في هجماتهم واعتداءاتهم، أو يراقبها مراقبة وثيقة ليتدخل فورا لحمايتهم إذا اصطدموا مع الفلسطينيين اصطداما قد يقتل أو يجرح بعضهم، أو يعرضهم لضرب عنيف، وهو ما حدث لهم في الحالات التي تجرؤوا فيها على مهاجمة الفلسطينيين دون حماية وثيقة منه.
والضرب الذي طالت شدائده في يناير 2017مجموعة منهم في قرية قصرة في محافظة نابلس مشهور مذكور بعد أن هاجموا تلك القرية بلا حماية منه. وقلما يتحركون في سياراتهم في أيام الهدوء إلا في حراسته. وهذه كانت حالهم في غزة قبل انسحابهم منها في 12 سبتمبر 2005 حين صاروا عبئا أمنيا ثقيلا عليه، وتنامى هذا العبء ثقلا وتكلفة بعد اتساع عمليات المقاومة لكثرة الأخطار عليهم في تحركاتهم وتنقلاتهم بين المستوطنات الإحدى والعشرين، وبينها وبين الداخل الفلسطيني المحتل، وكان ذلك العبء من بين دواعي الانسحاب الرئيسية. والواقع أنه لا فرق بين المستوطنين والجنود الإسرائيليين مهنيا.
ad
كل البالغين في المستوطنات إما جنود عاملون وإما جنود احتياط، وهرتزي هاليفي رئيس الأركان الحالي يقيم في مستوطنة ” كفار ها أورانيم ” غربي رام الله، وبن غفير وزير الأمن القومي يسكن في مستوطنة كريا أربع في الخليل. وكلهم مسلحون في المستوطنات، وفي تنقلاتهم، وإسرائيل مستوطنة كبيرة مسلحة تنفيذا لنظرية ” جيش الشعب “، ووصفهم مرة الكاتب المصري الراحل أنيس منصور بأن الفرق بينهم مثل الفرق بين أنواع الأسلحة : كلها تقتل على تنوعها.
وهم يبثون ثقافة الحرب والقتل في أبنائهم في الطفولة، وتفاجأ الناس في الضفة وغزة بعد احتلالهما في 5 يونيو 1967 بأطفال إسرائيليين في أعناقهم قلائد رصاص. وانسجاما مع هذه الحقائق يجب أن نحذر أي تفرقة يطرحها بعض الإسرائيليين بين المستوطنين وبين الجنود في الضفة أو بين هؤلاء المستوطنين وبين مستوطني الداخل الفلسطيني المحتل. كلهم معتدون على الفلسطينيين وقتلة لهم ومغتصبون لوطنهم. إسرائيل مُنتَج متوحش للهجرة والاستيطان، ولا فائدة لنا من ذم بعض الإعلاميين والساسة الإسرائيليين للمستوطنين في الضفة بأنهم خارجون على القانون، ويجلبون المتاعب والمشكلات لبقية الإسرائيليين في الداخل المحتل، ويشيعون بينهم ثقافة العنف العدوانية التي تميز سلوكهم ضد الفلسطينيين. نتنياهو نفسه شبه احتجاج المتظاهرين ضد حكومته بإرهاب المستوطنين في حوارة. مستوطنو الضفة امتداد عدواني لمستوطني الداخل المحتل، فالغصن الشائك لا ينمو إلا في شجرة شائكة.
من الذي يمولهم ويسلحهم ويحميهم ؟! دولة مستوطني الداخل المحتل. لولا تمويلها وتسليحها وحمايتها لما أقيمت في الضفة والقدس 176 مستوطنة، و 186 بؤرة استيطانية، ولما صار بعضها في حجم مدينة مثل مستوطنات موديعين، وعيليت، ومعاليه أدوميم، وبيتار عيليت، وأرئيل التي يسكنها 18000 مستوطن، وفيها جامعة، وعددهم اليوم حوالي 726 ألفا.
مستوطنو الضفة والقدس جزء من المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي المستهدف إقامة دولة يهودية من النيل إلى الفرات، ومَنْ هذا استهدافه وطموحه لن يوقف استيطانه في الضفة والقدس. من يتطلع إلى الأبعد لا يترك الأقرب. فلنحذر الانخداع بالتفرقة بين المستوطنين وبين الجنود الإسرائيليين في الضفة والقدس، وبينهم وبين مستوطني الداخل المحتل. كلهم خيوط في قماش واحد، كلهم أسلحة تقتل وإن تنوعت، كلهم معتدون قتلة، وكثيرا ما حمل الجنود على بزاتهم جملة ” خلق ليقنل”.
كاتب فلسطيني