عن ما يحدث في العقبة..عبد الغني سلامة

الإثنين 27 فبراير 2023 10:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن ما يحدث في العقبة..عبد الغني سلامة



مع نشر هذا المقال سيكون «لقاء العقبة» قد انعقد، لذا ما سأكتبه من باب التحليل والاستشراف، فنحن حتى الآن لا نعرف حيثيات وتفاصيل اللقاء، وما سيتمخض عنه على وجه الدقة، وما سيكشفه الإعلام سيكون إما تسريبات صحافية لغرض ما، خاصة الجانب الإسرائيلي البارع في الحرب النفسية، أو عناوين غامضة سيروّج لها كل طرف بما يرضي جمهوره.
على أي حال، ستستضيف الأردن في مدينة العقبة اجتماعاً خماسياً يضم كلاً من الأردن ومصر وأميركا وفلسطين وإسرائيل، وهذا الاجتماع يأتي بعد تصاعد الأحداث في المنطقة على نحو خطير.
إذاً، الهدف من لقاء العقبة مناقشة الخطة الأميركية التي أعدها المنسق الأمني الأميركي لتهدئة الأوضاع في الضفة ووقف التدهور الأمني، مقابل تنازلات إسرائيلية معينة. فيما أعلن مصدر سياسي إسرائيلي أنّ الهدف من اللقاء «تعزيز الثقة بين الجانبين للعمل معاً لتهدئة الميدان، والحيلولة دون حدوث جولة تصعيد جديدة، وتطبيق التفاهمات التي توصل إليها الجانبان قبل نحو أسبوع»، والتي أدت إلى تأجيل التصويت في مجلس الأمن لإدانة الاستيطان وممارسات الاحتلال، والاكتفاء ببيان مقتضب من مجلس الأمن.
أما الأردن فحددت هدف اللقاء: «لاستكمال الجهود الأردنية بالتنسيق مع السلطة الوطنية وبقية الأطراف لوقف الإجراءات الأحادية والتصعيد الأمني من قِبل إسرائيل، والذي يهدد بتفجير دوامات جديدة من العنف، والوصول لإجراءات أمنية واقتصادية تخفف من معاناة الفلسطينيين».
أما الرئاسة الفلسطينية فأوضحت، في بيانها، أن الوفد الفلسطيني سيشدد على ضرورة وقف الأعمال الأحادية الإسرائيلية، وعلى ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة تمهيداً لخلق أفق سياسي يقوم على قرارات الشرعية الدولية، وصولاً إلى حصول الفلسطينيين على حقهم بالحرية والاستقلال».
بعيداً عن التصريحات الإعلامية «الدبلوماسية» لكل طرف، والتي تخفي  وراءها النوايا الحقيقة، بات واضحاً للجميع الهدف الحقيقي لهذا اللقاء الأمني. والذي يمكن إيجازه بكلمتين: «إنهاء المقاومة».
وبالربط بين مجريات الأحداث وأهداف لقاء العقبة، سنجد أنه منذ مطلع العام الحالي  قتلت إسرائيل 63 فلسطينياً، فيما قُتل 7 إسرائيليين وأُصيب العشرات في عدد من العمليات الفدائية، تركزت في القدس وشمال الضفة، حيث عرين الأسود وكتيبة جنين، وغيرها من التشكيلات الفلسطينية المسلحة، والتي يبدو أنها أخذت الراية من فصائل العمل الوطني، ولكن بوتيرة نضالية مسلحة.
ووفقاً لإحصائيات موثوقة، في العام الماضي 2022، وقعت 285 عملية إطلاق نار في الضفة الغربية، أسفرت عن مقتل 31 إسرائيلياً، مقابل 61 عملية وقعت العام 2021، وأسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين، و31 عملية في العام 2020 أوقعت 3 قتلى، و19 عملية في العام 2019 أوقعت 5 قتلى. ما يعني أنه خلال الأعوام الأخيرة، كانت عمليات المقاومة في الضفة تزداد طردياً مع زيادة جرائم الاحتلال وانتهاكاته، وبالتالي مع سياسات حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً ويمينية، والتي تعهدت بزيادة أعمال القمع والاعتقالات والاغتيالات ومصادرة الأراضي وتهويد القدس، والتضييق على الأسرى.. سنكون على موعد مع تصعيد أشد عنفاً من الأعوام السابقة، وقد نشهد عمليات  نوعية، وغلياناً في الشارع الفلسطيني، قد تبلغ ذروتها في شهر رمضان، كما هو الحال في كل عام تقريباً.
السؤال المطروح: ما الذي دفع السلطة للمشاركة في هذا الاجتماع المريب؟ بعيداً عن المزايدات، والاتهامات بالتخوين، يبدو أن السلطة وصلت إلى الوضع الأصعب منذ عقدين، فإسرائيل تواصل تصعيدها العدواني، وتتعمد إحراجها أمام جمهورها من خلال الاقتحامات والاغتيالات.. والإدارة الأميركية الحالية لم تغيّر جوهر السياسات التي كانت متبعة في زمن ترامب، والاتحاد الأوروبي لم يكتف بالتواطؤ، بل يمارس ضغوطات شديدة على السلطة، فيما الدول العربية تهرول نحو التطبيع. وعلى الصعيد الداخلي تعاني من عقوبات مالية، ومن وضع اقتصادي يزداد سوءاً مع مرور الوقت، وهناك إضرابات المعلمين والمهندسين وبعض النقابات الأخرى التي تهدد بالإضراب..     
ومع ذلك كله، هل هذا مبرر مقنع للمشاركة في لقاء العقبة؟ فهذه الأوضاع على صعوبتها قائمة منذ سنوات، وحتى مع وجودها تمكنت السلطة من إعلان موقف واضح وجريء إزاء صفقة القرن، ورفضت الإملاءات الأميركية، وصمدت أمام العقوبات الإسرائيلية، في حين عجزت عن ذلك أنظمة عربية.. فما الذي تغيّر؟
هذا اللقاء سيشهد أول اجتماع رسمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد أن توقفت المفاوضات بينهما كلياً منذ 2014، بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان وإطلاق أسرى قدامى، وتنصلها من مبدأ حل الدولتين. فهل يأمل الوفد الفلسطيني أن يفتح هذه اللقاء أفقاً سياسياً؟ أشك في ذلك، بل أجزم أن اللقاء مكرس للجانب الأمني، وستوظفه إسرائيل بتقديمها خطاب إعلامي مراوغ يوحي أنها حريصة على التهدئة والسلام لتواصل عدوانها وسياساتها الاستيطانية والقمعية، متحررة لبعض الوقت من الانتقادات والضغوطات الدولية.
بحسب التعهدات الأميركية والوعود الإسرائيلية، فإن الخطة الأميركية تتضمن تجميد الاستيطان لفترة محددة، ووقف عمليات الاقتحامات لجنين ونابلس، وتخفيف حدة عنف الإجراءات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والإفراج عن الأموال المحتجزة، وتحسين أوضاع الفلسطينيين اقتصادياً.. مقابل تولي السلطة ملف الكتائب المسلحة خاصة في جنين ونابلس، وذلك من خلال قوة أمنية جديدة سيتم تدريبها في الأردن، بتمويل وتسليح أميركي.
ويبدو أن القيادة الفلسطينية صدّقت هذه الوعود، أو اعتقدت أن تجميد الاستيطان والتخفيف عن الفلسطينيين ووقف الاجتياحات.. تتناقض مع الأهداف المعلنة لحكومة نتنياهو، وبالتالي فإن اليمين الإسرائيلي سيعترض بقوة، ولن يسمح لنتنياهو بذلك، ما سيؤدي إلى إسقاط الحكومة. ولكن هل هدف النضال الفلسطيني إسقاط نتنياهو؟  
لا يخفي على أحد أن السلطة الوطنية تفقد شعبيتها تدريجياً، ومع ذلك يمكن القول: إن حالة السخط وعدم الرضا الفلسطيني تجاه السلطة ما زالت في نطاق العتب والأمل، ومهما بلغت حدة الانتقادات، تظل في إطار البيت الفلسطيني، فلم تصل الحالة الشعبية (حتى الآن) لدرجة اعتبار السلطة خائنة أو عدوة.. ولكن مجرد أن تدخل القوة الأمنية الجديدة (والتي لا نعرف اسمها حتى الآن) أي مدينة فلسطينية، وتبدأ بمطاردة واعتقال مناضلين (كما خطط الأميركيون) ستفقد بذلك ما تبقى من شعبيتها، وستضع نفسها مباشرة في مواجهة جمهور غاضب وساخط، وهذا التحول خطير جداً، وينذر بكارثة وطنية، وأرجو ألا نصل عند هذا الحد.