اعتبر محللان بارزان في الصحافة الإسرائيلية أن قرار الكابينت (المجلس الأمني الوزاري المصغر) شرعنة تسع بؤر استيطانية والمصادقة على بناء نحو 10 آلاف وحدة سكنية في المستوطنات، خارج الكتل الاستيطانية، بالرغم من التحذيرات الأميركية، يعكس رغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ضمان سلامة الائتلاف الحكومي الحالي.
ورأى محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن نتنياهو يسعى من خلف هذه القرارات إلى إرضاء شريكه بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، على حساب الولايات المتحدة الأميركية.
ويؤكد هرئيل، وخلافاً للانطباع العام، وجود توافق شبه تام في السياسة الأمنية بين مواقف الأجهزة الأمنية والعسكرية (الجيش والشرطة والمخابرات العامة) وبين المستوى السياسي، المتمثل أساساً في رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، في كل ما يتعلق بالامتناع عن تصعيد عسكري واسع على هيئة حملة "السور الواقي 2"، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أن نتنياهو متعلق بشركائه من اليمين المتطرف في الائتلاف، وأنه بحاجة إليهم من أجل مواصلة مخططه للتعديلات القضائية، ولكنه غير معني حالياً بزعزعة الاستقرار الأمني أكثر مما هو قائم، ولذلك يستجيب لمطالبهم في مجال توسيع الاستيطان.
وخلص هرئيل إلى القول إن هذا هو السبب الأساسي الذي جعله يقرّ سلسلة القرارات في الكابينت السياسي والأمني مساء الأحد، مع أن هذه القرارات، بحسب هرئيل، ستكلف الحكومة ونتنياهو احتكاكاً إضافياً مع الإدارة الأميركية ودول أوروبية، إلا أنه يبدو أن نتنياهو يميل لضمان رضا سموتريتش.
ويلفت محلل الشؤون الأمنية في "هآرتس" إلى أنه مقابل حرص نتنياهو على رضا سموتريتش، فإنه يستجيب بدرجة أقل بكثير لمطالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي "يبالغ في تصوير خطوات تنتهجها الحكومة وتنفذها الجهات المختصة (الشرطة والجيش) في السياق الفلسطيني أكثر من حجمها الطبيعي"، حتى في سياق القرارات التي تتخذها الحكومة ضد الأسرى الفلسطينيين، بدءاً من إعلانه منع الأسرى من الحصول على خبز طازج في اثنين من المعتقلات، هما جلبوع وكتسيعوت، وحتى قراره الأخير بتقييد زمن الاستحمام للأسرى لأربع دقائق، بزعم أنه "ذُهل" من تبذير المياه في المعتقلات الإسرائيلية.
ومع استخفاف هرئيل بالخطوات التي وصفها بـ"الهزيلة" لبن غفير، إلا أنه يشير إلى تداعياتها الخطيرة، ومنها مثلاً حالة الاحتقان والغليان في صفوف الأسرى الفلسطينيين، وإلغاء الزيارة التي كانت مقررة لنتنياهو للإمارات بعد اقتحام بن غفير المسجد الأقصى لوقت قصير مطلع الشهر الماضي.
بدوره، اعتبر محلل الشؤون العسكرية في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أن سياسة نتنياهو تعني عملياً تنفيذ "الضم الزاحف" رغم التآكل في حالة الأمن القومي والردع مقابل قطاع غزة، بالإضافة للتوتر مع الإدارة الأميركية بسبب قرار البناء في المستوطنات، والسعي للمضي في "التعديلات القضائية" كما يسميها نتنياهو ومعسكره، وهما أمران يخالفان بشكل موقف الإدارة الأميركية التي كانت عرضت على نتنياهو صفقة سياسية بشأن وقف أي خطوة أحادية الجانب مقابل دعم أميركي على مستوى الدفع نحو تطبيع مع السعودية من جهة، ودعم أميركي للموقف الإسرائيلي من إيران، بما في ذلك وضع خطط حربية لضرب المشروع النووي الإيراني.
وفيما أشار بن يشاي إلى التصريحات الأميركية وبيان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي أعرب فيه عن قلق الولايات المتحدة من قرار الكابينت، فإنه اعتبر أن ثمن سياسات نتنياهو ومواقفه الأخيرة "سيكون باهظاً على مستوى الأمن القومي الإسرائيلي ككل، وفي مختلف الساحات الفلسطينية" (في الضفة والقدس حيث بدأ يتراجع أمن "السكان اليهود" مقابل انتفاضة الأطفال)، وحتى على صعيد تنسيق المواقف مع الولايات المتحدة في الشأن الإيراني.
وقال رون بن يشاي، إن الأمن القومي العام في إسرائيل بدأ منذ الأسابيع الثلاثة الماضية بالتدهور والانهيار، وذلك في ظل اشتعال الأوضاع الأمنية بالضفة الغربية وشرقي القدس ، حيث يصل معدل الإنذارات اليومي من نية الفلسطينيين تنفيذ عمليات ضد الأهداف الاسرائيلية إلى أكثر من أربعين إنذارًا في كل يوم.
وأوضح المحلل العسكري بأن الوضع الأمني في القدس خطير جدا ، وذلك في ظل تنامي ظاهرة انخراط الجيل الفلسطيني الناشئ من الفتية والشبان الصغار في تنفيذ العمليات ضد الأهداف والقوات الاسرائيلية المختلفة ، الأمر الذي حرم المستوطنين في القدس الشعور بالأمن والأمان منذ وقوع العمليات الاخيرة، علاوة على أن التوقعات تشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من المواجهات والتوتر المحتدم في ظل تهديدات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بهدم منازل الفلسطينيين في مدينة القدس، واستعدادات الجيش لتنفيذ عمليات اعتقال واسعة استعدادا لشهر رمضان.
أما في الساحة الإيرانية فقد أوضح المحلل بأن الأونة الأخيرة شهدت تطورا سلبيا من منظور المنظومة الأمنية الإسرائيلية، حيث تقترب إيران بوتيرة سريعة نحو الحصول على نسبة اليورانيوم المخصبة اللازمة في تصنيع القنبلة النووية، بالإضافة إلى تزايد التحالف التكنولوجي والعسكري بين إيران وروسيا.
وكذلك الأمر في ساحة العلاقات الدولية مع حلفاء إسرائيل، حيث أوضح المحلل بأن الأونة الاخيرة شهدت تدهورا ملموسا في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وذلك في أعقاب قرار الكابنيت السياسي الأمني ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة وشرعنة البؤر الاستيطانية الغير قانونية ضاربا بذلك عرض الحائط التحفظ الأمريكي على تلك الخطوة، الأمر الذي قد يضر بالدعم العسكري والتكنولوجي الذي تقدمها أمريكا لاسرائيل لرفع قدراتها العسكرية لمواجهة التهديد الإيراني.
أما على صعيد الجهوزية العسكرية والعملياتية للجيش الاسرائيلي فقد أوضح المحلل بأن الجيش يعاني من استنزاف حاد لقواته في منطقة الضفة الغربية حيث تعمل على مدار الساعة أكثر من 26 كتيبة في أنحاء الضفة الغربية المختلفة، الأمر الذي يضر بطبيعة الحال بالخطط التدريبية اللازمة لرفع كفاءة الوحدات المقاتلة واستعداداتها للحرب المقبلة.