الغرب يُسيّس المساعدات الإنسانية..محمد ياغي

الجمعة 10 فبراير 2023 02:44 م / بتوقيت القدس +2GMT



وفق القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة وقوانين الصليب والهلال الأحمر وأطباء بلا حدود، فإن المبادئ الأساسية للمساعدات الإنسانية في حالة الكوارث الطبيعية والحروب هي أربعة:
الإنسانية وهي منع المعاناة وتخفيفها أينما كانت. عدم التحيز وهو القيام بالعمل الإنساني دون تمييز لتخفيف معاناة الناس مع إعطاء الأولوية للحالات الأكثر إلحاحاً. الاستقلالية وهو إبقاء العمل الإنساني بعيدا عن الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية. والحياد وهو عدم أخذ جانب أي طرف في النزاع في حالة الحروب والبقاء بعيدا عن النقاشات السياسية والدينية والأيديولوجية والعرقية وغيرها من المواضيع التي يمكن للناس أن تختلف عليها.
بشكل مختصر، من يقدم العمل الإنساني عليه ألا يفرق بين الضحايا، وألا يُسيس هذا العمل وان يهتم فقط بتخفيف معاناة الناس بغض النظر عن لونهم، عرقهم، مواقفهم السياسية والفكرية، أو في أي طرف من الصراع يقفون.
هذه المبادئ، ليس «العرب» هم واضعوها ولكن «الغرب» هو الذي وضعها وما تبقى من دول العالم قبلت بها.
جنوب تركيا وشمال سورية تعرضتا لزلال مدمر راح ضحيته للآن أكثر من 14 ألفاً في تركيا وأكثر من ثلاثة آلاف في سورية. العدد مرشح لأن يتضاعف عدة مرات فلا زال الآلاف من المباني ركاما ولا يعرف أحد عدد الناس الموجودين تحتها وهل هم احياء أم أموات.
في تركيا ورغم حجم الدمار وظروف الشتاء القاسية هنالك دولة فاعلة وقوية لها علاقات مع الولايات المتحدة والغرب عموما رغم الخلافات السياسية بينهما ولها علاقات قوية أيضا مع روسيا والصين والعالم العربي، ولذلك وبمجرد أن أعلنت تركيا عن حاجتها للمساعدات الإنسانية، تحركت قوافل المساعدات والإنقاذ من كل مكان تقريبا في العالم لنجدتها.
في سورية الوضع أصعب بكثير. هنالك دولة ضعيفة أنهكتها حرب استمرت أكثر من ثماني سنوات وهي دولة لا تسيطر على مساحات واسعة من أرضها وفيها دمار هائل بفعل الحرب ولاجئون اضطروا لترك بيوتهم والرحيل داخل سورية نفسها عددهم يتجاوز 6 مليون. والدولة نفسها علاقاتها مقطوعة مع الغرب الذي يفرض عليها العقوبات الاقتصادية وهي أيضا مقطوعة مع جارتها تركية ، وحتى ما قبل ثلاثة أعوام كانت علاقاتها مع غالبية الدول العربية مقطوعة أيضا.
ما يزيد الوضع تعقيدا في سورية أن المناطق المنكوبة موجود جزء منها تحت سيطرة المعارضة والجزء الآخر تحت سيطرة الدولة. لذلك عندما حدثت كارثة الزلزال لم تتحرك غير الدول العربية وروسيا والصين وإيران وبعض الدول الأخرى لمساعدة السوريين الموجودين تحت سيطرة الدولة او تحت سيطرة المعارضة. حتى يوم اول من أمس، ثالث أيام الزلزال، لم تدخل مناطق الشمال السوري الواقع تحت سيطرة المعارضة قافلة إنسانية واحدة.
في الوضع الطبيعي، أرقام الضحايا تكشف حجم الدمار الذي تعرض له بلد ما. لكن في الحالتين التركية والسورية، الأرقام تكشف أشياء أخرى.
عدد الضحايا المعلن الآن أكثير بكثير في تركيا منه في سورية، لكن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة أن الكارثة هي أكبر في الأولى من الثانية، ولكن تُعلمنا فقط بأن هنالك بطئاً شديداً في أعمال الإنقاذ في سورية مقابل سرعتها النسبية في تركيا.
في تركيا  وصلت مساعدات من أكثر من 70 دولة مختلفة و14 منظمة دولية وهنالك أكثر من 100 ألف عامل إغاثة وإنقاذ، لكن في مناطق سيطرة الدولة السورية فإن عدد الجهات الفاعلة محدود. وباستثناء بعض الدول العربية وروسيا والصين وإيران، لا يمكن الحديث عن دول مهمة تقدم المساعدات.
حتى المساعدات التي تقدمها بعض الدول العربية تذهب أولا الى تركيا قبل نقلها براً لسورية مثل المساعدات القطرية والكويتية والسعودية والعمانية، لأن هذه الدول لا تريد حالياً التنسيق المباشر مع الدولة السورية خشية من تعرضها للعقوبات الغربية.
والحال كذلك بالنسبة للغرب مثل الولايات المتحدة التي تُعتبر المانح الرئيس للمساعدات الإنسانية لسورية، حيث قدمت ما يقرب من 16 مليار دولار منذ بداية الحرب السورية، إلا أنها ترفض التنسيق مع الدولة السورية لإيصال المساعدات، وهو ما يحرم مئات الآلاف من السوريين المنكوبين في مناطق سيطرة الدولة من الاستفادة بأي حال من المساعدات الغربية.
حتى في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة كان هنالك نقاش حتى أول من أمس في الأمم المتحدة عن «استكشاف جميع السبل» لإيصال المساعدات إلى شمال غربي سورية، بذريعة ان العبور لهذه المناطق من الجهات التي تسيطر عليها الدولة السورية يتطلب اتفاقاً جديداً مع حكومتها وهو ما لا تريده الدول الغربية.
بل إن الأسوأ من ذلك، هو أن العبور لشمال غربي سورية من الجانب التركي يتم عن طريق معبر باب الهوى، وهذا المعبر دمره الزلزال، ولا يوجد معبر آخر بديل لإيصال المساعدات للسوريين المنكوبين في مناطق سيطرة المعارضة السورية والتي تسيطر على أجزاء منها جماعات مسلحة مصنفة على قائمة الإرهاب تحديداً في أجزاء من إدلب وأجزاء من حلب.
بالعودة لمبادئ القانون الإنساني الدولي الذي يطالب الجميع بأن يضعوا «السياسة» جانبا عندما تكون هنالك كارثة طبيعية أو كارثة إنسانية بفعل الحرب، وان يقدموا مساعداتهم لكل من يحتاجها، فعلى الغرب ومؤسساته التنسيق مع الدولة السورية ومع المعارضة أيضا سواء كانت معتدلة أو متطرفة لضمان وصول المساعدات الى جميع المناطق المنكوبة في سورية.
تَسييس هذا الملف الإنساني عمل لا أخلاقي، ويكشف فقط أن الغرب لا يهمه شيء باستثناء تحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية حتى لو كانت على حساب مئات الآلاف من المنكوبين.