أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التونسية، وبلغت نسبة المشاركين فيها حوالى 11%، وهي أقل نسبة مشاركة في كل التجارب الانتخابية التي شهدتها تونس منذ ثورتها في 2010 حتى الآن.
وأرجع الكثيرون الضعف الواضح في نسب المشاركة في هذه الانتخابات التشريعية إلى عوامل عدة، أبرزها قرار أحزاب المعارضة بمقاطعة الانتخابات، وعدم اهتمام المواطنين عموماً بالسياسة في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، بجانب ضعف الصلاحيات الممنوحة للبرلمان في الدستور الجديد، بحيث يمكن وصفها بأنها انتخابات باردة غاب عنها الجدل السياسي والانتخابي، وقاطعها كثير من الناخبين ممن لا ينتمون لأحزاب المعارضة المدنية أو «جبهة الخلاص» التي تقودها حركة النهضة.
وقد بدأت الأزمة السياسية في تونس في تشرين الثاني 2011 في ظل حكم قادته حركة النهضة مع حزبين مدنيين أقل قوة وتأثيراً، وتمت صياغة دستور هجين أقرب إلى النظام البرلماني ظل مصدراً لأزمات سياسية كثيرة أصابت البلاد بالشلل وعمّقتها نتائج انتخابات 2019 البرلمانية والرئاسية، والتي أسفرت الأولى عن عدم حصول أي حزب على أغلبية مطلقة، وفي الثانية اكتسحها قيس سعيد، وحصل على حوالى 75% من أصوات الناخبين.
وقد دخلت البلاد في أعقاب انتخابات 2019 في أزمات متتالية نتيجة ضعف الصلاحيات الممنوحة للرئيس المنتخب من الشعب، وتنازُعها مع صلاحيات رئيس الوزراء المنتخب من البرلمان، وأصبحت السلطة التنفيذية برأسين متصارعين: رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ما أصاب النظام بالشلل والعجز.
والحقيقة أن شعور قطاع واسع من الشعب التونسي بعجز منظومة الحكم الدستورية والسياسية عن تلبية احتياجاته دفعته إلى دعم قرارات الرئيس سعيد الاستثنائية في 2021، وحل البرلمان ووضع دستور جديد، ثم أجرى انتخابات تشريعية الشهر الماضي، غاب عنها معظم الناخبين، وأصبحنا أمام أزمة جديدة يواجهها النظام القائم.
والحقيقة أن هذه الأزمة الجديدة ترجع أساساً إلى أداء الرئيس طوال العامين الماضيين، فالرجل دعمته غالبية الشعب التونسي في قراراته الاستثنائية، ثم انفصل في كل قراراته عن المؤسسات الوسيطة سواء كانت أحزاباً أو نقابات، وعمل بصورة فردية، حتى غاب عن آخر استحقاق انتخابي 90% من الناخبين، والغريب أن تفسير الرئيس قيس سعيد لهذا الغياب كان بالقول: «إن البرلمان لم يعد يمثل شيئاً للشعب» دون أن يعتبر أن أداءه على مدار عامين هو السبب الرئيسي وراء هذا العزوف.
لم تخسر تونس معركة الديمقراطية، ولا يزال مسار الرئيس قيس سعيد بكل عيوبه وسلبياته قابلاً للترشيد والإصلاح، بل يمكن منافسته بمرشح مدني والفوز عليه في انتخابات العام المقبل، كما أن الرجل لم يغلق المجال السياسي، ولا تزال هناك حركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني نشطة، ولا يزال الاتحاد التونسي للشغل يمثل رمانة ميزان وقادراً بمبادرته على أن يُخرج البلاد من أزماتها.