يصل بنيامين نتنياهو إلى الساحة المرتبكة وهو يجر عربته بحمولاتها الغريبة، يمكن سماع رنين الملاعق وخشخشة الحلي الرخيصة والمناديل المصبوغة، وكل ما يساعد في لفت الأنظار واهتمام المتسوقين.
تكاد سياسة نتنياهو تنحصر في حركتين: البقاء في السلطة بأي ثمن، في الأقل حتى تحقيق نتائج «إصلاحات» وزيره الخاص للقضاء، وتقليم صلاحيات المحكمة العليا بما يسمح بتوسيع ثغرة يمكن عبرها تمرير صيغة قانونية تنقذه من المحاكمة في ملفات الفساد الثقيلة التي تحيط به.
بالنسبة لعشرات الآلاف الذين يتظاهرون في أمسيات السبت في تل أبيب والقدس وحيفا، هؤلاء ليسوا الشعب، الشعب أولئك الذين لا يتظاهرون، الذين انتخبوا بن غفير وسموتريتش ودرعي، ما تبقى مجرد بواقي اليسار من محبي المثليين واليمين الخائن والعرب، وهؤلاء ليسوا الشعب، يمكن عزلهم ودفعهم إلى الهوامش أو تجاهلهم ببساطة، في أسوأ الحالات يمكن وضعهم في مواجهة مباشرة مع بن غفير وسموتريتش، بحيث يتحول هو إلى الوسط حيث نقطة الجذب التي يسعى لاحتلالها، النقطة التي تمنحه صفات مثل الحكمة والتوازن وتحصنه خارج الاشتباك كمخلّص.
الحركة الثانية هي إغراق المنطقة بالإنجازات التي تحققت، اتفاقيات إبراهيم، وبتلك التي ستتحقق بسببه ويعد بتحقيقها، استكمال اتفاقيات إبراهيم مثلاً، وتعويم فكرة الاتفاق مع السعودية كهدف رئيس «ينهي الصراع مع العرب» من جهة، ويستكمل تطويق الفلسطينيين وعزلهم من جهة ثانية.
كمقدمة اختار الحلقة الأضعف الجنرال السوداني «عبد الفتاح البرهان».. رجل ضعيف يقود بلاداً فككها الفساد، رجل بحاجة ماسة إلى الحماية، هكذا ظهر البرهان في قاعة كئيبة وهو يستقبل وزير خارجية نتنياهو ورفاقه السعداء في تغطية رئيسة، ترافقها وتتبعها زوبعة من التصريحات.. ثمة أوهام لدى الجنرال السوداني أن إسرائيل قادرة على حماية نظامه، وإنقاذه هو شخصياً من المحكمة الدولية على دوره خلال خدمته في نظام البشير، وهذا ينطبق على قائد قوة التدخل السريع حميدتي، زميله في «مجلس السيادة»، حاول الأخير التنصل من زيارة وزير خارجية إسرائيل للسودان، عبر بيان مقتضب يشير إلى أنه لم يكن على علم بالزيارة ولم يجتمع مع الوفد الإسرائيلي، لكن خبراً تسرب من إحدى الفضائيات الإسرائيلية ذكّر بأن حميدتي كان على الخط مع «الموساد» منذ عصر يوسي كوهين الرئيس السابق لـ»الموساد». كان هذا كافياً للتسبب بصمت قائد قوة التدخل السريع الذي تلاحقه شبهات قوية حول دوره في مذابح «دارفور».
الخيمة المركزية في كل هذا السيرك المنتشر هو عزل الفلسطينيين، استنساخ «الانقسام»، تطوير انفصال غزة عن الضفة إلى تقسيم الضفة نفسها، شمال وجنوب، والتعامل مع كل منطقة على حدة.
ثبات السلطة على موقفها في التوجه نحو المجتمع الدولي ووقف التنسيق الأمني، وتطوير هذا الموقف إلى مستويات أعلى من التنسيق مع «حركة المقاطعة» وأذرعها الناشطة في العالم والقوى الفاعلة في المجتمع المدني الفلسطيني، المبادرة لتحقيق صيغ وحدوية مع القوى السياسية والفصائل، ونفض الغبار عن السفارات الهاجعة وإخراجها من الغرف نحو الشارع، واستعادة «فتح» من ارتباكها وتوحيد صوتها دون إقصاء أو إبعاد أو استثناء، هذا وغيره سيترك نتنياهو وحيداً مع بن غفير ووراءهما صورة البرهان وسواه معلقة على الحائط.