إسرائيل اليوم - بقلم: أيال زيسر لمن تساءل إذا كانت إقامة حكومة جديدة ستؤدي إلى تغيير ما في سياسة إسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية، فقد جاء جواب واضح على وجه السرعة– لا وكلا.
اختارت الحكومة الجديدة مواصلة السير في المسار المعروف الذي تدار فيه علاقات إسرائيل والفلسطينيين في العقود الأخيرة، منذ انهيار اتفاق أوسلو وتحول السلطة الفلسطينية من شريك لصنع السلام إلى وكيل صيانة، يساعدنا، بشراكة مصالح خاصة، للحفاظ على الوضع الراهن في “يهودا والسامرة”.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مثل طفل اكتشف دمية جديدة ولا يستطيع تركها، سارع للتوقيع على أمر بتقليص بضعة ملايين من المليارات التي تحولها إسرائيل إلى السلطة. وسحب من وزير الخارجية الفلسطيني وزملائه البطاقة الشخصية المهمة، عقاباً على الحملة السياسية التي تخوضها السلطة ضدنا، وهكذا حكم عليه بطابور طويل في معبر الحدود. لكن لا تقلقوا، فمثلما حصل في الماضي، سرعان ما ستعود البطاقة إلى صاحبها، وإن كان في الخفاء ودون أن يرى أحد.
حتى سموتريتش، رمز اليمين في الحكومة، سمع فجأة وكأن به يوسي بيلين، من مهندس اتفاق أوسلو، حين أعلن بأن التعاون سيكون ممكناً مع السلطة إذا ما نفذت هذه اتفاقات أوسلو. فجأة، تحول اتفاق أوسلو في نظره إلى بوصلة ينبغي توجيه سياستنا بموجبها.
لكن سموتريتش ليس الموضوع، فقد تركه كل من رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالنت يتحدث عالياً، لكنهما حرصا على أن تكون القرارات التي اتخذت ضد السلطة عديمة الجدوى في الميدان. ومع كل الاحترام للوزراء والحكومة، فإن حق الكلمة الأخيرة محفوظ لجهاز الأمن. وسارع مسؤولون ليحذروا الأسبوع الماضي من انهيار السلطة، ودعوا لمساعدتها على الصمود، وذلك لأنها إذا ما انهارت، فستسود الفوضى ويزداد الإرهاب. ومن ثم ستهدأ السلطة الفلسطينية.
ينبغي الاعتراف بأن ثمة منطقاً وتأييداً واسعاً في الساحة السياسية وتلك الأمنية، وكذا لدى الفلسطينيين؛ للحفاظ على الوضع الراهن في “يهودا والسامرة”، بما في ذلك استمرار وجود السلطة الفلسطينية. في الحكومة من يؤمن بأن الحفاظ على الوضع القائم سيسمح – ببطء ولكن بأمان، ودونماً إثر دونم وبيتاً إثر بيت – لتثبيت الوجود الإسرائيلي في “يهودا والسامرة”، وجعل خطوة فك ارتباط أو انفصال متعذرة. كل هذا من دون إعلانات دراماتيكية تثير علينا غضب الأمريكيين. يفهم هؤلاء ما يحصل على الأرض، لكنهم يفضلون التسليم بالواقع بغض للنظر وعدم الصدام مع إسرائيل، أو دعمها، لأن ذلك يثير غضب العرب عليهم.
يؤمن جهاز الأمن بأن الحفاظ على الوضع الراهن، مثلما هو أيضاً وجود السلطة، سيضمنان إمكانية استئناف مسيرة سياسية يوماً ما، لكن كثيرين في جهاز الأمن يعتبرون المسيرة السياسية كلمة سحرية فيها ما يضمن مستقبلاً أفضل وهادئاً ومطمئناً.
وأخيراً، الفلسطينيون غير معنيين بالتغيير، لأن هذا كفيل بجلب خطوة سياسية مثل خطة ترامب، التي اقترحت لهم دولة، لكنها طالبتهم بالتنازل عن الأحلام والخيالات.
ولكن في معضلة بين دولة مقصقصة من جهة وسيطرة محتملة لحماس على المنطقة من أخرى، يفضل المسؤولون الفلسطينيون الكبار، الذين يرضعون من ضروع السلطة، التمسك بالوضع الراهن، على أمل حدوث معجزة ينتظرونها منذ مئة سنة.
غير أن للوضع الراهن نواقص بات يصعب وجودها، وثمة ثمن صيانته في ارتفاع دائم. وأخيراً، يجب أن يتعزز فيه الوجود اليهودي في “يهودا والسامرة” والهوية الفلسطينية وفكرة الكفاح التي تعمل عليها السلطة الفلسطينية، مما يصعّب على الفلسطينيين النزول عن الشجرة العالية التي تسلقوها.
إذن، ما الذي تريده دولة إسرائيل في واقع الأمر؟ خلافاً لهذا الوزير أو ذاك، أو لكبار رجالات جهاز الأمن، لا جواب بعدُ. وبخلاف الماضي، حين درجنا على أخذ مصيرنا بأيدينا، نترك المصير اليوم أن يقرر مستقبلنا.