يتواصل تمزق إسرائيل الداخلي منذ إعلان تشكيل أكثر حكوماتها تطرفا في 29 ديسمبر الفائت من الأحزاب الوطنية اليمينية والأحزاب الدينية المتطرفة . المعارضة من الوسطيين واليساريين ترى هذه الحكومة وصفة للقضاء على إسرائيل بتنكرها للديمقراطية وتعديها في تعديلات وزير عدلها ياريف ليفين على استقلال النظام القضائي ، ومن المعارضة من يشير إلى ما تنوي الحكومة الجديدة فعله في الضفة من خلال وزيريها بن غفير وسموتريتش ، والذي سيدفع الفلسطينيين إلى انتفاضة ثالثة عنيفة ضد إسرائيل سيكون لها تأثيرات إقليمية وعالمية فادحة الضرر بها .
ويشارك بعض الإعلام الإسرائيلي في التحذير من الانقلاب الوحشي على الفلسطينيين ، فيكتب تسفي بارئيل في ” هآرتس ” أن هذا الانقلاب قد يوصل الإسرائيليين إلى لحظة يكتشفون فيها ” أنه لا يمكنهم مواصلة السفر إلى أوروبا وربما الولايات المتحدة ، وأن البضائع الإسرائيلية لم تعد مرغوبة في العالم ، وأنهم يعيشون في قفص . ” ، أي أنهم ضروا أنفسهم من حيث أرادوا ضرر الفلسطينيين . ولا تقتصر معارضة الحكومة المتهورة المغالية في تطرفها الأعمى على الحزبيين من الوسطيين واليساريين الذين من أبرز أصواتهم وأعلاها يائير لبيد ، وغانتس ، وآيزنكوت ، فتمتد إلى المهنيين ، وتظاهر يوم الخميس 400 محامٍ وقاض ٍ في تل أبيب معارضين تعديلات وزير العدل ياريف ليفين على النظام القضائي التي وصفتها إيستر حايوت رئيسة المحكمة العليا بأنها تستهدف سحق هذا النظام لا تحسينه .
ويكثر وصف تمزق إسرائيل الداخلي الحالي بأنه ربما يفضي إلى حرب أهلية ، وهو مالا تريد حكومة نتنياهو أن تنتهي الأحداث في ظلها إليه ، وقد تبحث عن مفر منه بوسيلتين ، أولاهما انقلاب وحشي على الفلسطينيين متجاهلة الأصوات الإسرائيلية التي تحذر من فداحة عواقبه عليها ، وثانيهما عدوان على لبنان أو إيران أو الاثنين معا .
ومن مظاهر الانقلاب الوحشي على الفلسطينيين إلغاء اتفاق أوسلو الذي سيلغي تلقائيا السلطة الفلسطينية ، وتكليف رؤساء بلديات معينين إسرائيليا بإدارة أجهزة التعليم والصحة والمياه والكهرباء وسائر الشئون البلدية ، وسيكون ذلك ، مثلما كان قبل أوسلو ، تحت إشراف ” ضابط ركن ” إسرائيلي لكل جهاز إلا أن الأمر سيبلغ ذرا من السوء سيغدو معه ما كان قبله مثاليا إن كان في ظل الاحتلال العدواني أيما مثالية . وينسى مخططو هذا الجزء من الانقلاب الوحشي أن تعيين رؤساء بلديات من جانب إسرائيل أخفق في سبعينات القرن الماضي ، وهو في الوقت الحالي أبعد ما يكون عن أي نصيب من النجاح ولو في بلدية قرية ، ومحدد سلفا مآل كل فلسطيني يجرؤ على السقوط في هوة عاره .
ويغفل المخططون الحمقى أن إلغاء أوسلو إلغاء لاعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل الذي يرفضه كل الشعب الفلسطيني وطنيا وأخلاقيا ، ويضمر التخلص منه ، وسيقدم له هؤلاء المخططون المجانين سانحة تاريخية لهذا التخلص الذي سيرحب به أكثر العالم ، ويعده عقابا عادلا مشروعا لإسرائيل . وبداهة أن حكومة عصابة نتنياهو ستندفع طائشة في تهويد الضفة والقدس ، وهذا الاندفاع ، مضافا إلى ما أسلفناه من مظاهر انقلابها الوحشي على الفلسطينيين سيضعها في مرمى غضب شعبي فلسطيني جارف في الضفة والقدس وغزة والداخل المحتل ، وسيشدد من كره العرب والمسلمين لها ، وأعني الشعوب لا الحكام ، ولحظتها ستكون أحق من يسري عليه نفاذ المثل العربي ” على نفسها جنت براقش ” ، وإن الشاعر والمسرحي الإنجليزي شكسبير لحكيم حصيف حين ينصح : ” لا توقد الفرن كثيرا لعدوك حتى لا تحرق به نفسك ! ” . وفي احتمال العدوان على لبنان أو إيران أو الاثنين معا ؛ لا يكف القادة الإسرائيليون عسكريين وسياسيين عن هذا الهذيان من سنين . وأمس هدد عفيف كوخافي رئيس الأركان المنصرف بإعادة لبنان في هجوم ناري كاسح جارف 50 عاما للخلف ! ويوميا تنال إيران حظها من تهديداتهم .
ومعروف أنهم قديما كانوا يهاجمون فورا ولا يهددون . هاجموا مصر وسوريا والأردن وغزة في 5 يونيو 1967 دون تهديد واحد بالهجوم . كانوا واثقين من نجاحهم إن هاجموا فانعدم تهديدهم . ولو كانوا اليوم على شيء من تلك الثقة لما هددوا ولسارعوا إلى الهجوم . وحتى لو وفرت لهم أميركا وبعض الدول العربية عونا عسكريا في الهجوم على إيران أو لبنان أو الاثنين معا فسيلحقهم من عواقب عدوانهم ضرر مدمر . انتهى زمن العدوان السهل الذي ينتهي بالنصر السريع والسلامة من عواقبه .
وفي عدوانهم على لبنان وغزة عبر تحذرهم وتنهاهم ، فما العبر التي سيخرجون بها من العدوان على إيران ؟! لن يكونوا في حال من العقل والحياة تؤهلهم للخروج بأي عبرة ، ولا فائدة من أي عبرة حينئذ حتى لو قدروا على استخلاصها . وصفوة الكلام : الانقلاب الوحشي على الفلسطينيين والحرب في الجوار لن ينقذا إسرائيل من تمزقها الداخلي ، وهما أفدح وأفضح ضررا من هذا التمزق ، فلتمضِ في تمزقها الذي قد يكون قاصما هاشما لوجودها بيدها لا بيد عمرو إلا أنها أستر وأقل عارا . إنها مثل أبطال الأساطير الإغريقية الذين يفرون من قدر الموت ، فيلاقيهم في المكان الذي حسبوا النجاة فيه .