العالم الذي يترقب الانفجار… الأسئلة التي ستقرر وجه العالم الجديد!

الأحد 15 يناير 2023 10:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
العالم الذي يترقب الانفجار… الأسئلة التي ستقرر وجه العالم الجديد!



كتب خالد شحام:

أذكر جيدا عقب أحداث خديعة الحادي عشر من أيلول في العام 2001 مزاج الأجواء العامة التي كان يسودها الترقب من سُحُب الشر المتراكمة في الأفق حيث كنا نتساءل عما تنوي الولايات المتحدة فعله والتخطيط له بعد ما جرى حيث كان انتظار الأسوء هو الذي يفرض نفسه، و ما أشبه اليوم بالأمس مع ترقب أوسع وأحداث أشد فداحة، عالم اليوم يبدو خطيرا أكثر من اي مرحلة سابقة في التاريخ، محاط بكل اشكال التوتر و الاسلحة التي ابتكرها المجهود البشري خلال السكون التحضيري بعد الحرب العالمية الثانية، نحن الان نعايش عصرا تمتلك فيه دولة مثل الولايات المتحدة رصيدا هائلا من أدوات الموت والابادة من الاسلحة النووية والتقليدية وغير المعروفة اكثر من اي وقت مضى والمنتشرة بشكل سري او علني في معظم كوكب الأرض وحتى في الفضاء الذي يحوم فوق رؤوسنا .
 في قسم اخر مثل كوريا الشمالية وايران وتايوان تتحول البلاد بأكملها إلى مصانع للصواريخ المختلفة القياسات والأبعاد والعتاد الحربي وقريبا ستنضم اليابان لهذا المنحى، الصين و روسيا والدول المتحالفة معها تحضر رصيدها وتحشد كل ترسانتها المهولة كرد متصاعد على تهديدات الولايات المتحدة، أوكرانيا الضحية تحولت بين سنة وتاليها إلى مستودع للموت تُشحَن إليه كل أصناف التقنيات القاتلة وتحولت إلى مستودع وحقل اختباري لتجريب كل الأسلحة الدفاعية والهجومية التي تنهال عليها من كل حدب وصوب، مناطق اخرى من العالم المشتعل الذي صنعته سياسات الولايات المتحدة يمتلىء بالاسلحة والتقنيات القاتلة المُصدَرة من مصانع الشرق والغرب إلى آسيا وافريقيا وغيرها، لقد تحولت مناطق واسعة إلى حقول صراعات خطرة جدا على الحياة البشرية، سوريا – اليمن – العراق – فلسطين – لبنان – ليبيا  ومن الواضح ان المؤشرات تقول بأن هذه المساحات الخطرة سوف تتمدد وتتسع لتشمل الدول التي يبدو أنها بمأمن أو تظن نفسها خارج فلك الصراع الدائر .
لم يعد السؤال عن كم ونوع هذه الأسلحة لأن البشرية أسلمت بوجود ما يكفي من هذه المصائب لمحق الحياة البشرية والنباتية وحتى البحرية من كوكب الأرض، السؤال الأساسي هو ذات السؤال القديم الذي تولد عن الحرب العالمية الأولى ثم الثانية : لماذا نفعل بأنفسنا ذلك ؟ من هو الذي يدفع بهذا العالم نحو نهايته ؟ كانت الإجابة المحضرة في ذلك التاريخ بأن هنالك كيانا مجنونا تتلبسه روح العظمة والنرجسية المطلقة وخروج طموحه عن حيز الرحمة والقدرة الانسانية اسمه الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر الذي تم وصمه بكل أشكال الشيطنة وتحميله وزر كل الشرور والحروب والدماء التي أريقت، ونفس هذه الاسطوانة تتم إعادة تشغيلها حيال النظام الحاكم في كوريا الشمالية ثم تكرس نفس الصورة حاليا لبوتين وحيثما تطلب الأمر .
في وقتنا الحالي من المؤكد أن هنالك من يحاول جاهدا من حيث يدري او لايدري لإعادة إحياء دور هتلر في نظرية (جنون العظمة ) والتي تنص على أن هذا الكيان يتصرف وكأنه إله مطلق على وجه الأرض ولا يأبه بالنتائج الكارثية المترتبة على أفعاله، من الواضح أيضا أن الولايات المتحدة تقع في قلب هذه النظرية بغض النظر عن الكيان العميق الذي يحكم هذا البلد وشكله وحجمه وعدد أفراده، لقد تمت ادانة النظام النازي في متوسط القرن العشرين بأنه أكبر مسبب للهلاك والدمار والموت في العالم واحتل اسم هتلر أكبر مرجوم في التاريخ السياسي للعالم المعاصر، فإذا كان الامر كذلك فما الذي يمكن ان نسميه بما اقترفته شخصيات مثل نتانياهو وكل سابقيه ورؤساء الولايات المتحدة وشخص مثل توني بلير وجونسون وساركوزي وماكرون طيلة السنوات الماضية من الدمار والخراب ؟ ما الذي اختلفت فيه الولايات المتحدة عن هتلر فيما يحدث الان في اوكرانيا ومحاولة تلبيس الجريمة لروسيا ؟ لا يختلف الامر كثيرا لأن كل واحد من هؤلاء تحول إلى وريث لهتلر بجزئه أو كله في حق العالم بما تم اقترافه من ممارسات وسياسات إجرامية أشعلت الشرور في كل أنحاء الكوكب .

الحقيقة المنظورة هي أن هذا العالم الذي نعيشه اليوم يشبه برميل البارود الذي ينتظر أحدهم حتى يشعل فتيله، كل المعارك المعلقة تنتظر هذا الفتيل حتى يشتعل ومواضع الاشعال محضرة وجاهزة وتنتظر الصافرة الأمريكية للإنطلاق، نقاط التسخين الأساسية القابعة في أوكرانيا – ايران – تايوان – فلسطين – لبنان كلها تنتظر وقيعة التشابك مع بعضها البعض وفقا لنظرية الدومينو الاشتعالي، هذه البؤر المشتعلة هي التي تقف وراء كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تجتاح عالم اليوم من تهاوي الاقتصاد العالمي والعربي ذهابا إلى اللعب بالعملات والعبث بتصدير الشرائح الالكترونية وحتى خارطة الفوضى والجوع وما يسمى بالمعارضة والصحافة والاعلام والثروات وكل ما يخطر في بالكم من تفاصيل وحبكات، كل هذا يجري فيما العالم العربي يتماهى ويمعن في فقدان معالم عروبته وأصوله وتتحول الرقع العربية إلى محميات امريكية -اسرائيلية أو روسية أو ايرانية فاقدة للإرادة والقرار السيادي والقدرة على الرؤية أو حتى إنقاذ نفسها بالسيناريو الأقل ضررا .
تحوم في سماء العالم أسئلة كثيرة كبيرة معلقة تمثل جدار الخوف أو الصدمة المستقبلية لكل مواطن في هذا العصر، أسئلة يتم انتظارها كل يوم لأنها هي التي تسبب الأرق وانسداد الحلول وديمومة الحال والشعور بعبثية الحياة ومخاوفها، إليكم فيما يأتي بعض من هذه الأسئلة المصيرية :
1-هل ستتجرأ دولة الكيان على توجيه ضربات تحجيمية وردعية لايران ؟
لقد جربت الولايات المتحدة حزمة واسعة من العقوبات الفردية والجماعية والدولية على ايران، وصلت ذروتها في عهد الرئيس البرتقالي ترامب الذي وصف متباهيا حزمة العقوبات التي أقرت إبان فترة رئاسته بأنها الأشد قسوة ومع ذلك لم تتمكن هذه العقوبات في أي نوع من الكبح للبرنامج النووي او السياسي او التصنيع العسكري الايراني بل على العكس من ذلك دفع هذا بالنظام السياسي في ايران لمضاعفة نشاطاته في الاتجاه المضاد للولايات المتحدة بلا توقف ولا تراجع، وهذا هو السبب الذي يدفع بالعصابة الباطنية في دولة الكيان بالعربدة والتوعد بين الحين والآخر بتوجيه ضربات كابحة للتسليح الايراني فما هي حقيقة جدية هذه التهديدات وإلى أين تتجه بوصلة الأحداث في المواجهة مع ايران ؟
يمكن الفهم بعمق طبيعة الصورة القائمة إذا أدركنا بأن ايران وفي القريب العاجل ( هذا إذا لم تكن قد حققت ذلك بالفعل ) ستدخل نادي الدول النووية لأنها وحسب تعبير كبير لجنة مفتشي وكالة الطاقة الذرية الأسبق – العالم المصري يسري أبو شادي قد تجاوزت عتبة الاستعداد النووي ودخلت في منطقة الأهلية لإنتاج قنابل نووية من فئة 18 كيلو طن وربما أعلى، لقد تمكنت ايران وبجهود علمائها واصرار قيادتها من تصنيع وحدات التخصيب عالية القدرة IR8 وحزمة واسعة من المقذوفات الصاروخية عالية التقنية التي منحتها تفوقا في المجال التسليحي التقليدي، لقد تمكنت ايران من خلال ( حماقة ترامب بتراجعه عن الاتفاق النووي ) من عبور جسر التسليح الذاتي النووي بذريعة قوية وتمكنت من كسر قيود الاتفاقيات الرادعة والمحجمة لنشاطتها ووصلت مرحلة من الامكانات التي تبدو معها مكتسبات المفاوضات الجديدة بمثابة سخافات لا داعي لها إن لم تكن مشبعة لقناعات العقلية الايرانية بالكامل .
من الصحيح تماما أن دويلة الكيان قادرة على إلحاق الاذى المحدود بالجمهورية الايرانية ولكن هذه المغامرة ستكون تجسيدا للغباء السياسي المفضي إلى التجني على النفس، لو كان هنالك من توقيت مناسب لتوجيه ضربة قاصمة لايران لكان ذلك قبل اتفاقية لوزان 2015 حيث كانت البدايات النووية متواضعة للغاية ، إن تعرض ايران لأية ضربات على منشآتها النووية يعني بكل بساطة انسحابها الفوري من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والتي لها هالة كبيرة في كبح جموحها النووي التسليحي وثانيا ستقوم بطرد وايقاف نشاطات جميع مفتشي هيئة الطاقة النووية وايقاف الكاميرات والزيارات وإطفاء الحساسات الراصدة للاشعاعات وبالتالي ستنقطع معرفة القوى الغربية بما يجري داخل ايران من نشاطات مخالفة خاصة أن النشاطات النووية الايرانية يقع معظمها في بطون الجبال حيث ستفشل كل ادوات الرصد بالاقمار الصناعية، وحسب تصريح العالم شادي ابو يسري فإنه من المؤكد بأن ايران تمتلك بدائل وخطط فورية لإعداد مصانع وهياكل منشأت فورية جاهزة للحلول مكان أية منشآت معرضة لاحتمال الضرب وهي ليست في غفلة عن كل هذا السياق .
دعونا نتذكر الصورة التهريجية المضحكة للسيد بنيامين نتانياهو في مجلس الامم المتحدة في العام 2012 وهو يحمل رسما كرتونيا لمعدل تخصيب اليورانيوم الايراني وقد وضع الخط الاحمر عند هامش 90% ويؤكد بان ايران ستتعرض للقصف اذا تجاوزت هذا الحد، كان هذا الكلام قبل أكثر من عشر سنوات وها هو الان يعود ليفعل نفس اللا شيء حيال الملف الإيراني لأنه يدرك بأنه أصغر ولا يستطيع فعل أي من ذلك هو وكل إئتلاف العصابات التي يجمعها من حوله .
إن الولايات المتحدة في حالتي إنهاك وإنهماك في الملف الروسي – الأوكراني وتدرك تماما بأن ايران هي آخر همومها الحالية، إن مسألة ضرب ايران لا يمكن أن تمر مرور الكرام لأنها جزء واحد من أحجية كبيرة كلها تنتظر العمل بمعية بعضها البعض ولن تحدث إلا في سيناريو واحد فقط وهو الاشتباك العالمي الكامل الذي يفضي إلى استنفاذ كل الحلول وإنغلاق كامل المسارات والتحول نحو مواجهات مباشرة ومفتوحة على كل الصعد، بتعبير آخر إنها لحظة الصدام الحقيقي القادم مع الصين وهي الرخصة التي ستمنح كل الحروب إشارة البدء وتصفية الحسابات المعلقة .
إلى اللقاء في الجزء الثاني من المقالة
كاتب عربي