هآرتس - بقلم: جدعون ليفي أهلاً وسهلاً، يا كريم يونس، سرني جداً تحررك. أي إنسان ذي مشاعر إنسانية لا بد وأن ينفعل أمام صور وصولك إلى البيت بعد قضاء أربعين سنة في السجن. ها هو عناق الشباب وزغاريد النساء وتعابير وجه هذا الرجل الكبير في السن الذي قضى معظم حياته في السجن. هذه كما يبدو هي المرة الأولى التي يعانقه فيها شخص خلال أربعين سنة، المرة الأولى التي يسير فيها بحرية. ألا يثير هذا انفعالاً؟ كيف يمكن ذلك؟
حكم على كريم يونس بالسجن المؤبد بسبب مشاركته في قتل الجندي آفي برومبرغ. لا يوجد سجين يمكث في السجن أربعين سنة على عملية قتل واحدة. السجن مدة أربعين سنة عقوبة غير إنسانية وغير متزنة تقريباً بكل المعايير. حتى يغئال عمير لا يستحقها. يونس إسرائيلي، لذلك تتعامل معه إسرائيل بوحشية أكثر من السجناء من “المناطق” [الضفة الغربية]، وبالطبع أكثر من اليهود، وتصرفت معه بشكل مشين أثناء إطلاق سراحه. فقد تم رميه في محطة حافلات في رعنانا بعد أربعين سنة كي لا تفرح به وادي عارة. من الجيد أنهم لم يرموه في مزبلة. في بلاد المناورات، ذهب وزير الأمن القومي مسرعاً إلى سجن نفحة من أجل “التأكد من عدم حصول قاتل أي يهودي على ظروف أفضل من الظروف القائمة”. يا ايتمار بن غفير، ليس كل سجين فلسطيني قاتلا. وحتى القاتل من حقه أن يحصل على ظروف اعتقال عادلة ومنطقية أكثر من السجناء الأمنيين. أربعون سنة بدون إجازات أو محادثات هاتفية أو إمكانية للزواج، هذا هو وجه الظلم.
أعضاء اليمين الذين يصرخون طلبوا طرده. حتى مراسلة من الوسط هي “طال شنايدر”، كتبت: “من المهين رؤية السعادة التي استقبل بها قاتل. هذا سلوك يثير الغثيان”. ردها هو المقرف. في دولة يقتل فيها الجنود كل يوم تقريباً الشباب وكبار السن، بعضهم أبرياء ولم تكن حاجة حقيقية لجميعهم هناك، يثور الغثيان إزاء رد الإسرائيليين الشرير. مسموح للفلسطينيين الإسرائيليين أن يعتبروا يونس بطلاً. وأكثر من ذلك، مسموح لهم أن يفرحوا بإطلاق سراحه. هل هذا يثير الغثيان؟ إلى أين تصل كراهية العرب والأخلاق المزدوجة في المجتمع الذي يقدس كل جندي وكل مجرم حرب؟
التقيته في 2011 في سجن شطة، في مكتب قائد السجن الذي كانت صورة الحاخام ميلوفوفيتش تزينه. ظهر لي يونس منحنياً قليلاً وقاسياً وغاضباً. كان في حينه مسجوناً منذ أكثر من عشرين سنة. “قتلوا الأمل لدي”، قال لي. “ما الذي يعتقده سجين إذا لم تؤد سبع سنوات من مفاوضات السلام إلى إطلاق سراحه. هل ستؤدي عملية اختطاف من قبل “حزب الله” إلى إطلاق سراحه؟ إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة”. قبل عشر سنوات كانت أمه صبحية (78 سنة) تنتظره. زار قبرها الخميس. عندما زارته ذات مرة لم يسمح السجانون بإدخالها على الكرسي المتحرك. وعندما بكت، قالت لها السجانة: “ابكي، ابكي؛ أم جلعاد شاليط تبكي كل يوم”.
متى يفهم الإسرائيليون أن هؤلاء الأشخاص جنود يتحلون بالشجاعة من أجل النضال للتحرر الوطني، لا أمام أبناء شعبهم، بل وعند النظر إليهم بعين واقعية. متى ستشتعل المشاعر الإنسانية تجاههم؟
بقي خلفه عميد السجناء الجديد، وليد دقة، المريض، الذي حكم عليه في 1984 بالسجن المؤبد، وتحدد بـ 37 سنة. قبل عشرين سنة تقريباً، كتب: “أكتب لكم من الزمن الموازي. أحد شباب الانتفاضة قال لي بأن هناك أموراً كثيرة تغيرت في زمنكم. لم يعد للهاتف قرص، ولا يوجد إطار داخلي للإطارات…”. في 2014 استعدت باقة الغربية لإطلاق سراحه، وقام شقيقه أسعد بشراء 200 بالون مضيء. تم إلغاء إطلاق سراحه. كان من المفروض أن يتم إطلاق سراحه في آذار، ولكن تم الحكم عليه مدة سنتين ونصف بسبب عملية تهريب الهواتف المحمولة التي قام بها عضو الكنيست السابق باسم غطاس.
“كان يمكنني مواصلة حياتي في العمل كدهان أو كعامل في محطة وقود، كان يمكن أن أشتري شاحنة، ولكني شاهدت فظائع حرب لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا التي أصابتني بالصدمة”.