حذر جنرال إسرائيلي بالاحتياط من مغبّة اقتحام الحرم القدسي الشريف، وقال إن الضرر قد يبلغ حد المساس بالأمن القومي، داعياً رئيس حكومة الاحتلال الجديدة للسيطرة على القيادة وضبط وزرائه مشيراً للانعكاسات الحقيقية على مستقبل التطبيع والتنسيق الأمني مع دول الجوار، وعلى علاقات إسرائيل بالعالم.
وقال الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات والإستراتيجيا في جامعة ريخمان، في مقال" إن الردود الحادة من الدول العربية على زيارة بن غفير إلى الحرم القدسي الشريف، حتى لو بالسرّ وسريعاً، كانت متوقعة، منوهاً أن الحرم القدسي هو كقنبلة نووية، من حيث قدرته على إلحاق الأذى، إن لم يتم التعامل معه بالصورة الصحيحة.
وتابع: “لا توجد مبالغة هنا. الحرم القدسي والمساجد هي نقطة ضعف حساسة جداً في العالم العربي والإسلامي. تغيير الوضع القائم في الحرم يمكن أن يؤدي إلى سلسلة ردود حادة جداً، تصل إلى حدّ المس بالأمن القومي الإسرائيلي”. وقال إن إسرائيل دولة قوية جداً، وليست بحاجة إلى إثبات أي شيء لـ”حماس”. ويرى أنه من غير المعقول أن تؤثر تهديدات “حماس” في السياسات الإستراتيجية الإسرائيلية، التي يتضح أنها تفضل الانشغال بقضايا أُخرى.
وتابع: “بالأساس، “حماس” تهدد استناداً إلى اعتبارات تشمل الردع الإسرائيلي، والتخوف من ردّ الجيش. ومن اللحظة التي انتهت فيها “زيارة” بن غفير السرية والسريعة لم يكن هناك أي حاجة إلى الرد. وإذا ما قرّر بن غفير تصعيد الوضع والصعود إلى الحرم بشكل استفزازي وواضح خلال شهر رمضان، فمن المتوقع أن يكون هناك ردود دولية حادة أكثر. هذه الردود الدولية مقلقة أكثر، وتأثيرها أكبر في علاقات إسرائيل الإستراتيجية، من الرد المحتمل لحماس”.
بن غفير وزير
ضمن تسويغه تحذيراته يوضح جلعاد أن بن غفير، وبعكس المرات السابقة، هو وزير، هو السلطة، وعندما “يدخل” إلى الحرم القدسي معنى ذلك أن إسرائيل هي التي “دخلت”. وقال إن كانت التقارير بشأن تأجيل زيارة رئيس الحكومة نتنياهو، أحد الذين صاغوا “اتفاقيات أبراهام”، إلى دولة الإمارات صحيحة، فإن هذا مثال على ضرر أخطر بكثير من الناحية السياسية من الرد المحتمل لـ”حماس”. الهدف، إذا كان موجوداً أصلاً، إسرائيل لم تحققه، ودفعت ثمناً أكبر بكثير مما كانت تستطيع تحقيقه في هذه الحالة.
على مسار تصادمي
بالنسبة لعاموس جلعاد، رئيس سابق للقسم الأمني السياسي في وزارة الأمن، الأمور واضحة ومعروفة: إسرائيل نجحت في تشكيل تحالُف إستراتيجي مع الولايات المتحدة، وتعاوُن أمني متعدد مع الدول العربية، التي كان بعضها من أشد الأعداء لها، كمصر، والآن تحولوا إلى شركاء إستراتيجيين. ويقول إن الأردن أيضاً يشكل عمقاً إستراتيجياً لإسرائيل، والقيمة الأساسية لذلك تتمثّل في الحقن الكبير للدماء والموارد الذي تقدَّر بالمليارات، بالإضافة إلى منع “الإرهاب” من حدود معقدة وطويلة. منوهاً أنه، مع مصر، يجري التعاون الأمني ضمن إطار القيادة المركزية الأمريكية، وتحت العلم الأمريكي، لافتاً إلى أن الحديث يدور هنا عن تعاون قيّم جداً، يجري في السر، وبعيداً عن الجمهور، لكنه يسمح بتوفير الموارد، ويرفع قدرات العمل والتنسيق، وهو ما يسمح بتعميق “الصداقة” ما بين الدول العربية وإسرائيل بشكل يعزز قوة إسرائيل.
عماد القوة الإستراتيجية
وطبقاً لجلعاد، يمكن القول، من دون تردد، إن القوة الإستراتيجية الإسرائيلية تستند إلى عمودين: القوة العسكرية، التي هي في حالة نمو وتوسُّع وتعاظُم، والإدراك السياسي والإستراتيجي. سوياً، هما يصنعان قوة إستراتيجية شاملة، تحوي في داخلها قوة حقيقية وردعاً إستراتيجياً. ويقول جلعاد إن التعامل مع الحرم القدسي بطريقة غير صحيحة، ومن دون حذر، يمكن أن يضع إسرائيل على مسار مواجهة مع الدول العربية والعالم الإسلامي والولايات المتحدة. منبهاً أنه يمكن ملاحظة هذا من خلال الردود الحادة الفورية للدول العربية والولايات المتحدة، بعد صعود الوزير بن غفير إلى الحرم القدسي. ويضيف: “صحيح أنه قام بذلك بصورة مموهة بهدف تقليل الأضرار بالمقارنة مع المخطط الأساسي، لكن هذه الردود تكفي لتكون تحذيراً إستراتيجياً لإسرائيل. إذا تحوّل تغيير “الوضع القائم” داخل الحرم، الممنوع أيضاً بحسب الشريعة، إلى توجه واضح فإنه سيجري التعامل معه كاستفزاز. معنى هذا سيكون إلحاق الضرر بالأمن القومي الإسرائيلي بشكل كبير”.
حلم السنوار
ويزعم الجنرال الإسرائيلي أنه يجب إضافة “حماس”، التي يعتبرها تنظيماً “إرهابياً” إسلامياً دينياً يسعى لإبادة إسرائيل، وأن حلم حياة زعيمها يحيى السنوار إشعال مواجهة بين العرب واليهود في إسرائيل، وبين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي، كما حاول في “حارس الأسوار”، وإن سمحت الظروف فليكن هذا على خلفية دينية.
ويمضي محذراً: “من السهل إشعال حرب دينية، ولكن سيكون من الصعب جداً إخمادها. يمكن أن تجد إسرائيل نفسها أمام جبهة دولية مليئة بالتحديات. المسار بدأ مع الأمم المتحدة التي حولت قضية الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية إلى التحقيق الدولي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. هذه الخطوة من الممكن وقفها. وعلى الرغم من ذلك، وقوع أحداث صعبة في الحرم، تكون مصحوبة بـ”عنف” وتغطية إعلامية واسعة في كل العالم، يمكن أن تجعل وضع إسرائيل أصعب”.
وضمن تسويغ حرصه على التعاون الخارجي، يرى جلعاد أنه بعكس مقولة “شعب يحمي نفسه”، إسرائيل تعتمد على غيرها، وتحتاج إلى التعاون الدولي الواسع في المجالات الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية. من هنا يستنتج أنه لا يوجد بديل فعلاً في كل المجالات: نحن، بيدنا وبجهلنا، يمكننا إلحاق الضرر بالأمن القومي الإسرائيلي على جميع الصعد، ولا توجد مبالغة هنا.
مسيرة الحمقى
ويقول الجنرال الإسرائيلي إن مواقف السياسيين، من أمثال بن غفير وسموتريتش، التي وفقاً لها من “حقنا السيادي الصعود إلى الحرم القدسي وتجاهُل العالم”، معروفة. لكن يجب أن نفهم: أن هذا سيكون خطأً إستراتيجياً يمكن أن يشكل فصلاً في كتاب “مسيرة الحمقى”. هذا هو الوقت للوقوف وأن نكون واعين. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معنيّ بتطوير رد، أو العثور على رد على التهديد الإيراني، الأصعب في تاريخ الدولة، والذي يمزج بين رؤية تسعى لإبادة إسرائيل مع تطوير قدرات تلائم هذه الرؤية.
ويتابع في هذا السياق: “هذا إلى جانب الدفع قدماً بالسلام مع السعودية، كدولة عربية قيادية. هذه أهداف إستراتيجية مهمة جداً. ولذلك بالذات، وعلى الرغم من المساحة الجغرافية الصغيرة للحرم القدسي، فإن التهديد الذي يشكله على هذه الخطوات كبير جداً، ويمكنه أن يضرّ بإرث رئيس الحكومة المعني بكتابة اسمه في فصول تاريخ إسرائيل. هذا هو الوقت للمراجعة وتغيير السياسة، لمنع الفوضى.
الحلم السعودي يبتعد
في سياق متصل حمل محرر الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس” دكتور تسفي بارئيل على اقتحام بن غفير بدوافع حسابات المصالح الإسرائيلية المتنوعة. ويوضح بار إيل، في تحليل بعنوان “قمة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وبن غفير في الحرم بدون أبو يائير” إن ردود الفعل على “صعود بن غفير للجبل” تظهر أنه، رغم اتفاقات أبراهام، الدول العربية لا تنوي إزالة القضية الفلسطينية عن الطاولة.
كما قال المحلل السياسي الإسرائيلي يونثان ليس إن ردات الفعل على زيارة بن غفير إلى الحرم القدسي أوضحت لنتنياهو أن الحلم السعودي يبتعد. وقال، في مقال نشرته “هآرتس” أمس الأول، إن الدقائق القليلة من الزيارة الاستفزازية لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي كانت كافية للمجتمع الدولي كي يوضح لبنيامين نتنياهو نفاد صبره إزاء نزوات حكومته الجديدة. ونوه ليس لبيانات الإدانة المحلية والدولية الكثيرة، التي تراكمت على مكتب رئيس الحكومة، واعتبرها رسالة واضحة ذات صيغة واحدة: الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية، والأردن والإمارات العربية، أعربت في صيغة واحدة عن قلقها إزاء استفزازات بن غفير.