لا مفرّ من الاشتباك

باحث إسرائيلي: عدم مراعاة حكومة نتنياهو مصالح ومواقف واشنطن سيعود عليها كيداً مرتداً خطيراً

الأربعاء 21 ديسمبر 2022 03:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
باحث إسرائيلي: عدم مراعاة حكومة نتنياهو مصالح ومواقف واشنطن سيعود عليها كيداً مرتداً خطيراً



القدس المحتلة/سما/

من المتوقع أن يعلن رئيس “الليكود” بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، عن نجاحه في تشكيل حكومته السادسة، استعداداً لطرحها رسمياً، في الأسبوع القادم، فيما تواصل الولايات المتحدة التزام الصمت حيالها بعدما عبرت أوساط أمريكية، الشهر الماضي، عن قلقها من ضمّها أحزاباً غيبية متطرفة دينياً وسياسياً.

 كذلك تواصل جهات إسرائيلية رسمية وغير رسمية التحذير من تبعات مشاركة حزبي “القوة اليهودية”، برئاسة إيتمار بن غفير، و”الصهيونية الدينية” برئاسة باتسلئيل سموتريتش، على العلاقات المتينة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

في ورقة عمل جديدة بعنوان “الولايات المتحدة- إسرائيل: دلالات الحكومة الجديدة” يحذّر الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، إلداد شافيط، من أن عدم مراعاة دولة الاحتلال المواقف والمصالح الأمريكية سيعود عليها كيداً مرتداً خطيراً جداً عليها. ويقول شافيط إنه منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست، تتصرف الإدارة الأمريكية بحذر شديد، وتمتنع عن اتخاذ موقف يتعلق بسياستها حيال الحكومة الجديدة التي تتشكل في إسرائيل. وفي تعليق رسمي وحيد حتى الآن، استغل وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن ظهوره في مؤتمر اللوبي اليهودي اليساري الموالي لإسرائيل جي- ستريت، ليشدد على أن الإدارة تحترم الانتخابات الديموقراطية التي جرت في إسرائيل، وتنوي التعامل مع “سياسة الحكومة الجديدة، وليس مع أشخاص محددين موجودين فيها”. مع ذلك، عاد بلينكن فأشار إلى أن الولايات المتحدة ستطلب من الحكومة الجديدة “الالتزام بالمعايير المتبادلة للعلاقات القائمة بيننا خلال الـ70 عاماً الأخيرة”. ووفقاً لكلامه، ستظل الولايات المتحدة تؤيد القيم الديمقراطية، بما فيها حقوق المثليين والعدالة والمساواة بين كل المواطنين الإسرائيليين.

من وراء الكواليس
لكن وفي المقابل يشير شافيط إلى أنه ومن وراء الكواليس، حرصت أطراف أمريكية على تسريب خبر إلى وسائل إعلام عبرية عن حدوث نقاشات في الإدارة الأمريكية بشأن الحكومة الجديدة والعلاقات مع الوزيرين إيتمار بن غفير وباتسلئيل سموتريتش، لكن حتى الآن، لم يُتخذ أي قرار. ويضيف في ورقة العمل: “كما سُمعت انتقادات في الكونغرس، بالأساس في صفوف الحزب الديمقراطي، بشأن التركيبة المنتظرة للحكومة، والتخوف من السلوك الإسرائيلي، وخصوصاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان في الإطار الفلسطيني”. ويستذكر ما كتبته صحيفة النيويورك تايمز في افتتاحيتها (17 كانون الأول/ ديسمبر) بأن “حكومة نتنياهو تشكل تهديداً لمستقبل إسرائيل”، وأن على إدارة بايدن مساعدة “القوى المعتدلة في السياسة الإسرائيلية” في نضالها ضد الإصلاحات التي تخطط لها الحكومة الجديدة، و”تقديم الدعم للمجتمع الإسرائيلي الذي يمتاز بالمساواة في الحقوق وسلطة القانون”، كما تفعل في دول أُخرى في أنحاء العالم.

ويؤكد شافيط على أن الولايات المتحدة أظهرت منذ بداية ولاية إدارة بايدن التزاماً كبيراً بأمن إسرائيل ورفاهها، والعلاقات بينها وبين رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو (التي عرفت صعوداً وهبوطاً) جيدة. وبخلاف مراقبين إسرائيليين آخرين يرجح شافيط أن تبدي الإدارة طول أناة، وألاّ تسارع إلى اتخاذ موقف رسمي، وستمتنع عن الدخول في مواجهات مع الحكومة الجديدة بقدر الممكن. وللتدليل على ذلك يشير إلى أن السفير الأمريكي في إسرائيل توم نيدس شدّد في مقابلة مع صحيفة “هآرتس” على أن “نتنياهو هو المسؤول عن هذه الحكومة، وأنه يتعامل مع رئيس الحكومة الذي أوضح لنا جميعاً أن يديه تمسكان تماماً بعجلة القيادة”.

اختبار مركزي
مع ذلك، يقول شافيط إن اختباراً مركزياً بالنسبة إلى الإدارة، هو السياسة التي ستنتهجها الحكومة الجديدة حيال الفلسطينيين. ويتابع: “في خطابه أمام جي – ستريت، شدّد وزير الخارجية بلينكن على أن الإدارة الأمريكية متمسكة بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وأن الخطوات التي تؤدي إلى ابتعاد الطرفين عنه تشكل خطراً على أمن إسرائيل في المدى البعيد، وعلى هويتها اليهودية”. ويقول إنه وفقاً لكلام بلينكين فإن الإدارة الأمريكية تعلم بأن فرص الحل السياسي في المرحلة الحالية ضئيلة، لكنها تنوي المحافظة على فرص للتقدم في المستقبل. لافتاً إلى أنه بناءً على ذلك، أشار بلينكن إلى أن الإدارة الأمريكية ستعارض الخطوات التي ستزيد التوترات، وتبعد فرص التوصل إلى حل سياسي. كما يقول إن بلينكين قد شدد، علناً، على أن الإدارة الأمريكية تعارض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وخطوات الضم، والمسّ بالوضع القائم في الحرم، والتحريض على العنف. مذكّراً أنه، ورداً على سؤال في مقابلة “هآرتس” عن موقف الإدارة الأمريكية في حال عملت حكومة الاحتلال الجديدة على شرعنة بؤر استيطانية غير قانونية، شدّد السفير الأمريكي على أن الأمريكيين لا يؤيدون هذا، قائلاً: “نحن لا نؤيد ذلك”. وأضاف أن فكرة المحافظة على حل الدولتين جرى توضيحها جيداً: “لقد قلنا ذلك مرات ومرات، وسنعمل مع الحكومة للتشديد، بقدر المستطاع، على تحقيق المواقف التي نؤمن بها”.

تخوف كبير؟
ويرجح شافيط أن تكرار بلينكن مواقف الولايات المتحدة بالتفصيل يعكس تخوفاً كبيراً حيال السياسة المتوقعة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، ويقول إنه إذا تحقق جزء من الخطوات التي تعتبرها أحزاب الائتلاف المقبل ضرورية، في ما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية وبالقضية الفلسطينية، فلا مفر من الاشتباك مع الإدارة الأمريكية. ويتابع: “طبعاً، امتنع بلينكن عن التهديد، لكن كان واضحاً من كلامه أنه إذا خرقت إسرائيل الوضع الراهن (الستاتيكو) عموماً، ودفعت قدماً بخطوات أحادية الجانب خصوصاً، فإن ذلك سيؤثر في سلوك الإدارة حيالها. ويرجح أيضا أن الرد الأمريكي يمكن أن يتأرجح بين تنديدات علنية، وصولاً إلى تآكل فعلي في الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية عموماً، وفي مجلس الأمن.

طريق الدبلوماسية
وفي سياق التحديث عن توصياته، يقول شافيط إنه يتعين على الحكومة الجديدة أن تأخذ في حسابها أن مواجهات مع الإدارة الأمريكية ستؤذي قدرتها على إجراء حوار إستراتيجي معها، وخصوصاً في هذه الفترة الممتلئة بالتطورات على الساحتين الدولية والإقليمية، بما فيها المواجهة مع إيران، واشتداد المنافسة مع الصين في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ويمضي في تحذيراته: “حتى لو كانت الإدارة الأمريكية تؤمن بأن الدبلوماسية هي الطريق الأفضل لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، فإن التقدم الكبير لإيران في مراكمة قدرات على تخصيب اليورانيوم يفرض على الإدارة بلورة خطة بديلة لتعزيز الردع حيالها. وهذه عملية تتطلب من إسرائيل محاولة التأثير في الإدارة في بيئة “خالية من الضجيج”. وبرأيه فإن لليهود في الولايات المتحدة دوراً مهماً في التأثير في مواقف الإدارة، ويقول إنه في ضوء التآكل في تأييد الجماعات اليهودية لإسرائيل، من المهم تعزيز العلاقة مع المنظمات اليهودية المختلفة، والامتناع عن القيام بخطوات يمكن أن تثير معارضتها.

الساحة الدولية
علاوة على ذلك، وفي ما يتعلق بالساحة الدولية، يوضح شافيط أن الإدارة الأمريكية ترى في الدفع قدماً بجدول أعمال ليبرالي وتعزيز الديمقراطية هدفاً مركزياً في سياستها، أيضاً في النصف الثاني من ولايتها. لذا، يرى أنه يتعين على إسرائيل المحافظة على هذه المبادىء، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالمسّ بحقوق الإنسان، وباستقلال منظومة القضاء.

ويقول الباحث الإسرائيلي إن رصيد إسرائيل لدى الولايات المتحدة ناجم عن كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وإن قيام إسرائيل بخطوات تعتبرها الولايات المتحدة متعارضة مع هذه القيم يمكن أن يضر بأساس هذه العلاقات. وبرأيه أيضاً يتعين على إسرائيل مراعاة المصالح الأمريكية لدى بلورة مواقفها من مسائل أساسية مطروحة على جدول الأعمال، وهذه المقاربة يمكن أن تنعكس بصورة إيجابية على النظر إليها كحليفة، سواء في الإدارة أو في الكونغرس. موضحاً أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن النصف الثاني من ولاية بايدن سيتأثر بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، والتي من المتوقع أن تكون عاصفة، وأن تزيد في حدة الاستقطاب والصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين. من هنا يستنتج أنه من المهم أن تكون الحكومة الجديدة حذرة من الانجرار إلى الخلاف السياسي في واشنطن، وأن المصلحة الإسرائيلية تقضي أن يظل التأييد لها موضوعاً يحظى بإجماع الحزبين.

قيم مشتركة
ويتابع في وصف الواقع السياسي في الولايات المتحدة: “منذ اليوم، تزداد الأصوات في واشنطن، بالأساس وسط المشرّعين الديمقراطيين ومن جانب المجموعة التقدمية، وأحياناً من جانب التيار المركزي في الحزب، الذين لا يتفهمون السياسة التي تنتهجها إسرائيل، ويطالبون بالتشدد في الرد عليها، إلى حد المطالبة بالربط بين المساعدة لإسرائيل وبين سياستها في الموضوع الفلسطيني”. موضحاً أنه حتى لو كانت الإدارة الأمريكية إدارة مؤيدة لإسرائيل، فإنها لا تستطيع التغاضي، إذا قدّرت أن سلوكها يتعارض مع القيم المشتركة التي كانت الأساس الذي قامت عليه العلاقات الخاصة بين الدولتين. زاعماً أنه حتى الآن، الإدارة الحالية استطاعت تجاوُز الفجوة بنجاح في معظم الأحيان، لكنها ليست محصّنة إلى الأبد.

كما يقول شافيط إن السلوك الإسرائيلي، وسِمات العلاقات بين البلدين في العامين المقبلين، سيكون لهما أهمية كبيرة في المدى البعيد، في ضوء المسارات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية التي تحدث في الولايات المتحدة، حتى لو أن جزءاً منها لا علاقة له مباشرة بإسرائيل، فإنها يمكن أن تؤدي إلى تآكل الالتزامات الأمريكية حيال إسرائيل. محذراً من أن تجاهُل إسرائيل لهذه المسارات يمكن أن يكون كارثياً على المصالح الإسرائيلية، لأن ذلك يمكن أن يضرّ بمنظومة العلاقات الخاصة بين الدولتين، عاجلاً أم آجلاً. والمطلوب من حكومة إسرائيل، برأيه، الاستعداد بصورة ملائمة، ومن الأفضل أن يحدث هذا في أقرب وقت، من أجل مواجهة هذه التوجهات الإشكالية.

الخلاصة
ويخلص شافيط للقول إنه على القيادة الإسرائيلية أن تدافع عمّا تعتبره الأهم بالنسبة إلى الأمن القومي لإسرائيل، حتى لو كان ثمنه المواجهة مع الإدارة الأمريكية، ولكن ومع ذلك، عليها أن تدرك أن واشنطن والإدارة والكونغرس يتوقعون احترام إسرائيل المصالح الأمريكية. ويستنتج أنه، يجب على إسرائيل أن تنتهج نهجاً واقعياً من خلال الحرص على الشفافية والحوار المستمر، معتبراً أن النقاشات العلنية يمكن أن تتدهور بسرعة إلى نقطة قد تفسّرها واشنطن بأنها ضد الإدارة الأمريكية وضد المصالح الأمريكية. ويتابع: “لا خلاف على أن المساعدة الأمريكية هي مكوّن حاسم في الأمن القومي لإسرائيل، وأن التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي ستواجهها إسرائيل في الأشهر القريبة تفرض تنسيقاً كاملاً مع واشنطن”. على هذه الخلفية، يرى شافيط أنه من المهم جداً أن تأخذ إسرائيل في حسابها أيضاً حاجات الإدارة الأمريكية وسياساتها في كل ما له علاقة بصوغ سياسة منسجمة في مواجهة تحديات سياسية وأمنية، وكذلك في ما يتعلق بقضايا تشغل الساحة الدولية، وتلك الموجودة في صلب المصالح الأمريكية. ويختم: “بالنسبة إلى إسرائيل، العلاقات مع الولايات المتحدة لها أولوية كبرى تفرض عليها اختيار سياسة تتلاءم مع سياسة الولايات المتحدة، حتى على حساب مصالح أُخرى”.