استضافت مؤسسة أمريكا الجديدة New America Foundation مدير الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين والمعروفة باسم ( الأونروا) جون جينج John Ging للحديث عن الدولة الفلسطينية الحالية وشعبها. وتحدث جينج وسط حشد من 60 شخصية أغلبهم من المنظمات الغير حكومية والمعنية مباشرة بالأزمة الفلسطينية. وقد جاءت الندوة تحت عنوان الأمل في غمرة اليأس Hope Amid Tragedy . تركز النقاش على الحصار الإسرائيلي على غزة والانعكاسات السلبية لذلك على سكان القطاع. وتحدث جينج بصراحة ووضوح عن الحصار واصفًا إياه " بأنه غير شرعي تحت سمع وبصر القانون الدولي". وطالب بحل حاسم وقانوني لهذه المسألة بدلاً من الحلول السياسية الملتوية. ولقد رأى بأن المحاولات الحالية لتسوية الخلافات السياسية والمصالحة هي غير ضرورية وتؤجل بالفعل أي خطوة نحو التقدم الحقيقي وذلك لأنها تشتت الانتباه عن جوهر المشكلة الحقيقي. ومن الجدير بالذكر أن وكالة الأونروا مارست خلال ما يقرب من ستين عامًا أعمالها الإنسانية بهدف مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وتزويدهم بما يلزمهم من خدمات صحية، وتعليمية، واجتماعية، ومالية، وسط دعم دولي لأنشطة الوكالة، لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحمل الجزء الأكبر من الدعم المالي لهذه المؤسسة غير مُسيسة النشاط. صعوبة عمل الوكالة جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة مد تفويض عمل الأونروا داخل الأراضي الفلسطينية حتى الثلاثين من يوليو 2011. ولقد صنف جينج التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية، المساعدات الغذائية والبنى التحتية، على أنها من بعض المجالات التي تدخل ضمن الأونروا الآن، وذلك لأن عدد الفلسطينيين في زيادة مستمرة بالإضافة إلى أن الوضع في غزة مستمر في التدهور. وبالتالي حجم ونطاق عمل الوكالة لابد أن يواكب تلك التطورات. وعبر جينج عن افتخاره الشخصي بإنجازات الوكالة في مجال تعليم الشباب الفلسطيني. وأشار أيضًا إلي الإنجازات الكبيرة للأونروا في مجال تعليم المرأة الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك باعتباره نجاحًا خاصًّا ومميزًا للوكالة. ومهمة الأونروا أصبحت أكثر صعوبة في قطاع غزة منذ الحصار الإسرائيلي للقطاع عام 2007. فقد وصف جينج غزة "بالخراب الاقتصادي" حيث الإحباط واليأس أصبحا سائدين. ولقد قال بأنه منذ الحصار هناك وظائف عديدة قد اختفت، المياه ، الصرف الصحي والبنية التحتية الصحية، كل ذلك في تناقص مستمر، وكذلك الخدمات التعليمية تقلصت وعملية إعادة الإعمار هي عملية مستحيلة في ظل الوضع الراهن والذي بدا مع الحصار بحيث لا يسمح لكيس واحد من الأسمنت بدخول قطاع غزة، وأيضًا يضاف إلي ذلك عدم إمكانية مغادرة القطاع والتي خلفت وراءها عددًا لا حصر له من سكان القطاع والذين تفوقوا أكاديميًّا حتى المرحلة الثانوية ولكن لا توجد فرصة تسنح لهم بالحضور للجامعة. ولقد كرر كثيرًا الإشارة إلي الإشراقة والتفاؤل التي بقي عليها سكان قطاع غزة رغم الاضطرابات والصعوبات الحالية. ولكن عبر عن مخاوفه في أن هذا الأمل والتفاؤل سيتلاشى شيئًا فشيئًا إذا بقي الحصار دون تحرك المجتمع الدولي. التحديات المقبلة ووصف جينج أزمة قطاع غزة بأنها مشكلة قانونية وليست سياسية. وأشار أن الولايات المتحدة قد توسطت في ترتيبات وذلك لإنهاء الحصار بين الإسرائيليين وسكان القطاع والمصريين. ولكن لا يوجد أيٌّ من الأحزاب حتى الآن قد بدأ بالالتزام بالاتفاق الحالي على الرغم من أنه ملزم في إطار القانون الدولي. بعض من قادة الصقور في إسرائيل لا يثقون في خطط الأونروا ولا حتى بالوضع الراهن في مجملة، ناهيك عن وضع صعوبات أمام عمل الوكالة من قبل الإسرائيليين. مطالبات عديدة من الفلسطينيين، وهذا يساعد ويحرض على الأعمال الإرهابية.أشار جينج إلي أنه غالبًا ما تكون المخاوف الأمنية لدى القادة الإسرائيليين مخادعة. وهو يعطي مثالاً بنقاط التفتيش الحدودية، بحيث يتساءل إذا كان بالإمكان إدخال كيس من الدقيق ، فلماذا لا يسمح بدخول كيس من الأسمنت؟ بالمنطق ذاته يتساءل مرة أخرى إذا كان بالإمكان فتح نقاط التفتيش بأمان لمدة أربع ساعات في اليوم الواحد ، لماذا لا تكون ست ساعات؟. وفي إطار الجدل الدائر حول المخاوف الأمنية لدى الجانب الإسرائيلي، يكرر جينج قوله بأن تدمير حق سكان قطاع غزة في الأمن الاقتصادي والمادي، وهي مسألة سياسية وليست لأسباب قانونية أو شرعية. ولقد أوضح بأن الأونروا على استعداد لاستخدام مركبات وذلك لنقل إمدادات إعادة التعمير المطلوبة للقطاع وذلك تحت نظام يسمح بالمحاسبة والرقابة. وأوضح جينج بأن المنظمة يتطلب منها أن تقوم بحساب كل الأموال والمواد التي استخدمتها ليس فقط لعرضها على الأمم المتحدة ولكن أيضًا على الجهات المانحة ( الحكومات الغربية الأبرز). واستشهد بذلك كدليل كاف على أن أي اتهامات بمساعدة الإرهابيين هي خاطئة . وأشار أيضًا إلي الحادث الأخير بحيث تعرضت قافلة إمدادات تابعة للأونروا للخطف على يد متطرفين في غزة. ولقد علقت الأونروا على أثر ذلك كل عملياتها في غزة وأعلنت أنها ستبقى في حالة واحدة فقط وهي إعادة كل ما تم نهبه من البضائع. وليس هذا فحسب ولكنها أيضًا حصلت على وعد من القادة الفلسطينيين الرسميين والغير رسميين بعدم تكرار مثل هذا الحدث مرة أخرى. ومع استمرار النقاش للبحث في المستقبل ، سأل جينج عن مدى أهمية أن يعمل الفلسطينيون مع بعضهم بعضًا. وصرح جينج بأنه في المدى القصير فإن كل عمليات الأونروا تتم بشكل مستقل عن الحكومة الموجودة في غزة. وأوضح بأن ذلك سيكون له آثار سلبية على المدى البعيد إذا استمر القادة الفلسطينيون في تغليب المصالح السياسية الضيقة على معاناة الشعب الفلسطيني المتزايدة. وفى الختام عبر جينج عن أن الوضع سيتحسن في الأمد القريب. وأكد على أن شعب غزة لا يشعر بمرارة تجاه إسرائيل أو الولايات المتحدة وغير مهتم بالانتقام أو القصاص. وأعلن في النهاية بأنة لن يفقد الأمل طالما استمر في رؤية الابتسامة تعلو وجوه شعب غزة. انتقادات إسرائيلية لعمل الوكالة عرضت دراسة حملت عنوان "إصلاح الأونروا.. إصلاح مشاكل نظام الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيينFixing UNRWA.. Repairing the UN’s Troubled System of Aid to Palestinian Refugees صادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنىWashington Institute for Near East Policy" لعديد من الانتقادات للوكالة. وما يميز هذه الدراسة أن كاتبها جيمس جي . ليندسايJames G. Lindsay" من أحد المشتغلين بالوكالة. فقد شغل منصب المستشار القانوني بها خلال الفترة من عام 2000 وحتى عام 2007. وقد عرض التقرير تلك الدراسة تحت عنوان رؤية أمريكية جديدة لدور الأونروا توضح الدراسة أن وكالة "الأونروا" تتعرض لعديدٍ من الانتقادات التي تتناقض مع بعضها بعضًا. فعلى سبيل المثال تتهمها إسرائيل بمساعدة ودعم الفلسطينيين، والمعادين لإسرائيل، بل ودعم (الإرهاب)، في حين يُنظر إليها من بعض دول الشرق الأوسط على أنها دمية في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن ما تقدمه من خدمات إنما هي محاولة لتلبيد مشاعر الفلسطينيين المقاومة. وركزت الدراسة على الجانب الأول من هذه الاتهامات، موضحة أن سياسات الوكالة تتعارض مع مصالح مموليها. ففي هذا الإطار أوضح الكاتب أن أحد أهم الانتقادات الموجهة ضد "الأونروا"، تتمثل في أنها لا تسعى لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل مؤقت، والإصرار في المقابل على حل سياسي دائم قائم على عودة اللاجئين إلى أراضيهم، وذلك من خلال توضيح وتحذير الوكالة للفلسطينيين اللاجئين من تغيير بعض أوضاعهم حتى لا يفقدوا صفات اللاجئين وبالتالي لا يستطيعون العودة إلى فلسطين إذا ما تم التوصل إلى حل لقضيتهم العالقة. ومما يزيد من حدة هذه الانتقادات أن الوكالة قادرة على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين إذا ما رغبوا في ترك المخيمات، والعودة إلى الحياة الطبيعية في الدول التي تستضيفهم، من خلال تقديمها منحًا لهؤلاء تمكنهم من شراء مساكن، لاسيما وأن نسبة وإن كانت ضئيلة نسبيًّا من اللاجئين لا يعترضون على مثل هذه المنح، بل إنهم يتمنونها وإن كانت ستحرمهم من حق العودة إلى أراضيهم، إذ لن تنطبق عليهم شروط اللجوء بعد تلقيهم هذه المنح. يقود الانتقاد السابق بدوره إلى انتقاد آخر ذي صلة وهو أن "الأونروا" تحولت من تنفيذ أهداف إنسانية إلى تحقيق أهداف سياسية للعالم العربي، من خلال إبقائها على حالة الفوضى التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية، قطاع غزة، ولبنان، وذلك في محاولة لإعادتهم إلى أراضيهم الفلسطينية، وعدم دمجهم في مجتمعات أخرى عربية تفقدهم حق العودة، ولا تتفق مع رغبة الدول العربية التي عادةً لا تتجه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين لديهم. وتطرح الدراسة انتقادًا ثالثًا لا يقل أهمية عن الانتقادين السابقين، وهو أن الوكالة تتوسع في قبول من تطلق عليهم وصف اللاجئين الفلسطينيين، إذ إن متطلبات الوثائق التي لا تثبت أحقية الفرد في أن يكون لاجئًا غير صارمة، كما أنها قابلة للتزييف، حيث تعتمد فقط على تقديم إحدى فواتير المرافق العامة الصادرة قبل مايو 1948، وفي بعض الأحيان تتغاضى الوكالة عن وجود هذه الوثائق، وهو الأمر الذي يزيد من أعداد من لهم حق العودة إذا ما تم الاتفاق على هذا التوصيف للاجئ. أما الانتقاد الأكثر خطورة الذي تسوقه الدارسة، فهو تورط موظفي الوكالة في بعض الأعمال الإرهابية ـ على حد وصف الدراسة ـ في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك اعتمادًا على المعلومات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية في هذا الإطار، وبالفعل فقد تم توجيه عديد من التهم لعدد من موظفي الوكالة في الأراضي الفلسطينية، مفادها تواطؤ هؤلاء مع الفلسطينيين الذين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الإسرائيليين ـ حسب الكاتب ـ من خلال تزويدهم بوثائق سفر الأمم المتحدة، وعربات "الأونروا" لتجاوز نقاط التفتيش الإسرائيلية في غزة، والسماح باستخدام ساحات المدارس التابعة للوكالة كمعسكرات للتدريب خلال الإجازات الصيفية. إلى جانب التجاوزات المالية المتمثلة في تقديم رواتب لأفراد ينتمون لحركات سياسية معادية لإسرائيل على رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس". كما تطرقت الانتقادات التي أشارت إليها الدراسة إلى أسلوب ومحتوى الخدمات التعليمية التي تقدمها الوكالة للاجئين لاسيما في سوريا، لبنان، والأردن نظرًا لبعدهم عن التفاعل المباشر مع إسرائيل، ولبعدهم عن عمليات السلام حاليًّا، حيث المواد التعليمية المعادية لإسرائيل، تلك العملية التي عززها القرار الخاطئ ـ من وجهة نظر الكاتب ـ المُتخذ عقب اتفاقية أوسلو والقاضي بإعادة تدريس المناهج المصرية والأردنية دون حذف المواد التي سبق وحذفتها إسرائيل، في مدارس الوكالة.