النمط والوعد والحصّادة..غسان زقطان

الإثنين 19 ديسمبر 2022 02:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
النمط والوعد والحصّادة..غسان زقطان



تصل بين وقت وآخر إشارات من إدارة البيت الأبيض حول اعتراض على "أشياء" في إسرائيل، مثل المطالبة بإجراء تحقيق حول اغتيال "شيرين أبو عاقلة"، التحفظات على وجود الفاشي "إيتمار بن غفير" في حكومة "نتنياهو"، للتوضيح التحفظ على بن غفير يقترح أن نتنياهو مختلف، أو تسلّم الفاشي "سموتريتش" صلاحيات في إدارة احتلال الضفة الغربية والتحكم بمصائر الفلسطينيين...أشياء من هذا القبيل، بينما تجري تورية الجرائم الإسرائيلية الكاملة، بما يشبه نمطا، عبر الحديث عن حل الدولتين الذي يصبح أكثر غموضا وأقل دلالة في كل مرة.
الأمر يشبه إعادة قراءة رسالة "جيمس بلفور" للورد "روتشيلد"، التي اشتهرت فيما بعد   بـ"وعد بلفور"، قراءة حداثية لوثيقة تتمتع بروح استعمارية فاشية متجددة، وتشكل دليلا دامغا، لم يستخدم في المحكمة الجنائية بعد، على جريمة حرب تتواصل منذ أكثر من قرن.
السياسة الأميركية في المنطقة هي إعادة قراءة مخلصة لهذا الإرث الاستعماري، وهذا ينطبق على معظم السياسات الغربية في علاقتها مع الشأن الفلسطيني، ألمانيا على وجه الخصوص، التي تنطلق مواقفها من الثقافة التي تركتها تلك الرسالة في الوعي السياسي الغربي، ولم تخرج عنها خلال عقود الصراع الطويلة، بحيث تحولت، الرسالة/ الوعد، إلى المكون الأهم في أدبيات هذه السياسة واليها يعود كل تفكير بالحلول.
"الخلافات" التي تظهر في تصريحات بعض ممثلي السياسة الأميركية مع الفاشية الإسرائيلية، تذكّر بقوة باعتراضات إدارة الانتداب البريطاني على وحشية بعض التيارات الفاشية في العصابات الصهيونية. تحفظ على المبالغة في تنفيذ السياسة البريطانية نفسها، لا أكثر.
يتلقف بعض العاملين في السياسة والمتحدثين بشأن القرار السياسي الإشارات الغامضة المقتضبة التي ترسلها إدارة بايدن الضعيفة لتتحول إلى حواف للتعلق، بحيث يواصل المتعلقون الأرجحة دون أن تلمس أقدامهم الأرض، الأرض التي تواصل ابتعادها عن أقدامهم وتبني هاوية.
الحوار بين الولايات المتحدة وظواهر الفاشية في إسرائيل، والخلافات التي تنشأ حول منظومة الفصل العنصري بين وقت وآخر، تشكل أداة مزدوجة تمنح هذه الإدارة المريضة بالصهيونية فرصة الظهور بمظهر الموضوعي من جهة، ومساحة لمواصلة حماية "إسرائيل" من تهورها ونزعاتها الفاشية التي أصبحت خطرا ماثلا على المجتمع الإسرائيلي نفسه.
كل هذا يكاد يصبح نمطا، أو هو كذلك، نوع من الاتفاق الذي آل إليه الأمر.
بينما على الأرض خارج النمط تتقدم المواجهة مثل حصّادة عظيمة تطحن كل شيء.