سيكون لزاما على المهتمين بالقضية الفلسطينية المنسية ان يتجهوا جديا ودون تاجيل لتدوين و توثيق الجرائم اليومية للاحتلال التي تستهدف الاطفال يوميا في الضفة و القطاع والتي يمكن أن تكون موسوعة ستحتاجها الاجيال القادمة لكشف تلك الجرائم و تحقيق العدالة لاصحابها و لو كان بعد سنوات او عقود فنحن ازاء جرائم لا تسقط بالتقادم تماما كما أن ضعف و هشاشة الضحية لا يعني بالمرة التنازل عن هذا الحق أو التنازل عنه …
جنى زكارنة اسم اخر يضاف الى قائمة طويلة من ضحايا الاحتلال من الاطفال العزل , شهيدة مخيم جنين لم تكن أول الضحايا ولن تكون حتما الاخيرة فقد سبقها الكثيرون من اطفال فلسطين ممن قتلوا بدم بارد برصاص الاحتلال دون ذنب يذكر…
تصرفت كما يتصرف كل طفل خاف على قطته من الخطر , صعدت جنى الى سطح البيت بحثا عن “لولو”لتحميها من الرصاص فاصيبت باربع رصاصات في الرأس أما بقية الحكاية فمعلومة حيث سارع الاحتلال بتصنيف ما حدث تحت شعار قتل على وجه الخطا و ما اكثر جرائم القتل على وجه الخطء و القتل من النقطة صفر عندما يتعلق الامر بجيش من أطفال فلسطين الذين يواجهون الموت كل يوم …
هناك قناعة تتدعم يوما بعد يوم بأن الاعدامات اليومية التي يتعرض لها أطفال فلسطينين من الضفة الى القطاع تحتاج للتوثيق والتشهير , أولا احياء و اكراما لذكرى هؤلاء الشهداء الاطفال ولكن وهذا الاهم حتى لا تتلاشى الحقيقة و حتى يتم حفظ ارشيف هذه الجرائم لتكون وثيقة ادانة يوما ما في المحاكم الدولية …لا خلاف أن لكل طفلة او طفل فلسطيني شهيد ارتقى برصاص الاحتلال الاسرائيلي حكاية يجب ان تدون و تروى للعالم …صحيح أن سلطات الاحتلال حريصة و قادرة في احيان كثيرة على منع ذلك و التصدي لنشر اخبار تلك الجرائم و الامثلة كثيرة و متعددة و في كل الحالات فان التبرير جاهزمع كل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وهو قتل على وجه الخطأ يستهدف الطفل في طريقه الى المدرسة او في الطريق او حتى في البيت و يستهدف الرضع في المهد و الاجنة في الارحام …في الايام القليلة الماضية حرصت حكومة اسرائيل بكل نفوذها على ايقاف فيلم “طنطورة ” من شبكة نتفليكس وهوفيلم يوثق جرائم النكبة على لسان مرتكبيها من جنود اسرائيليين, والامر ذاته تكرر مع الفيلم الاردني “فرحة ” و هو فيلم مستلهم من قصة حقيقية لفتاة تحمل الاسم ذاته “فرحة” عاشت خلال أربعينيات القرن العشرين، قبل النكبة، في إحدى قرى فلسطين، وكانت تحلم بالانتقال إلى المدينة ودخول المدرسة و انتهى بها الامر مع ثلاثة من اشقاءها ضحايا لجنود الاحتلال … المهم في الحالتين أن هذه الافلام لم تتوقف على اليوتيوب وبقيت متاحة للجميع الامر الذي اغضب سلطات الاحتلال وهي التي بقيت عاجزة أمام ثورة الاتصالات التي باتت تسمح بتجاوز كل قيود الاحتلال و ضمان وصول هذه الافلام الى كل شعوب الارض و هي نقطة ايجابية لفضح جرائم الاحتلال القديم منهاو الحديث … لا نعرف ما اذا سيكون لزيارة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالاطفال والنزاعات المسلحة فيرجينيا غامبا الى فلسطين من نتيجة تذكر لايقاف الاعدامات اليومية التي يمارسها جنود الاحتلال الاسرائيلي و التي تتم بدم بارد و تستهدف أطفال فلسطين و التي تبرر بانها وقعت على وجه الخطأ , ولكن نعرف جيدا أن موسم القتل اليومي انطلق و لن يتوقف حتى بعد أن تتشكل حكومة ناتنياهو اليمينية المتصهينة التي ترتوي من دماء الابرياء …
جنى زكارنة التي ودعها اهالي جنين أمس في جنازة حاشدة ماساة تتكرر منذ عقود هي حكاية هدى غالية طفلة مذبحة شاطء غزة وهي ايضا حكاية محمد الدرة الذي قتل تحت انظار العالم و هي محمد الدوابشة الذي احرق حيا و هي ايضا الشقيقان جواد و ظافر ريماوي و ايهاب و حيدر نجم و هي كل هؤلاء و غيرهم أيضا اللذين لم نذكرهم و الذين سيتعين العمل على نشر حكاية كلطفل او طفلة تم وأدها دون ذنب…واغتيال جنى زكارنه هي ايضا مثل اغتيال شيرين ابو عاقلة التي تم اغتيالها على مشارف مخيم جنين معقل الابطال و المقاومين …لا شك أن مسألة محاسبة وملاحقة الاحتلال أمام الجنائية الدولية مسالة ليست متاحة في الوقت الراهن وتحتاج لجهود مضنية وامكانيات و طاقات وحملات مدروسة سياسيا و اعلاميا و قانونيا لكسب الراي العام الدولي و ممارسة الضغوط المطلوبة لجلب الجناة أمام العدالة الدولية و لكنها ليست بالامر المستحيل و قد تتوفر مستقبلا اذا توفرت شروط هذه المحاكمات وحتى الوصول الى هذا الهدف فقد وجب العمل على جمع الوثائق و تدوين كل ما يمكن تدوينه من معلومات و صور و تسجيلات لتوثيق هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم …
كاتبة تونسية


