قدمت شعبة الاستخبارات في الجيش “الإسرائيلي” هذا الأسبوع تقييمها للواقع الإقليمي والعالمي للعام المقبل للمرة الأولى، على هامش مؤتمر عقده معهد غازيت، وهو معهد أبحاث أنشأه الجيش العام الماضي.
وقال مراسل صحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هريئيل: "إن المؤتمر الذي بثه موقع الجيش، تضمن تقييم الاستخبارات والطريقة التي تفسر بها الواقع الإقليمي والعالمي المضطرب والمعقد".
وتحدث رئيس قسم الأبحاث العميد عميت ساعر عن واقع عالمي جديد من كتلتين، تتنافس فيه الولايات المتحدة والصين على الهيمنة، بينما لا تقود الصين المعسكر المعاكس الذي تتجمع فيه كل تلك الدول التي تخشى نفوذ الغرب وعلى رأسها روسيا.
وتطرق إلى دول الشرق الأوسط التي غيّرت نهجها، فلا يوجد دولة تتنازل عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها جميعًا تتحوط من المخاطر وتحافظ على علاقات معقدة مع القوى العظمى.
وقال ساعر:“إن الجميع في المنطقة يتحدثون مع بعضهم بعضا: قطر وتركيا ومصر، ونحن أيضًا لأول مرة جزء من الحوار”، وأضاف أن “إسرائيل” ينظر إليها في الشرق الأوسط على أنها “لاعب قوي ومستقر يتمتع بقدرة اقتصادية وعلمية وثيقة الصلة بمشاكل المستقبل مثل أزمة المناخ ونقص المياه في المنطقة، وينظر إلى “إسرائيل” على أنها لاعب طموح لا يتردد في استخدام القوة”.
وخص رئيس شعبة الأبحاث جانبا كبيرا من كلماته للوضع في إيران، وخاصة الأزمة الداخلية التي تواجهها القيادة الإيرانية على خلفية موجة احتجاج الحجاب التي اندلعت قبل نحو ثلاثة أشهر ولا تزال تأبى أن تضعف.
وقال :"إن طهران تدخل عام 2023 بزاوية سلبية، يختلف الاحتجاج هذه المرة عن الثورة الخضراء التي اندلعت وسط مزاعم بتزوير الانتخابات (2009) واحتجاج أسعار المحروقات عام 2019، فلقد طال أمدها واندلعت لأسباب عميقة (ليست سياسية ولا اقتصادية، بل تحديًا للإكراه الديني ذاته الذي يمثل جوهر النظام)؛ فمعظم المتظاهرين هم من الشباب والطلاب وطلاب المدارس الثانوية، ولا يترددون في استخدام العنف ضد رجال الدين وعناصر النظام”.
وهذا النظام، بحسب ساعر قلق للغاية، وتقدر الاستخبارات أنه على المدى القصير ستتغلب السلطات على الاحتجاج بمساعدة إجراءات القمع، لكن أسباب الاحتجاج ستبقى كما هي، وستنتهي بتعريض بقاء النظام للخطر.
وتابع قوله إن “النظام الايراني لديه مشكلة مع الجيل الشاب الذي لا يخاف منه ويجد أيضا نفسه في ثورة، لقد فقد النظام الجيل الرابع الذي نشأ في إيران منذ الثورة، وقال ساعر “حتى لو نجا من الاحتجاجات الحالية فإن لديه مشكلة عميقة”.
وبحسب رئيس قسم الأبحاث، فإن البرنامج النووي الإيراني في أكثر المراحل تقدمًا على الإطلاق، وتسيطر طهران على العنصر الأكثر تعقيدًا في البرنامج وهو تخصيب اليورانيوم.
وأكمل الرجل حديثه قائلا “رفع التخصيب إلى مستوى 90٪ ليس إلا مسألة قرار، لا توجد هنا صعوبة تكنولوجية، وسوف يستغرق الأمر لديها بضعة أسابيع إذا ما اتخذت قرارها”.
وبشأن بيع طائرات مسيرة إيرانية لروسيا قال إن “إيران تعلم أنه سيكون هناك رد دولي على المساعدات، لكن هذا خيار إستراتيجي عميق لديها، فالإيرانيون سيحصلون على الثمن من الروس مقابل المساعدة”.
وأضاف أن “إسرائيل” ستجد نفسها في العام المقبل تواجه المزيد من التهديدات من أكثر من ساحة وعلى رأسها إيران والأراضي الفلسطينية.
ووصف ساعر صورة الوضع الذي ترسمه شعبة الاستخبارات بشأن الاراضي الفلسطينية بالمحبطة للغاية، فالمنظمة المستقلة (عرين الأسود) التي عملت في نابلس لعدة أشهر إلى أن اغتالت “إسرائيل” واعتقلت معظم قياداتها هي في نظر ساعر دليل أو مؤشر على الأشياء القادمة، علما بأن الشيء المثير في هذه الظاهرة ليس الأرقام.
واستعرض رئيس الأبحاث بعض سمات مقاتلي العرين: “نحن نرى شبانا ولدوا بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، يتمردون على كل شيء، وعلى السلطة الفلسطينية، وهم يروون قصتهم على تيك توك”.
ورأى ساعر أنه من المحتمل أن يواجه الاستعراض المستمر للقوة نوعًا مختلفًا من الاختبار، خاصة إذا ما اشتعلت الأراضي الفلسطينية وأصبحت تشكل تحديًا جديدًا للعلاقات الناشئة بين “إسرائيل” ودول الخليج.
وفي مناقشة أخرى في المؤتمر، كشف العميد (احتياط) نداف تسفرير، قائد الوحدة 8200 سابقا ورجل الأعمال في التكنولوجيا الفائقة حاليا، قصة مثيرة للاهتمام من الماضي حول مدى اهتمام الاستخبارات “الإسرائيلية” بالتيارات العميقة في العالم العربي، عشية الاضطرابات التي هزته منذ كانون الأول (ديسمبر) 2010 وسميت بالربيع العربي.
واعترف تسفرير أنه في ذلك الوقت كان مجتمع الاستخبارات بأكمله يركز على تدهور صحة الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك. وقال: “لكن على طول الطريق أضعنا ما حدث على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر وعلى فيسبوك، ولم ندرك أن الربيع العربي كان على وشك الانطلاق”.