كشفت صحيفة القدس العربي، مساء اليوم الأحد، أن الإدارة الأمريكية وعدت بإرسال وفد رفيع للمنطقة، لبحث “ملفات مهمة” تتعلق بالمرحلة القادمة، خاصة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وعقب الطلب السابق من الجانب الفلسطيني، خلال الاتصالات واللقاءات التي عقدت مؤخرا، بتأجيل الخطوات التي جاءت في الخطة السياسية الأخيرة، ومنها تطبيق بعض بنود قرارات المجلس الوطني.
تأجيل الصدام السياسي
وقد تكرر التأكيد الأمريكي، بإنجاز هذه الزيارة، بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية، رغم أن الجانب الأمريكي لم يقدم حتى اللحظة، أي مقترحات محددة لتنشيط عملية السلام، وإعادتها من جديد، بما يضمن التوصل لحلول حول ملفات الوضع النهائي، سوى إبلاغهم الجانب الفلسطيني، خاصة خلال اللقاءات التي عقدها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، أن أي تحرك سيكون مرتبطا بنتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، والتي ستظهر الخارطة السياسية في إسرائيل.
وبسبب التحذيرات الفلسطينية الأخيرة للجانب الأمريكي، قبل إجراء الانتخابات، بأن القادم سيكون أسوأ، وأنهم لا يعولون على أي تغيير في الخارطة السياسية في إسرائيل، طالب الجانب الأمريكي الفلسطينيين بالتريث في تطبيق القرارات، حتى لا يكون لها أثر على الانتخابات، وجدد الأمر بعد إعلان النتائج وفوز أحزاب اليمين.
وقد تخلل الأيام الماضية إجراء اتصالات أمريكية مع القيادة الفلسطينية، خاصة بعد انتخابات “الكنيست” التي جاءت باليمين الإسرائيلي من جديد للحكم، توجت باتصال وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع الرئيس محمود عباس.
ووفق مصادر فلسطينية، فإن المسؤولين الأمريكيين أكدوا، خلال اتصالاتهم، أن إدارتهم لن تقبل بأن تتحكم أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل، بالبرنامج السياسي الخاص بالفلسطينيين، وأن رسائل بعثت بطرق متعددة لـ “حزب الليكود” تؤكد هذا التوجه، وتحذر من تكليفه قادة أحزاب اليمين المتطرف بأي وزارات سيادية، لها علاقة بالجانب الفلسطيني، وبالأخص ايتمار بن غفير الذي يطالب بحقيبة الأمن الداخلي، وتؤكد الاعتراض على أي خطط ضم لمناطق كبيرة من الضفة الغربية التي أعلنها بشكل صريح العديد من قادة اليمين، ومنهم مسؤولون في “حزب الليكود”.
وضمن رسائل الطمأنة للجانب الفلسطيني، خرج السفير الأمريكي لدى إسرائيل توماس نايدس، ليعلن أن إدارته ستتصدى وستكافح أي محاولات من قبل الحكومة الإسرائيلية المستقبلية برئاسة بنيامين نتنياهو، لضم أجزاء من الضفة الغربية أو منطقة الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية، وقال، معقبا على نوايا نتنياهو تكليف بن غفير وزيرا للأمن الداخلي: “عند تشكيل الحكومة سيتم اتخاذ قرار بشأن التعامل والخطاب حول هذه القضية”، ويتردد أن ذلك جاء بناء على معلومات وصلت واشنطن بأن صلاحيات كثيرة خاصة ترتبط بالمسجد الأقصى، مركز الصراع، ستنزع من بن غفير لو وُلي هذا المنصب.
وعلمت الصحيفة أن هذه التصريحات الأمريكية، التي تحاول تهدئة الجانب الفلسطيني، مردها إبلاع الرئيس محمود عباس وزير الخارجية بلينكن، في الاتصال الأخير، أنه سيقدم على خطوات تشمل اتخاذ إجراءات جديدة، تشمل قطع العلاقة مع إسرائيل، في حال أقدمت على خطوات الضم والتوسع الاستيطاني، وفي حال نفذت سياسة التغول على المسجد الأقصى.
وجرى التأكيد من الجانب الفلسطيني على أن خطوة التوجه أولا لمقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية، ومن ثم الذهاب نحو الانضمام لمزيد من المنظمات الأممية، هي أول الخطوات التي تنفذ في الخطة السياسية، والتي ستعقبها التوجه لطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فيما يجري التلويح بالذهاب إلى خطوة قطع العلاقات، وهي خطوة ستكون مقرونة ببرنامج وعمل حكومة اليمين الإسرائيلية على الأرض.
ويدور الحديث حول أن الرئيس الفلسطيني أكد لبلينكن أنه من دون الإقدام على “خطوات رادعة” لن توقف حكومة إسرائيل القادمة خطواتها التي تدمر مستقل أي حل سلمي، وأنه جدد الطلب الفلسطيني بضرورة أن تقوم إدارة الرئيس جو بايدن، بإزالة منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية.
وقف التصعيد الإسرائيلي
الرئيس محمود عباس أطلع بلينكن على الاعتداءات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، من حصار وقتل وهدم منازل واستيطان، وعنف مستوطنين، وما تتعرض له مدينة القدس المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية من انتهاكات، وجدد مطالبته للإدارة الأمريكية بإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالتوقف عن هذه الجرائم، فيما تعهد وزير الخارجية الأمريكي أن إدارته تبذل الجهود وتجري الاتصالات لتهدئة التصعيد الجاري حاليا.
كما بحث ملفات عدة، وأبرزها صعود اليمين الإسرائيلي في انتخابات “الكنيست” وأثره على الملف الفلسطيني، والتوقعات الخاصة بالمشهد في المرحلة القادمة، فيما جدد الوزير الأمريكي الطلب من القيادة الفلسطينية، بتأجيل أي خطوات سياسية تنوي اتخاذها في هذا الوقت، لحين استكمال اتصالات واشنطن بتل أبيب، خاصة بعد تشكيل حكومة اليمين، كما جرى التأكيد فلسطينيا، على رفض نهج حكومات إسرائيل المتبع خلال السنوات الأربع الأخيرة، والقاضي بالتركيز على الشق الاقتصادي فقط، وإهمال الشق السياسي الخاص بالملف الفلسطيني، كذلك ركز الاتصال على مطلب رئيس آخر، تمثل في ضرورة التحرك الأمريكي العاجل، لمنع اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمراكز المدن الفلسطينية، ووقف عمليات الاغتيال والتصعيد الحاصل.
وعلمت «القدس العربي» أيضاً أن الجانب الفلسطيني طلب مؤخراً بتدخل الإدارة الأمريكية، وبشكل عاجل، من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الهجمات الدامية ضد الضفة الغربية، بما في ذلك وقف الاقتحامات للعديد من المناطق التي صنفتها بـ “الساخنة”، وهي مخيم جنين ومدينة نابلس شمال الضفة، لما لهذه العمليات من أثر على توتير الأوضاع الميدانية بشكل خطير.
وطلب الجانب الفلسطيني أيضا بمنع دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى قلب المدن الفلسطينية، كون الأمر يضعف مكانة السلطة الفلسطينية، ويزيد أيضاً من سخونة الأوضاع، كما حذر من مخاطر إقرار حكومة الاحتلال الحالية مخططات استيطانية جديدة خلال الفترة القادمة.
وشدد الجانب الفلسطيني خلال اتصالاته مع مسؤولين كبار في الخارجية الأمريكية، وتحديدا مع الطاقم الذي يتابع الملف الفلسطيني، والمتمثل بمساعدة وزير الخارجية باربرا ليف، ومسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي هادي عمرو، على أن أفعالاً كهذه من شانها أن تعقد الأمور أكثر، كما جرى التأكيد على أن استمرار إسرائيل بخطة “كاسر الأمواج” يدفع لانهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية، وطالب بوقف هذه العملية المستمرة منذ عدة أشهر بشكل عاجل.
وكان الجانب الأمريكي طالب قبل الانتخابات بأن يجمد الفلسطينيون أي تحركات سياسية في هذا الوقت، لحين انتهاء الانتخابات وظهور النتائج، ووقتها بررت الإدارة الأمريكية طلبها، بأنها تخشى أن تؤثر أي خطوات فلسطينية، على نتائج الانتخابات الإسرائيلية.
ويبدو أن الجانب الفلسطيني كان قد أعطى موافقة مبدئية على تجميد خطوات التحرك وفق الخطة السياسية الجديدة، التي تشمل طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وكذلك وقف العمل باتفاقيات السلام الموقعة، والتي أبلغ الجانب الفلسطيني المسؤولين الأمريكيين أنها ستبدأ بتجميد الكثير من عمليات “التنسيق الأمني”، في البداية، ليتم توسيعها لاحقا.
وقد أكد مصدر فلسطيني أن تجميد هذه الخطوات من قبل الجانب الفلسطيني، سبق وأن اتخذ أيضا قبل الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت العام الماضي، بعد وعد الجانب الأمريكي بأن يكون هناك تدخل سياسي قوي بعدها، لدفع ملف السلام إلى الأمام، غير أن الأمر لم ينجح، بسبب ضعف الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، والخلاف بين أحزابها اليمينية والوسطية واليسارية حول ملف السلام.
وخلال المباحثات التي جرت في أمريكا مؤخرا، وما تبعها من اتصالات أجراها مسؤولون أمريكيون مع آخرين في رام الله، لم يبدِ الجانب الفلسطيني، رغم موافقته على تأجيل خطوات التحرك قليلا، أي تفاؤل، بسبب تعقيدات الخارطة السياسية في إسرائيل، واستمرار هيمنة أحزاب اليمين المتطرف على المشهد السياسي، وانعدام الفرص حتى اللحظة لتشكيل حكومة إسرائيلية تؤمن بالسلام، لها قاعدة برلمانية عريضة في الكنيست.
ويرى أكثر من مسؤول فلسطينيي على علاقة بالملف، أن القادم في إسرائيل سيكون أسوأ في ظل المعطيات الموجودة على الأرض، وبعد صعود أحزاب اليمين المتطرف بشكل خطير، وفوز اليمين بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة جديدة.
مقاضاة إسرائيل
الاتصالات الأخيرة بين مسؤولين فلسطينيين وآخرين أمريكيين اشتملت على بحث عدة ملفات سياسية أخرى، من بينها الوعود الأمريكية التي قطعها الرئيس جو بايدن سابقا، بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وكذلك فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن.
وفي إطار التحركات السياسية الفلسطينية، بعد صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتيح للجانب الفلسطيني مقاضاة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أطلع الرئيس عباس الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على ممارسات إسرائيل ومستجدات القضية الفلسطينية، وخلال الاتصال أكد بوريل “موقف الاتحاد الأوروبي الثابت والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وفق قرارات الشرعية الدولية”.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد أعلن رفض إسرائيل لمصادقة الأمم المتحدة على اقتراح الفلسطينيين بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي بشأن “الاحتلال الإسرائيلي المستمر، وزعم أن القرار يقوض المبادئ الأساسية لحل الصراع، وقد يضر بأي احتمال لعملية سلام مستقبلية، لافتا إلى أنه قد يتسبب في التصعيد.