نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا لإليس غيفوري، تحت عنوان “الانتخابات الإسرائيلية: فوز اليمين المتطرف أزمة لليهود البريطانيين”، قال فيه إن الانتصار الذي تحقق في الانتخابات الإسرائيلية لائتلاف اليمين المتطرف الذي يقوده بنيامين نتنياهو إلى جانب تحالف من أحزاب المتدينين الأرثوذكس والقوميين المتشددين، أدى إلى انقسام الرأي العام داخل المجتمعات اليهودية في بريطانيا.
وبحسبه لا أدل على هذا الانقسام مما صدر من رد فعل من قبل صحيفتين يهوديتين رائدتين، هما جويش نيوز وذي جويش كرونيكل.
وأشار إلى أنه في مقال افتتاحي بعد انتخابات الثلاثاء، والتي فاز بها تحالف نتنياهو بأربعة وستين مقعداً من مقاعد الكنيست البالغة مائة وعشرين مقعداً، حذرت صحيفة “ذي جويش كرونيكل” من أنه لم يكن ليهود بريطانيا شأن في أن يحكموا على كيفية تصويت الإسرائيليين في انتخاباتهم.
وجاء في المقال الافتتاحي: “ليس من شأننا أن نقرر كيف ينبغي أن يصوت الإسرائيليون أو أن نفرض شروطاً مسبقة على دعمنا لإسرائيل”.
وذلك على الرغم من أن الصحيفة تصف حليفي نتنياهو الرئيسيين، إيتامار بن غفير وبيلازل سموتريتش بأنهما يحملان “آراء متطرفة وحق أن ينفر منهما حتى أعتى أنصار إسرائيل”.
صحيفة “ذي جويش كرونيكل” تصف حليفي نتنياهو الرئيسيين، إيتامار بن غفير وبيلازل سموتريتش بأنهما يحملان “آراء متطرفة وحق أن ينفر منهما حتى أعتى أنصار إسرائيل”
إلا أن رد الفعل الحذر من الصحيفة على صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل بدا متناقضاً تماماً مع رد فعل صحيفة جويش نيوز.
ففي افتتاحيتها على الصفحة الأولى من عدد يوم الخميس وصفت الصحيفة نتائج الانتخابات بأنها تؤكد “أسوأ ما لدينا من مخاوف”.
وقالت الصحيفة: “لم يحصل من قبل في تاريخ الدولة اليهودية أن حظي الحقد بمثل هذه القوة”.
وأضافت محذرة: “لعلنا نرى إسرائيل خلال الشهور القادمة تفعل أشياء لو صدرت عن أي بلد آخر لنددنا بها بدون تردد”.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال ريتشارد فيرير، محرر صحيفة جويش نيوز، إنه يخشى من أن تكون للتحول السريع في اليمين الإسرائيلي تداعيات خطيرة على البلد.
وأضاف فيرير: “بين عشية وضحاها، انتقل اليمين الإسرائيلي من كونه مناصراً لنتنياهو وللاستيطان وللأمن إلى كونه مناصراً للعنصرية ومعاداة المثليين”.
ومضى فيرير يقول: “خلال أيام، من المحتمل أن يتقلد الرجل الذي هلل فرحاً بجريمة قتل إسحاق رابين (أي إيتامار بن غفير) منصب وزير الأمن ويصبح الرجل الذي يرغب في حظر الوجود العربي (بيلازل سموتريتش) مسؤولاً عن الدفاع”، وذلك في إشارة إلى حقد بن غفير على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي قتل في عام 1995 على يد ناشط يهودي ينتسب إلى تيار اليمين المتطرف وإلى رغبة سموتريتش في أن يصبح وزيراً للدفاع.
وكان رابين قد قتل انتقاماً من إقدامه على التوقيع على اتفاقيات السلام في عام 1993 مع ياسر عرفات، الذي كان حينها رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقال فيرير: “لطالما خشيت أن تتغير دولة إسرائيل أخلاقياً بسبب تأثرها بجوارها – وهي المحاطة بدول متعصبة غير أخلاقية”.
إلا أن التغيرات السياسية المحلية التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي قد تشكل خطراً محدقاً بالبلد وبعلاقته مع الشتات.
خط في الرمل
ويذكر الكاتب بأن دراسة أجريت في عام 2015 تحت عنوان “سلوكيات يهود بريطانيا تجاه إسرائيل” أوردت أنه بالرغم من أن كثيراً من يهود بريطانيا يرتبطون بشكل وثيق بإسرائيل، إلا أنهم لديهم تحفظات قوية إزاء سياسات معينة يشعرون أنها تقوض فرص السلام مع الفلسطينيين وتقوض أمن إسرائيل.
فيما يتعلق بالمستوطنات، يرى خمسة وسبعون بالمائة ممن استطلعت آراؤهم أن توسيع المستوطنات يشكل “عقبة رئيسية في طريق السلام”، ويرى سبعون بالمائة أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد نحو تحقيق السلام. بالإضافة إلى ذلك، عبر ثمانية وستون بالمائة عن “شعورهم بالإحباط” كلما صدر عن الحكومات الإسرائيلية إعلان بإنشاء مستوطنات جديدة في المناطق الفلسطينية المحتلة.
كما وجدت الدراسة أن ما يقرب من ربع يهود بريطانيا لديهم الاستعداد لتأييد فرض عقوبات على إسرائيل إذا كان هذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستضطر للتفاوض مع الفلسطينيين.
من المحتمل أن يتقلد الرجل الذي هلل فرحاً بجريمة قتل إسحاق رابين منصب وزير الأمن (أي بن غفير) ويصبح الرجل (أي سموتريتش) الذي يرغب في حظر الوجود العربي مسؤولاً عن الدفاع
ما من شك في أن حكومة تتشكل من نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ستكون على النقيض التام مما لدى أغلبية يهود بريطانيا من آراء.
يدعو بن غفير، الذي يقيم في مستوطنة كريات أربعة غير القانونية داخل مدينة الخليل الفلسطينية، إلى الإبعاد الجماعي للفلسطينيين من وطنهم وكذلك إلى إبعاد من يعتبرون غير موالين بما فيه الكفاية لدولة إسرائيل.
يقول فيرير: “رد فعل يهود بريطانيا هو انقسام بما نسبته تقريباً ستين إلى أربعين بالمائة لصالح أولئك الذين سئموا التوجه الذي تسير فيه إسرائيل حالياً”.
ويضيف فيرير: “أربعون بالمائة، وهي نسبة كبيرة وصادمة، عازمون على توفير دعم غير مشروط لأي شيء يتم باسم إسرائيل، بما في ذلك التعصب وعدم التسامح”. ويقول إن الستين بالمائة الآخرين “وصلوا إلى خط في الرمال، وهو الخط الذي تبدأ عنده الكراهية”.
مجتمع منقسم
ويؤكد الكاتب أن ثمة مقاربات مختلفة حتى التضارب يتسم بها رد فعل المنظمات التي تمثل المجتمعات اليهودية داخل بريطانيا.
ففي بيان صدر يوم الخميس بعد تأكيد نتائج الانتخابات، بادر مجلس مندوبي يهود بريطانيا، أحد أقدم الكيانات في البلد والذي يسعى لأن يكون المتحدث باسم المجتمع اليهودي، بتهنئة نتنياهو، وقال إن يهود بريطانيا “ملتزمون بقوة تجاه إسرائيل”.
ولكن، وبدون الإشارة بالاسم إلى حلفاء ائتلاف نتنياهو من اليمينيين المتطرفين، أضاف البيان: “يحدونا قلق شديد من أن الحكومة التي سوف تشكل قد تشتمل على أفراد تتعارض آراؤهم ومواقفهم المصرح بها مع قيم التسامح والانفتاح التي يعتنقها مجتمعنا”.
يعكس البيان النقاشات التي تجري داخل المجتمعات اليهودية البريطانية حول كيفية استقبال الحكومة القادمة، وذلك طبقاً للعديد ممن تحدث معهم موقع ميدل إيست آي.
في وقت مبكر من هذا العام، عندما زار بريطانيا سموتريتش، زعيم التحالف الصهيوني الديني اليميني المتطرف، والذي يحظى حالياً بأربعة عشر مقعداً في الكنيست، تبنى مجلس مندوبي يهود بريطانيا موقفاً حاداً ضده.
وقال المجلس حينذاك في تغريدة باللغة العبرية: “نرفض آراءه البغيضة وأيديولوجية الكراهية التي يعتنقها بيلازل سموتريتش، وندعو كافة أعضاء المجتمع اليهودي في بريطانيا إلى صد الأبواب في وجهه”.
وسأل موقع “ميدل إيست آي” مجلس مندوبي يهود بريطانيا عما إذا كان لا يزال متمسكاً بتصريحه السابق وما إذا كان سيقاطع سموتريتش أو بن غفير فيما لو زار أحدهما أو كلاهما بريطانيا، ولكن الموقع لم تصله إجابة حتى موعد النشر.
وفي واحد من تجليات ردود الأفعال المنقسمة داخل المجتمع اليهودي، تحدثت ياخاد، والتي تصف نفسها بأنها “حركة مكونة من يهود بريطانيا الذين يناصرون إسرائيل ويؤيدون للسلام”، بشكل لا لبس فيه ضد الأخطار التي يمكن أن تنشأ عن انتصار اليمين المتطرف.
وقالت ياخاد إن الحزب الديني الصهيوني الذي يقوده سموتريتش يمثل “الفوقية اليهودية، والفصل، والعنصرية ضد الفلسطينيين، وكذلك مناهضة حقوق المثليين، ومعارضة الإصلاح واليهودية الليبرالية”.
وأضافت: “إن لمجتمعنا اليهودي ارتباطات قوية مع إسرائيل وتاريخا طويلا من التفاعل مع الدولة اليهودية بشتى الطرق. ولكن لم تعد الأمور كما كانت عليه، بل نحن بصدد أزمة تواجه يهود بريطانيا”.
ومضت تقول: “إن علينا واجب رفع الصوت والتحدث بصراحة ووضوح ضد العنصرية والتحريض والكراهية، وعلينا أن نوضح بأننا لن ندعم بشكل قطعي لا لبس فيه إسرائيل إذا كانت لا تمثل نفس القيم التي يعتنقها مجتمعنا”.
الظهور بمظهر الوحدة
كما أن النقاش العلني والقوي الذي يجري داخل المجتمعات اليهودية البريطانية أخذ بعض الناس على حين غرة.
يقول ناشط يهودي معاد للصهيونية على ارتباط بمنظمة جوداس، وهي مجموعة من يهود الشتات معروفة بتوجهاتها السياسية اليسارية: “بشكل عام، تهتم هذه المؤسسات كثيراً بالظهور بمظهر الوحدة”.
وقال المسؤول في جوداس في تصريح لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته: “لا يحب المجتمع اليهودي البريطاني نشر نزاعاته الداخلية على الملأ”.
وينوه الكاتب إلى أنه على الرغم من أن السياسة الإسرائيلية ما لبثت تنحرف نحو اليمين منذ سنين طويلة، إلا أن الصعود المفاجئ لبن غفير وسموتريتش دفع البعض نحو التعبير عن معارضتهم القوية علانية.
يقول المسؤول في جوداس: “يتمثل التغيير الذي حصل في أن جويش نيوز والأطراف الأكثر ليبرالية في المعسكر الصهيوني راحوا يصفون علانية الائتلاف الحكومي الجديد بأنه فاشي، وهذا ما كشف عن وجود صدع كبير داخل الجمهور”.
ويلفت الكاتب أن الحقيقة هي أن السياسيين المتطرفين كانوا دوماً موجودين في إسرائيل وعلى مدى عقود، ولكنهم لم يكونوا يتسببون في نفس هذا التعبير العلني عن الشعور بالخزي والعار، رغم أن ردود الأفعال القوية لم تفارق أوساط المجتمع اليهودي في بريطانيا، ولكن فيما وراء الكواليس.
ولكن المسؤول في جوداس يرى عاملاً آخر مؤثراً في رد فعل البعض داخل بريطانيا، فيقول: “أراهن على أن ذلك مرجعه أن بن غفير وسموتريتش يعارضان صراحة الأشياء التي تؤثر بشكل مباشر على تلك الدائرة ضمن المجتمعات اليهودية البريطانية. فهم يعارضون صراحة حقوق اليهود غير المتدينين، بل ومجرد الاعتراف بوجودهم، على سبيل المثال، وهذا بالنسبة لمن هو يهودي ينتمي إلى الصهيونية الإصلاحية يعتبر مشكلة حقيقية”.
كما تسلط هذه النقاشات الضوء على جانب آخر من الحوار الدائر داخل المجتمعات، بحسب ما يقوله المسؤول في جوداس.
هناك تصدع متزايد بين الصهاينة الليبراليين، وخاصة في أوساط الشباب منهم، الذين يعارضون التوجه اليميني المتطرف في السياسة الإسرائيلية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى الصهاينة الأكثر تعصباً والذين يدعمون مثل هذا التوجه
فهناك تصدع متزايد، يتم التعبير عنه بشكل صارخ، ما بين الصهاينة الليبراليين، وخاصة في أوساط الشباب منهم، الذين يعارضون التوجه اليميني المتطرف في السياسة الإسرائيلية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى الصهاينة الأكثر تعصباً والذين يدعمون مثل هذا التوجه.
ويشير الكاتب إلى أن هناك مجموعة ثالثة ضمن المجتمعات اليهودية البريطانية، وهي المجموعة التي تعارض توجيه الانتقاد إلى الحكومة الإسرائيلية، ولكنها تشعر بالقلق إزاء هذا التوجه في سياسة البلد.
وعن ذلك يقول المسؤول في جوداس: “تجد منظمات مثل مجلس مندوبي يهود بريطانيا ارتياحاً أكبر في توجيه النقد لعناصر في السياسة الإسرائيلية يجدون أنها مرفوضة من توجيه النقد للحكومة الإسرائيلية نفسها، والتي يشعرون بالحاجة إلى الدفاع عنها في كل الأوقات طالما أنها لا تضر بمصالح الصهيونية الليبرالية، مثل حظر مساحات العبادة المتكافئة أسرياً عند الحائط الغربي”.
وقال الناشط: “فيما لو خفف بن غفير وسموتريتش من حدة خطابهما ضد يهود التيار الإصلاحي الصهيوني فعندها سوف تخفف الأصوات الليبرالية في بريطانيا من حدة خطابها المضاد”.