الأشـــــــراف .. محمد يوســف الوحيــدي

السبت 24 سبتمبر 2022 02:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
الأشـــــــراف .. محمد يوســف الوحيــدي




تنتشر في أرجاء الوطن العربي ، بل العالم المسلم نقابات و جمعيــات الأشراف أو السادة ، أو كلاهما معاً .. و هي مؤسسات أهلية تعطي صكوكاً و تعتمد أنساباً ( للدوحة الشريفة ) بناء على وثائق يقدمها طالب الإنتساب ، أهمها ( شجرة العائلة ) التي تثبت تسلسل الآباء و الأجداد وصولاً إلى ( السبط الوحيد ) الذي بقي على قيد الحياة بعد معركة كربلاء التي أبيد فيها كل رجال ( آل البيت ) أي نسل النبي محمد عليه الصلاة و السلام . وبحسب الروايات فإنه لم يبق على قيد الحياة إلا النساء ، و طفل صغير إسمه زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، سبطاً للسيدة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله عليهم جميعاً الصلاة و السلام . 
و الباحث في الأمر يجد أن هذه النقابات و الجمعيات منتشرة في المغرب العربي و مصر و الأردن ، و هي تعطي شهادات و بطاقات تمكن أصحابها من نيل الجنسية في بعض الدول الحاضنة لها ، و تعطي بعض المنافع لحامليها من تخفيض في الأسعار و العلاج و غيره من الخدمات ، وهذا أمر غير مستغرب من وجهة نظر ( الحكومات ) و لا تمييز فيه ، فقد دأبت الحكومات أو معظمها على إعطاء بعض التسهيلات و التخفيضات للنقابات و الجمعيات عموماً ، كالأطباء و المهندسين و العمال والصحفيين و غيرهم الكثير . 
و قد ثارت ثورة الكثير من أبناء قطاع غزة  بعد إثارة فكرة إنشاء نقابة أشراف في القطاع ، لعائلات الأشراف ، و هي ثورة أو إحتجاج فيه الكثير من الحق ، و الكثير من المزاودة و الإنكار ، و ربما لو ناقشنا الأمر بروية و هدوء نستطيع أن نتفهم أصل الحكاية و فرعها ، سلبياتها و إيجابياتها .
أولا – تاريخياً  لابد من إثبات تاريخي حقيقي لرواية ( زين العابدين ) و عدم الإكتفاء بما يورده علماء الدين في هذا الشأن ، بل لحساسية الأمر و خطورته ، لابد من جهود علماء الأنساب و التاريخ و الجغرافيا و الآثار و الطبقات و غيرهم من العلوميين ، فنحن هنا نتحدث ليس فقط عن إمكانية ( إختلاط النسب ) ، و ليس أي نسب ، نحن نتحدث عن الإنتساب لآل بيت النبي عليه الصلاة و السلام . 
ثانياً – لابد من هوية أو بصمة جينية معرفة DNA ( بضم الميم و فتح العين وتشديد كسر الراء )  لآل بيت النبي عليه الصلاة و السلام ، تقارن بها بصمات الراغبين في الإنتساب ، و أعتقد أن هذا أمر مستحيل .  حيث أن الإستسهال و اللجوء إلى ما تقوم به نقابات و جمعيات الأشراف المنتشرة في بقاع الأرض حاليا ، تكتفي كما قلنا بشجرة نسب ، كثير منها يمكن أن يزور ، بل أن كثير منها فيه ( عوار بائن وشائن ) بمعني أن أي عائلة ، على الإطلاق ، في المغرب أو السودان أو العراق أو فلسطين أو الهند أو كوالالامبور ، تقول أنها من الأشراف ، لابد أن يكون هناك في شجرتهم إلتقاء في جد أو أجداد  قبل " زين العابدين " ، و بمراجعني الشخصية فقد إطلعت على كثير من ( أشجار العائلات التي تقول أنها من الأشراف ) ولم أجد ذلك الإلتقاء وهو أمر عجيب غريب ! 
ثالثاً – لغوياً لابد من الإنتباه و التفريق بين أهل البيت و آل البيت .  و دينياً لابد من التوقف عن إستخدام نصف الآية الشريفة المسماه ( آية التطهير لآل البيت ) لأن بقراءة الاية كاملة ، وما سبقها و ما تلاها  يتضح تماماً أنها في حق أمهاتنا المرضيات زوجات النبي عليه الصلاة و السلام وليس لغيرهن . ( الآية 33 من سورة الأحزاب ، وما سبقها وما تلاها من آيات ) .
رابعاً – إنشاء عصبة أو جماعة لأي طائفة أو مجموعة من الناس تعني بالضرورة أنها مؤسسة للدفاع عنهم و لتحصيل ( حقوق دنيوية ) وهنا سؤال يطرح نفسه :   ماهي الحقوق الدنيوية لذرية النبي عليه الصلاة و السلام ؟ هل جاء في المصحف ، أو في السنة أي بلاغ ، أمر ، توجيه ، إشارة إلى حقوق مادية دنيوية لآل البيت ؟ الحقيقة لا أعرف – شخصيا- سوى ما فرضته بعض المذاهب الشيعية على الناس من ( ضريبة الخُمس ) التي تدفع للأشراف و هي في رأيي الخاص المتواضع بدأت في فترة الخلافات بين الهاشميين و الأمويين و غيرهم ، لتعزيز بقائهم و قوتهم و صمودهم ، و هي بذلك تشبه ( الموازنة الحزبية ) و تخرج بالمعنى من الديني إلى السياسي . فهل ( الأشراف ) الآن بحاجة إلى ( تكريم مادي دنيوي ) حتى يتمكنون من رص الصفوف ، تمهيدا لمعركة قادمة تهدف إلى الثأر للحسين ممن قتلوه ( ثأر الله ) كما يسميه إخوننا الشيعة ؟  أم أن الأمر لا يتعدى سوى ( الفخر و الزهو و التعالي ) وفي هذا نقع في طائلة ( الهاكم التكاثر ) و العياذ بالله ؟ 
خامساً – إن الإنتماء لآل بيت النبي ، في مفهومي و عقيدتي ، و أقول كما قال الإمام الشافعي ، رأينا صواب يحتمل الخطأ و راي غيرنا خطأ يحتمل الصواب . أقول إن الإنتماء هو بإتباع نهج الرسول المصطفوي ، عليه الصلاة و السلام ، و الإبتعاد عن التحزب و التقوقع ، و الإمتثال لأمر الله تعالى ، بالعمل و الإعمار و الفداء و مكارم الأخلاق ، و ليس بصك أو شهادة المقصد منها ( لقب ) يسبق الإسم ، و لا بمعاملة ( VIP ) .. فلم نسمع أو نرى ولا قرأنا أن علياً بن أبي طالب كتب قبل إسمه ( السيد أو الشريف ) و لا أي من أبناءه رضوان الله عليهم جميعاً ، إنما وجدنا أنفسنا كلنا كمسلمين و مؤمنين ، توقيرا ، و حباً و إيمانا نُتبع أسماءهم بالترضي أو التسليم عليهم و عليهن .
سادساً : إن هناك فرقاً بين الشريف و السيد في هذا الموضوع ، وبين أبناء الحسين و أبناء الحسن ، فهل سنقع في خطوات لاحقة في هذا الجدل أيضاً ؟
سابعاً – فلسطينياً ، وطنياً ، دينيا ، إنسانياً  ما جدوى هذا كله ؟   ألم يثبت المئات بل الآلاف من عائلات القطاع أنهم ( أشراف ) من نقابات مغربية و مصرية و أردنية وتركية ، و دفعوا كافة التكاليف و المصاريف و حصلوا على كل الأختام ؟ إذن ما الحاجة إليها في فلسطين ؟
ثامنا – بشكل شخصي ، أنا أنتمي لعائلة لقبها الوحيدي ، و لكن كما قال لي الوالد شيخ قبائل الترابين و غواليهم الوحيدي رحمه الله ، إن الوحيدي لقب و الحسيني نسب ، و لنا شجرة كان يرفض رحمه الله التباهي بها أو إستخدامها ، و شخصياً أيضا ، فإن أخوالي من عائلة الحسيني وهي عائلة معروفة بنسبها . أقصد من هذا ، أن الإنتساب لا يعني اللقب ، أو شهادة من أحد ، أو نقابة تدافع أو تتحصل على مكاسب دنيوية ، الإنتماء عمل و أخلاق و إلتزام ، حينها يرفعك الناس و يجلوك .