وصف غالبية المحللين السياسيين انشقاق القائمة المشتركة وخوض التجمع الانتخابات بمفرده بالانفجار العظيم، مشيرين إلى إمكانية أنه قد يأتي بنتيجتين، إما ضمان 61 مقعدا لمعسكر نتنياهو، أو تشكيل لابيد حكومة بدعم عودة والطيبي.جاء ذلك وفق ما أوردت هيئة البث الإسرائيلية مكان مساء اليوم الجمعة.
وقد أوضحت الأحزاب العربية إن هدفها الرئيسي الآن، هو رفع نسبة التصويت في المجتمع العربي.
واعتبر وزير التعاون الاقليمي عيساوي فريج، الذي لم يترشح في هذه الانتخابات؛ أن انشقاق القائمة المشتركة يعد تطورا إيجابيا، إذ أن أحمد الطيبي وأيمن عودة لم يتجرآ طوال السنين؛ ليقوما بما قام به منصور عباس والانضمام إلى الائتلاف الحكومي.
كما أنه اعتبر أن التجمع سيكون مفاجأة الانتخابات المقبلة في المجتمع العربي، وأن حزب العمل والجبهة سيدفعان ثمن الانفصال.
أما الوزير الأسبق حاييم رامون فيرى،فرأى أن نتنياهو هو الذي سيجني ثمار هذا الانشقاق، إذ أن التجمع لن يجتاز نسبة الحسم؛ مما يزيد من فرصة حصول الليكود على 61 مقعدا.
وأضاف: نتنياهو أبدى أكبر قدر من الحنكة السياسية والمهارة مقارنة مع لابيد، إذ أنه تمكن من الحفاظ على معسكره موحدا، فيما لم يتمكن لابيد من إنجاز التوحيد بين ميريتس والعمل؛ وفي منع الانشقاق في القائمة المشتركة.
المشتركة مُفكّكة والكرسيلوجيا تنتصر على الأيديولوجيا!- مكان- المحلل السياسي فالح حبيب
جميع مركبات المشتركةْ تغنت بالمشروع الوطني, سرعان ما تكسّرت أمواج هذا المشروع الوحدوي على صخور "الأنا الحزبي"
انهار "المشروع الوطني" الذي لطالما تغنّت به على هذا النحو جميع مركبات المشتركة، فبالأمس وبعكس التوقعات سرعان ما تكسّرت أمواج هذا المشروع الجامع الوحدوي على صخور "الأنا الحزبي" والفئوية.
جاء نواب المشتركة من ثلاثة مركباتها متفائلين وقد أنهوا خلافاتهم من خلال مفاوضات لم تكن بسيطة بقدر ما هي مُعقّدة وقد أبقوا الترسبات في بيوتهم قولا، لكنها بقيت ترافقهم عالقة فعلا وعملا. أفضت "المفاوضات التصحيحية" لقائمة ثلاثية. بعد أن أسرعت الجبهة وأبرمت اتفاقا ثنائيا مع التجمع كرد فعل احتجاجي على ما أسموه مكر الطيبي، اتفاق العلّة الذي عمّق الأزمة وأبقى التغيير خارج المشهد والصورة ما زاد الواقع السياسي للأحزاب العربية المركب تعقيدا. انتبهت لخطئها الجبهة وتداركته وأسرعت لتصحيح المسار والخطأ، لأنها سرعان ما أدركت أنها هي بنفسها قد ضربت الوحدة وعادت لتلعب دور "الحكيم الرشيد المسؤول" لينحصر السجال بين التغيير والتجمع وتراشق تبادل الاتهامات بالغدر والخيانة يتصاعد، وبعد مخاض عسير وكر وفر ومفاوضات مضنية تمكنت الاحزاب تجاوز هذه الأزمة وخرجت تزف بشرى اعادة القامة المشتركة من جديد والروح الوطنية الجيّاشة عادت تعم الأجواء والأرجاء والتصريحات الفضفاضة المطاطية علت العناوين، وعاد ذلك المشروع الوحدوي الوطني من جديد، لكنها وكما اتضح كانت قد تجاوزت الأزمة قولا لكن بقيت الترسبات العالقة فعلا، ليأتي التجمع ويعود "للحكيم الرشيد المسؤول" في هذه الجزئية، الجبهة، ويطالب بعدم تنفيذ اتفاق المناوبة على الثلث مقعد متهما الجبهة بالتراجع عن الاتفاق، اتفاق تناوب المناصفة، ليتضح أن ما بدا في البداية كالسعي للحفاظ على الثوابت والبرامج السياسية وعدم الانخراط ضمن موازين القوى والاحزاب الصهيونية والتوصية على أحد لتنهار هذه "الديباجة" لتتحول "الايديولوجيا" إلى "كرسيلوجيا" وتنحصر الحرب الضروس على ثلث مقعد هنا وثلث مقعد هناك. استمر السجال والوقت يتقدم، وما أدارك ما ضغط الوقت، ولكن دون جدوى. النائب أيمن عودة يدخل على الخط وبقي في معسكر التروي وضبط النفس وعدم الاسراع بتقديم القائمة وحده أمام جرف كبير عارم من داخل الجبهة وداخل غرفها المغلقة في الكنيست الذين طالبوا بعدم الانتظار والمضي قدما بتقديم القائمة الثنائية، فالتقى ورئيس كتلة التجمع النائب سامي أبو شحادة ضمن محاولة أخيرة للتوصل إلى تفاهمات وانقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن سرعان ما انهارت هي الأخرى وبدأت الجبهة والتغيير بالتقدم نحو تقديم قائمة ثنائية، وهذا ما حدث فعلا. الجبهة والتغيير قدما قائمتهم الانتخابية الثنائية، وكذلك التجمع قدموا قائمتهم المستقلة وبهذا قبرت جميع الأطراف مشروعهم الوطني الوحدوي الذي لطالما روّجوه على هذا الشكل والنحو.
الخلافات السياسية ومطالبة التجمع بعدم التأثير هو طمس لنهج الجبهة والتغيير!
كلما مرّ وقت على الخلافات، جاءت المطالبات بأن تبقى القائمة تحالفية "بلوك تقني" تجاوزًا للإملاءات وما الضير في ذلك رفعا للحرج. وحتى لا تبقى المشتركة كذلك على الورق وبعيدا عن الشعاراتية ودغدغة المشاعر الوطنية من خلال طرحها كمشروع وطني وحدوي جامع، كان من الأولى أن تكون بعين البراغماتية قائمة تحالفية "بلوك تقني" لا أكثر، لأن المراوغة طيلة الوقت بعدم منح اجابات واضحة وقاطعة بخصوص الخلافات السياسية والرؤى المختلفة للتعاطي معها كل يوم سيمر سيصطدمون بها من جديد، فالسير بين النقاط لن يسعفهم كما لم يسعفهم من قبل طيلة فترة المشتركة السابقة.
الوضوح بين الشركاء والاختلاف بالطروحات وكيفية تناولها برلمانيا كان يجب أن يكون واضحا على الطاولة، وهذا صدقا، أهم ما أكدته وأفرزته هذه المفاوضات.
وتعزّزت القناعة أن يعمل كل بطريقته، وعلى طريقته، خدمة للجمهور لطالما بقي هذا العمل ضمن الإطار الوحدوي بعيدا عن الاملاءات، ربما الشكلية وقد تكون صادقة، التي تختزل وتطمس هوية أحزاب أخرى بأكملها. فالجبهة حزب عربي يهودي مشترك ولطالما عملت على التأثير على سياسات الحكومة فيما يتعلق بقضايا المجتمع العربي والقضية الفلسطينية، وكذلك حال التغيير الذي لطالما اقتنص فرص موازين القوى داخل البرلمان وخارجه للتأثير في قضايا كثيرة مدنية ووطنية وتحقيق مصالح الجمهور. لهذا كان من الصعب عليهم الخضوع لإملاءات التجمع ومطالبهم.
ولكن ما الفائدة وكل ما حدث بات خبر كان، وكلمة "لو" لا تُفيد، فمن المستفيد؟
الليكود سعيد وكيف لا وهو ويمينه المستفيد!
الليكود يُدرك أن المنافسة في البلاد لا تقتصر على مَن هو الحزب الأكبر، بل من المعسكر الأكبر، وبالتالي لطالما عمل ويعمل الان ضمن تكتيك "تنويم الصوت العربي" أي عدم استفزازه ليس طمعا بصوته، وحبذا لو ذلك يكون من وجهة نظره، ولكن على الأقل حتى لا يخرج لصندوق الاقتراع وتبقى نسبة التصويت في الشارع العربي بالكاد تصل إلى 39% بحسب كل الاستطلاعات، وعلى رأسها، استطلاع "مكان" الأخير. وتفكك المشتركة بكل تأكيد هو مصيبة عند قوم لكنه فوائد لليمين، فنتنياهو والليكود يريدون أن تبقى نسبة التصويت منخفضة، لأن ذلك سيلعب لصالح معسكرهم ولربما يحصل على مقعد أو مقعدين، وبالتالي يُشكّل ائتلاف يمين تقليدي على الكامل كلسان حالهم بفضل قانون بدر عوفر ونسبة تصويت منخفضة.
الأحزاب العربية لم ترق وتتعالى على فئويتها وسقطت بها
ورغم أن الاحزاب العربية كانت تُدرك هذه المطبات، لكنها لم ترق وتتعالى على فئويتها وسقطت بها ولم تنجح بتجاوزها، وعلى الرغم من أن هناك مَن يُعوّل على أن تساهم "التعددية" والمنافسة برفع نسبة التصويت إلا أنها جميعها، وعلى رأسها مركبات القائمة المشتركة، تُعرّض التمثيل العربي للخطر وقد لا تنجح قوائم بعبور نسبة الحسم، فما قامت به مخاطرة ومقامرة غير محسوبة، ولم يكن هناك وقت على الأقل لدى التجمع أن يُمأسس لقائمة بديلة قوية.
خبت بالأمس الأضواء في الكنيست وانطفأت مصابيحها وأُغلقت أبوابها، ولكن في مكاتب الأحزاب المختلفة ومقراتها ستبقى الانارة مشتعلة والأبواب مفتوحة، فتسليم القوائم من خلفهم والعمل الجاد من أمامهم، وإلا سيخبو بريقهم وتُغلق مكاتبهم!