السلطة الضامنة..عمرو الشوبكي

الأربعاء 14 سبتمبر 2022 03:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
السلطة الضامنة..عمرو الشوبكي



اندهش البعض من هذا الاحتفاء الجماهيري الكبير بملكة بريطانيا الراحلة، إليزابيث الثانية، وما عزّز من تلك الدهشة هو أن الملكة تملك ولا تحكم، وأن سلطاتها محدودة، حتى لو اتّسعت قليلا في وقت الحروب والأزمات الكبرى.
والحقيقة أن كثيرا من النظم الملكية عبّرت عن فكرة المؤسسة الضامنة للمسار السياسي، التي يتسع دورها ويقل تبعا لسياقها الثقافي والتحديات المجتمعية التي تواجهها، حيث اعتبرت بعض المجتمعات أنها في حاجة إلى سلطة معنوية ضامنة تحُول دون أي انحراف بالسلطة وقواعد النظام السياسي.
والحقيقة أن النظم الجمهورية لم تعرف كلها مسألة السلطة الضامنة، ولذا لم يكن غريبا أن بعضها عرف توريثا للسلطة مثل النظم الملكية ودون تقاليدها، كما عرف بعضها الآخر استبدادا أكثر قسوة من الملكيات المطلقة، بالمقابل، هناك نظم جمهورية أخرى استقرت بعد سنوات طويلة من التحولات والنكسات حتى أصبحت نظما جمهورية ديمقراطية مثلها مثل بعض النظم الملكية، التي تحولت من نظم استبدادية إلى دستورية.
والحقيقة أن فكرة المؤسسة الضامنة وُجدت أيضا في كثير من التجارب الجمهورية، حيث لعبت أحيانا المؤسسة العسكرية هذا الدور في مراحل الانتقال الديمقراطي وضامنا للعملية السياسية كما جرى في البرتغال وعدد محدود من تجارب أميركا الجنوبية، وبقيت في تجارب أخرى بمثابة السلطة، التي لها حق "الفيتو" في لحظات الأزمات الكبرى دون أن تدخل بشكل مباشر في العملية السياسية.
والحقيقة أن الوصول إلى صيغة "الملكية الضامنة" التي لا تحكم كان نتاج تراكم طويل لم تعرفه كثير من النظم الملكية في داخل العالم العربي وخارجه، فلنا أن نتصور أن "الماجنا كارتا" أو الميثاق الأعظم - وهي وثيقة إنجليزية صدرت، لأول مرة، بعد التعديل في 1216، وطالبت الملك بأن يمنح حريات معينة، وأن يقبل بأن تصبح حريته غير مطلقة، وأن يوافق علنا على عدم معاقبة أي "رجل حر" إلا بموجب قانون الدولة - تكاد تُعتبر أول وثيقة سلمية تُفرض على ملك في العالم من قِبَل مجموعة من رعاياه، (وهم البارونات)، للحد من نفوذه وحماية امتيازاتهم في نفس الوقت، وأسست للملكية الدستورية.
ويبدو لافتا أن تقاليد الاستمرارية التي تعرفها بريطانيا جعلت هذا النص يتحول إلى قانون في العام 1225، ثم أصبح بعد ذلك ضمن كتب لوائح الأنظمة الداخلية لإنكلترا وويلز حتى الآن.
هذا التراكم البريطاني والإصلاح من داخل النظام الملكي لم تعرفه كل المجتمعات، ففرنسا مثلا أحدثت بثورتها (1789) قطيعة دموية مع نظامها الملكي وأسست لجمهورية قوية، والنموذجان نجحا بوسائل مختلفة في رحلتهما التاريخية حتى قدما رسالة تقول إن صفحة الصراع الملكي الجمهوري طُويت، والمهم أن تؤسس لنظام كفء يعبر عن سياقك التاريخي ويدافع عن مصالح الشعب ويعمل على تقدمه.