غزة / يتعايش أهل غزة مع أزماتهم المتلاحقة التي غدت سمة تلازم حياة القطاع المعذب بحصار الاحتلال الاسرائيلي وتبعات العدوان الذي يبدو وكأنه حدث للتو. وما إن خرج القطاع من أزمة نقص السيولة النقدية في عملة الشيكل، حتى اجتاحت حياة الغزيين أزمة أشد وطأة بفعل نقص السيولة في عملتي الدولار والدينار الاردني، اللذين تفتقدهما البنوك العاملة في القطاع، إذ يلجأ المتعاملون مع البنوك إلى الشيكل لاستبدال قيمة سحوباتهم النقدية المفترضة بالدينار والدولار، وهو ما يلحق بهم خسائرة كبيرة بفعل فروق أسعار الصرف. يقول الصحافي رائد موسى (30 عاما) إن أزمة السيولة النقدية ألقت بظلالها القاتمة على مختلف المعاملات المالية لمواطني غزة بدءا من تعاملاتهم المالية الخاصة بالبنوك ومرورا بتعاملات التجار وأصحاب العقارات وانتهاءً بمعاملات المواطنين العاديين الذين يواجهون أزمة حقيقية في تسيير أمور حياتهم اليومية. وأوضح ان كافة المعاملات مثل بيع وشراء البيوت والأراضي واستئجار الشقق السكنية والمكتبية وبيع وشراء السيارات ودفع المهور تتم بعملتي الدينار والدولار. وأضاف موسى "الضرر الذي لحق بي شخصيا اثر هذه الأزمة يتمثل في عدم قدرتي على سحب راتبي الشهري بعملة الدولار كما يحول إلي عبر البنك لعدم توفر السيولة لدى البنك مما يضطرني إلى استلام قيمة راتبي بعملة الشيكل ما يعني أن افقد ما قيمته 270 شيكلا عن كل ألف دولار "ما يعادل 50 دينارا". واعتبر موسى أن شريحة الموظفين غير الحكوميين هم الأكثر تضررا من جراء هذه الأزمة الآخذة بالتفاقم، فهم يضطرون إلى سحب أموالهم بعملة الشيكل وعندما يريدون شراء أي سلعة معمرة يضطرون الى دفع قيمة هذه السلعة بالدولار او الدينار الاردني ما يعني انهم يتحملون خسارة مضاعفة جراء فرق سعر صرف الدولار قسرا من البنك ومرة اخرى جراء فرق شراء هذه العملة من محال الصرافة. من جهته اعتبر رجل الأعمال فيصل الشوا أن النسبة الأكبر مما هو متوفر من عملة الدولار في أسواق غزة تستنفد في تمويل عمليات شراء البضائع المهربة الواردة إلى غزة عبر أنفاق تهريب البضائع الممتدة على طول الحدود الفاصلة بين جنوب قطاع غزة والأراضي المصرية مبينا أن موردي البضائع يتقاضون قيمة بضائعهم بعملة الدولار. وأكد أن فارق السعر بين صرف الدولار والدينار في البنوك ولدى محال الصرافة شكل واحدا من أسباب أزمة السيولة النقدية إذ يفقد المواطن لدى اضطراره تلقي قيمة مبلغ مائة دينار من البنك بعملة الشيكل نحو 40 شيكلا "8 دنانير" . وأوضح أن عملية صرف العملات الصعبة لدى البنوك تتم وفقا لتسعيرة الصرف الرسمية بينما في محال الصرافة لا يتم التقييد فيها بالتسعيرة الرسمية ويحكمها عملية العرض والطلب لافتا إلى أن تجار الأنفاق لا يكترثون بفارق أسعار الصرف لدى البنوك ومحال الصرافة كون أن معاملاتهم التجارية لا تتم عبر البنوك. ونوه إلى تداعيات هذه الأزمة على صعيد انعدام الثقة بين البنوك وعملائها الذين لا يستطيعون سحب ودائعهم إضافة إلى اضطرار العديد من المواطنين إلى ادخار أموالهم خارج الإطار المصرفي خشية من عدم تمكنهم سحب أموالهم في الوقت الذي يحتاجون إليها فهذه الازمة جعلت الأهالي يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في منازلهم على ان يودعوها في البنوك، والسبب صعوبة سحبها من البنك من جهة، واحتمالات الحاجة لها بشكل مفاجئ في ظل الأوضاع غير المستقرة في القطاع بعد تجربة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وترجع أزمة السيولة النقدية الآخذة بالتفاقم في قطاع غزة إلى شهر أيلول من عام 2007 عندما أعلن آنذاك ما يعرف بالمجلس الأمني المصغر "الكابينيت" في الحكومة الإسرائيلية قطاع غزة "كيانا معاديا" ذلك القرار الذي استهدف فرض المزيد من إجراءات الحصار الاقتصادي على غزة وفصلها عن محيطها الفلسطيني ومنها الإجراءات المتعلقة بوقف المعاملات المصرفية بين البنوك في غزة والبنوك الاسرائيلية إذ إن معاملات فروع البنوك في غزة تتم فقط من خلال مقارها الرئيسة في الضفة. وكان محافظ سلطة النقد الفلسطينية جهاد الوزير أكد أخيرا أن أزمة السيولة التي تعاني منها غزة حاليا تنحصر في عملتي الدولار والدينار، وذلك بعد أن تم التغلب على مشكلة نقص السيولة النقدية في عملة الشيكل خلال الأشهر الماضية بفعل تدخل أطراف دولية في هذا الشأن من بينها الاتحاد الأوروبي ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير. ويرى الوزير أن فروق أسعار صرف عملة الدولار لدى محال الصرافة مقارنة مع السعر الرسمي المعمول به لدى البنوك "السعر الدولي" تسببت في أزمة كبيرة في مختلف المعاملات المالية المرتبطة بعملتي الدولار والدينار، وساهم هذا الأمر في الوقت ذاته بتعميق أزمة نقص السيولة بالعملة الأجنبية. صحيفة الغد الاردنية