هآرتس- بقلم عاموس هرئيل في الأسابيع السبعة والنصف التي بقيت إلى حين موعد انتخابات الكنيست في 1 تشرين الثاني فان حكومة يئير لبيد تأمل الخير وتحاول إطفاء حرائق أمنية. أزمة أمنية واحدة، موجة العمليات في أشهر آذار حتى أيار سرعت حل الائتلاف والإعلان عن الانتخابات. أزمة اخرى، عملية طلوع الفجر في شهر آب الماضي مرت بسلام. من الآن كل تورط آخر يمكن أن يرجح قليلا الكفة لصالح الليكود. ولكن طالما أن الأمور بقيت تحت منسوب المواجهة فيمكن التقاط الصور مع الضباط والجنود، الطيارين والبحارة، واستعراض تصميم وتبديد التهديدات تجاه العدو. لو أن الحكومة صمدت لبضعة أسابيع أخرى لكان ربما بالامكان حتى اخراج معاطف اليونيكلو من الخزانة اثناء الحملة، على الاقل في الجولات في الحدود الشمالية.
في هذه الاثناء يبدو أن جزءا من الأمور يأتي لصالح الحكومة، التي تخاف من الظهور كمتنازلة. إيران لاعتباراتها تضع عقبات على عرض الحل الوسط الأوروبي بشأن الاتفاق النووي الجديد، وربما أن هذا لن يوقع قبل الانتخابات في البلاد وانتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة. في منطقة الحدود البحرية المختلف عليها مع لبنان تم تأجيل بداية الحفر في حقل كريش حتى النصف الثاني من تشرين الأول على الاقل. وهو جهد بسيط آخر والتنقيب، وربما توقيع الاتفاق، سيؤجل إلى ما بعد الانتخابات. مع قليل من الحظ ايضا حزب الله سيحافظ على الهدوء.
ايضا أمام الفلسطينيين تبذل محاولات لتحييد جزء من الالغام المحتملة. من المرجح أن يتم العثور على طريقة لتحرير السجينين الإداريين من الجهاد الاسلامي، اللذين تستعين إيران بوضعهما كذريعة لاشعال المواجهة الاخيرة في القطاع. وخلف الكواليس مصلحة السجون المعطوبة قامت بعدة تنازلات لسجناء الجهاد من اجل منع اضراب جماعي خطط للقيام به في وقت حساس.
إذا لم يستأنف حزب الله تهديداته فان الجبهة الأساسية التي ستؤثر على الاستقرار في الأشهر القريبة القادمة هي الضفة الغربية. هنا الأمور مقلقة أكثر. منذ موجة العمليات تلك في الربيع كثف الجيش الإسرائيلي بصورة كبيرة القوات في منطقة التماس، وبعد ذلك شن عملية اعتقالات مع الشاباك والشرطة، التي تركزت في منطقة جنين التي منها جاء معظم منفذي العمليات. الهجمات في حدود الخط الاخضر تم كبحها في معظمها منذ ذلك الحين (أمس اعتقل فلسطيني مسلح ببندقية وعبوات ناسفة في الطريق لتنفيذ عملية في يافا)، لكن ساحة الاحتكاك انتقلت الى جنين، الى مخيم اللاجئين القريب من المدينة ومن القرى حولها وبعد ذلك انزلق الى منطقة نابلس.
عمليات دخول كثيرة لهذه المناطق ووجهت بمقاومة مسلحة من قبل عشرات واحيانا مئات الشباب المسلحين. ولأن قوات الجيش الاسرائيلي تتحرك في سيارات مصفحة فان عدد الاصابات في اوساط الجنود منخفضة. في المقابل الخسائر الفلسطينيين تتزايد. منذ بداية الشهر الحالي قتل ستة فلسطينيين في الضفة بنار الجيش الاسرائيلي، ثلاثة في جنين ونابلس، اثنان في رام الله وواحد في الخليل. الى جانب ذلك سجلت في هذا الأسبوع عملية طموحة نسبيا في شمال غور الأردن، شرق نابلس. خلية عائلية، أب وابن وابن عم، هاجمت في وضح النهار باطلاق النار حافلة نقلت جنود مستجدين من لواء المشاة كفير، وحتى انها حاولت احراقها بواسطة الزجاجات الحارقة، السائق وستة جنود اصيبوا.
نشاطات إسرائيل الحثيثة تنبع في جزء منها، كما قال هذا الأسبوع رئيس الأركان افيف كوخافي، من العجز الذي تظهره الأجهزة الأمنية الفلسطينية. سلطة الرئيس محمود عباس وهنت وسيطرتها على شمال الضفة هي سيطرة ضعيفة. المنطقة تتم السيطرة عليها من قبل مجموعات من الشباب المسلحين، التي هي ليست متماهية مع أي منظمة رغم أن حماس والجهاد الإسلامي يحاولون الادعاء بالسيطرة عليها. ولكن كوخافي، مثل متحدثين رسميين آخرين، يتجاهل الدور المتواصل لإسرائيل في المسؤولية عن هذا الواقع. منذ سنوات وهي تمتنع عن القيام بأي تقدم في العملية السياسية، وتتعامل مع السلطة على أنها مقاول لها من الباطن لشؤون الأمن وتغدق التسهيلات والمكافآت على سلطة حماس في القطاع، التي لا تعترف أبدا بإسرائيل وتعارض المفاوضات المباشرة معها.
في نفس الوقت يطرح هنا سؤال البيضة والدجاجة. المقاربة الاسرائيلية الدارجة تقول بأنه منذ سنوات ونحن نحارب العنف في الضفة بأسلوب ماكينة قص العشب، فقط نشاطات متواصلة من عمليات الاعتقال والتحقيق وجمع المعلومات وبعد ذلك اعتقال مطلوبين آخرين ستنجح في احباط والتشويش على معظم العمليات. ولكن معظم الاعتقالات في شمال الضفة في الاشهر الاخيرة وجهت ضد مسلحين متورطين في اطلاق النار على القوات داخل المنطقة، وبطبيعة الحال أي دخول لغاية الاعتقال يولد احتكاك آخر، الذي على الاغلب ينتهي بالمزيد من القتلى الفلسطينيين والرغبة في الانتقام.
هل كل نشاطات إسرائيل ضرورية؟ مثال جيد على هذا النقاش قدم في بداية الأسبوع. في يوم الاثنين بعد الظهر نشر الجيش نتائج التحقيق في موت الصحافية شيرين أبو عاقلة التي قتلت في ايار اثناء عملية اعتقالات مشابهة في جنين. للمرة الأولى، بعد تملصات كثيرة، وافق الجيش على الاعتراف بأنه وباحتمالية عالية يبدو أن المراسلة الفلسطينية قتلت بنار جندي من وحدة “دفدفان”. الإعلان الإسرائيلي استقبل بنقد فلسطيني. وبعد ذلك دعت وزارة الخارجية الأميركية الى كبح نشاطات الجيش في المناطق (أبو عاقلة كانت تحمل الجنسية الامريكية).
ولكن في تلك الليلة عاد الجيش الى نفس الساحة، الى جنين، من اجل هدم بيت المهاجم الذي قتل ثلاثة اسرائيليين في نيسان الماضي. مراسل “اخبار 12″، نير دبوري، الذي رافق القوات، وصل النشاط بأنه العملية العسكرية الاكير منذ اشهر التي خلالها دخل نحو 400 جندي الى المدينة. القوات ووجهت كما هو متوقع بنار شديدة نسبيا. الفلسطيني الذي وثق تبادل اطلاق النار ببث مباشر في الشبكات الاجتماعية قتل بنار الجنود. بجهودها المعلنة لاطفاء النار فان اسرائيل ايضا تشعلها.
لا يمكن تجاهل الظروف السياسية. لبيد ووزير الدفاع بني غانتس يستعدان للانتخابات ويخافان من أن أي بادرة حسن نية حقيقية تجاه الفلسطينيين ستعتبر كاظهار ضعف ويسارية. فوقهما يحوم ظل رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي سينقض على أي خطأ. كوخافي مثل رؤساء اجهزة الأمن الأخرى يدرك الضعف النسبي للمستوى المشرف ويبدي استقلالية حتى بصورة علنية. أكثر من مرة يبدو أن رئيس الاركان يفعل ذلك في الوقت الذي فيه عين من عينيه تتطلع نحو الرأي العام، من خلال رغبة في الحفاظ على مكانته العامة. هذا يفعلونه في اسرائيل فقط بطريقة واحدة وهي اظهار خط متصلب تجاه العرب.
هل يحاول الجيش اطفاء الحريق أم أنه يصب عليه الزيت، بصورة متعمدة أم بغير قصد؟ المستوى السياسي مذعور قليلا، المستوى المهني قلق على صورته ودائرة الدماء تواصل تغذية نفسها. هكذا نشأ فراغ، حيث جزء من السياسة يتم املاءه من الاسفل، من مستوى اللواء والفرقة القطرية، المندفع دائما نحو القتال. رئيس الأركان لا يجب أن يصوغ توقعاته بعدد كبير من الكلمات – المستويات الوسطى تقرأ نواياه وتعمل طبقا لها. في هذه الظروف عملية اكثر اتساعا في جنين، والى جانبها ارتفاع في التوتر في الحرم في اعياد تشري، تبدو في هذه الاثناء كسيناريو محتمل.
أول من أمس ثارت عاصفة صغيرة بين اسرائيل والولايات المتحدة. على خلفية تحقيق أبو عاقلة قال المتحدث بلسان الادارة الأميركية بأن الولايات المتحدة تتوقع من إسرائيل تغيير اوامر فتح النار التي تعطيها للجنود في المناطق. من ناحية لبيد وغانتس فان الأميركيين قدموا لهم الفرصة المناسبة للعمل. هما ردا بهجوم متزامن: لا يجب أن يتدخل أي أحد في نشاطاتنا العسكرية وأن لا يقول لجنودنا أن عليهم تعريض انفسهم للخطر. فقط رئيس الأركان هو الذي يحدد اوامر فتح النار.
في الإدارة الأميركية سارعوا الى التراجع. هذه كانت ملاحظة عامة، قيل هناك، ولم توجه من اجل ضغط محدد. الحكومة تقريبا لا تهتم بما يحدث في المناطق، وسائل الاعلام لامبالية (حداشوت 12 كرست هذا الاسبوع نص من نصف دقيقة في النشرة الاخبارية لنشر التحقيق عن موت الصحافية)، والمحاكم لم تتدخل في أي يوم. ربما لن يضر أن يشعر الجيش الإسرائيلي بأن هناك من يتابع نشاطاته