مع بداية العام الدراسي الجديد، وفيما كان الطلبة والطالبات يكتشفون فصولهم الجديدة والزملاء الجدد او الزملاء الذين عادوا بعد غياب، وفيما كانوا يكتشفون مرافق المدرسة وما نالها من تطوير أو تجديد، ومكان وجود المقصف الجديد أيضاً وبضاعته المغرية والمداعبة لأحلامهم الصغيرة والبسيطة، فيما كان يحدث كل ذلك كان هناك شخص يتسلل من بين هذا كله، بدافع الأبوّة وتحت هذا المسمى الواسع الفضفاض، كان يقترب من ابنته ذات الخمسة عشر ربيعاً ويسدد لها بسكينه طعنات خطرة في أماكن متفرقة من جسمها، والسبب الذي جعله يقدم على ذلك الفعل هو أنها قد قامت بزيارة خفية لأمها المطلقة، وربما سوف يتم إخلاء سبيل الجاني والمجرم لأن التحريات الأولية أثبتت أنه يعاني من اضطرابات نفسية شديدة.
هذه الجريمة المروعة التي حدثت قبل يومين في إحدى مدارس غزة، والتي هزت الشارع الغزي، ليست الأولى بالطبع ولن تكون الأخيرة، ويبدو ان هذه العبارة سوف أكررها كثيراً حتى تصبح مستهلكة ومملة، ولكني لا أعثر على بديل لها، ففي كل مرة هناك جريمة بحق أنثى أو بحق ابن، والفاعل هو الأب والمبرر لجريمته انه قد خرج عن عقله ولم يعد مسؤولاً عما يقوم به، والسبب الخفي لجريمته هو الطلاق وما جره من نتائج وخيمة تقع على عائلة كانت يوماً تسمى عائلة، لكن الصراع الذي يبدأ مع وقوع الطلاق على حضانة الأطفال ونفقتهم والمعارك التي تدور في أروقة المحاكم بين الأب والأم واستخدام كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، والبحث عن ثغرات في القانون لكي يحصل أحدهما على حكم لصالحه، كل هذه السلسلة من الإجراءات الجائرة هي جائرة فعلاً بحق الأطفال أولاً وأخيراً، الذين هم دائماً الحلقة الأضعف وضحايا الطلاق.
دفعت هذه الطفلة ثمناً باهظاً حتى لو لم تلق حتفها نتيجة صراع بين أبوين، ويبدو أن الأم قد عانت كثيراً حتى حصلت على الطلاق نتيجة لأسباب لا نعرفها حتى الآن، فقد حكمت المحكمة بحضانة الطفلة لجدها لأبيها.
ما يحدث في العادة إنه بمجرد وقوع الطلاق بين الزوجين، فكل واحد يبقى متلصصاً على الآخر، وكل واحد من طرفي النزاع يكون حريصاً على "ممتلكاته"، فالأب يكتشف فجأة أن لديه أطفالاً وهو الذي كان يهملهم ولا يُعنى بهم حين كانوا في بيت الزوجية، ولم يكن يعبأ بخروجهم مع أُمهم وزيارة أهلها وبقائها مدة طويلة في زيارتهم قد تمتد أياماً، فهو بذلك يريح رأسه من المشاكل والصراعات ومن المصاريف والالتزامات، لكن وبمجرد أن يصل إلى نقطة النهاية مع الأُم التي كانت زوجته في يوم من الأيام، فهناك من يضع فمه في أذنه ويخبره بتحركات أطفاله، وربما هناك من يتطوع ليخبره بتحركات طليقته، وربما استنفر الأب أو مَن يدّعون خوفهم على مصلحته والصائدون في المياه العكرة والناعقون على أسطح البيوت الخربة، فكل هؤلاء يستخدمون الأطفال كوسيلة انتقام أو ضغط على الأُم خاصة فيما لو فكرت بالزواج مرة ثانية، وعلى الرغم من أن الأب بعد الطلاق قد يتزوج سريعاً من باب الانتقام والتشفي ويجد من يشجعونه على الزواج السريع لكي يشفي غليله أو غليل أبويه. نحن للأسف فنحن أمام شبكة من المكائد التي يكون ضحيتها الأطفال أولاً وأخيراً.
يجب على المؤسسات الإنسانية في كل مكان أن تقوم بدورها بعد الطلاق، فالطلاق ربما كان نهاية للزوجين، لكن هناك الضحايا بينهما وهناك من يُتركون تائهين ضائعين في منتصف الهاوية بين الأب والأم، وهؤلاء هم الأجدر بالرعاية والمتابعة والملاحقة السوية والهادفة والبناءة، لكي لا ينشؤوا على الأقل شخصيات غير سوية وناقمة وحاقدة إن لم يدفعوا حياتهم وبراءتهم ثمناً لتصفية حسابات قديمة بين طرفين فشلا في أن يكونا زوجين.