تداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة إلى مبادرات..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 06 سبتمبر 2022 02:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
تداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة إلى مبادرات..مهند عبد الحميد



الحرب الروسية الأوكرانية لها تداعيات شديدة وطويلة وفي مقدمتها إلحاق افدح الخسائر  بالشعبين الروسي والأوكراني، وبالسواد الأكبر من الشعوب أفدح الخسائر وأشد أنواع المعاناة. الواقع المأساوي الناجم عن الحرب يتعمق مع كل يوم تستمر فيه حرب الصراع على النفوذ بين أركان النظام الرأسمالي المتوحش، وإن اختلفت مسميات بعض أقطابه.  والعنوان هو الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف من الأزمة التي تسببت بها جائحة كورونا، حتى بدأ يشهد اضطرابات واختلالات وموجة غير مسبوقة من الجوع والفقر بعد الحرب الروسية الأوكرانية وسلسلة العقوبات ضد روسيا، ومن مظاهر تلك الأزمة:   
• يعاني 2.8 مليار شخص في أنحاء العالم من مشكلات في توفير الغذاء ومن ارتفاع في أسعار الطاقة ونقص في التمويل وتآكل في مستوى المعيشة. وقد تضاعف عدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليونا قبل الجائحة إلى 276 مليونا بعدها ومن المتوقع أن يرتفع إلى 323 مليونا بسبب الحرب.
• انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1.5 وارتفاع التضخم العالمي بنحو 1.3%. في أوروبا انخفض الناتج المحلي الإجمالي 4 نقاط، والنمو يقارب صفرا في حين بلغ التضخم في 39 دولة عضوا في منظمة التعاون الاقتصادي 9%.
• 60 % من القوى العاملة في العالم اصبح لديها دخل اقل مما كانت عليه قبل الجائحة وبعد الحرب.
• كانت الطاقة أحد اهم أسلحة الحرب، وبفعلها تواجه أوروبا والدول الفقيرة خيارات صعبة تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة وتنتهي بالتأثير السلبي في قدرة أوروبا الصناعية. على سبيل المثال سترتفع أسعار الطاقة في بريطانيا 80% بدءا من تشرين الأول القادم، وسيخسر الاقتصاد الألماني 265 مليار دولار من القيمة المضافة بحلول العام 2030 بسبب الحرب. (المصدر: موقع الاقتصادية/ هشام محمود/ لندن 27/8/2022)،
الحرب أوجدت أزمة اقتصادية تدور في حلقة مفرغة ما يجعل الإصلاح أو الخروج من الأزمة أكثر تعقيدا كما يقول الخبراء في تقرير موقع الاقتصادية المنوه إليه.
أما على صعيد الشعوب والدول العربية، فباستثناء دول البترول والغاز فقد أصبحت معظم الدول العربية أكثر ضعفا وترديا أمام مخلفات الحرب والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها. كانت قدرة دول الاقتصاد الهش على الصمود اقل بكثير من الدول الأخرى. وتحديدا فقد عصفت الأزمة بفلسطين ولبنان والأردن واليمن وسورية وتونس ومصر والسودان والعراق وغيرها، كما يشير تقرير الخبراء في موقع مجموعة الأزمات 13/ 4/ 2022. تلك البلدان شهدت ترديا في الأحوال المعيشية بفعل انخفاض الدخل وزيادة الأسعار في المواد الغذائية والوقود وانخفاض في قيمة العملة. فلسطين التي تخضع لعلاقات تبعية اقتصادية وعقوبات وهيمنة إسرائيلية والتي تعيش أزمة اقتصادية بنيوية قبل الجائحة والحرب وتعتمد أساسا على المساعدات الخارجية التي أصبحت شحيحة ومشروطة أكثر، تصبح اكثر من أي وقت مضى تحت رحمة قرار دولي وإسرائيلي يحول دون الانهيار التام ليبقيها مترنحة اكثر فأكثر في الأزمة الاقتصادية لاستجلاب مردود سياسي يبقي على علاقات الهيمنة الاستعمارية ويكبح كل تطور أو نمو من شأنه الدفع نحو الإفلات وتقرير المصير. في مواجهة ارتفاع الأسعار وتهديد الأمن الغذائي لا تستطيع السلطة الرسمية اتخاذ إجراءات لحماية الفئات الأكثر فقرا في (الضفة والقطاع) في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة المعيشية لدى فئات المعلمين والأطباء وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل وعمال القطاع الخاص والعمال في قطاع غزة والقاعدة العريضة من القطاع العام. ما يدفع الفئات المهنية لمواصلة النضال المطلبي بهدف تحسين شروط المعيشة في الوقت الذي لا تستطيع فيه السلطتان الرسمية وغير الرسمية توفير المقومات، فضلا عن الاستجابة للمطالب المشروعة. ليس هذا وحسب حين يترافق ذلك مع تصاعد حضور المسألة الوطنية عبر انخراط أعداد متزايدة من الشبان في مقاومة المحتلين، مقاومة تزيدها الأزمة الاقتصادية والحصار والقمع احتداما قد يؤدي إلى انفجارات اكبر. وهنا تتميز الأزمة في فلسطين عن غيرها بوجودها في صيغة مركبة من مجموعة عناصر، الاحتلال الذي يقبض على حرية شعب، واختناق اقتصادي  كجزء من الأزمة على صعيد كوني، وعجز المؤسسات الفلسطينية عن إيجاد الحلول أو تلمس بدايات صحيحة للحلول في المسألتين الوطنية والاجتماعية، وانخفاض مستوى الاهتمام الدولي والإقليمي والعربي بالقضية الفلسطينية بما هي قضية شعب يناضل من أجل تحرره من نظام «أبارتهايد» استعماري.  
تتلمس الكثير من الدول وبعض الأحزاب والقوى طريقا للخروج من الأزمة، فقد أعلنت ألمانيا عن حزمة إجراءات اقتصادية بقيمة 65 مليار يورو للحد من ارتفاع تكاليف الطاقة، وتشمل الحزمة الجديدة مدفوعات لمرة واحدة للمتقاعدين والأشخاص الذين يحصلون على الإعانات والطلاب. وستحصل حوالي 9000 شركة كثيفة الاستهلاك للطاقة على إعفاءات ضريبية تصل إلى 1.7 مليار يورو. وفي فرنسا، قدم اليسار الفرنسي الذي يضم 147 نائبا في البرلمان مشروعا يدعو إلى تحميل أغنى 500 شركة وعائلة تكاليف أزمة الطاقة والخدمات الاجتماعية لحماية ما يقارب الـ 20 مليون يعانون من الأزمة الاقتصادية، يتحدث المشروع عن توفير 50 مليار يورو من اكثر القوى الاقتصادية ثراء اعتمادا على نظام الضريبة المتصاعدة وحذر من تهرب شركات كبرى من دفع الضرائب كونها تعمل خارج فرنسا. ودعا المشروع إلى الاستثمار بقيمة 200 مليار يورو في مشاريع صديقة للبيئة خلال 5 سنوات. ويرى اليسار أن هذا المشروع في حال اعتماده من قبل الحكومة سيخلق وظائف جديدة للعاطلين عن العمل في مجال الزراعة والطاقة، ويطور البنية التحتية. ويرى الاتجاه الأقوى في اليسار الفرنسي الذي يتزعمه ميلانشون، أن المشروع يحتاج إلى تغيير الأولويات ومنظومة القوانين التي تشكل عونا لكبار الشركات وكبار الرأسماليين في إطار الاتحاد الأوروبي. بعض أقطاب اليسار من الحزب الاشتراكي يتحفظ على المشروع ويرى أن التغيير يتم عبر موافقة الحكومة.  
كما نرى، تتحرك الدول والأحزاب لحل الأزمات، وفي مقدمة ذلك تدعو سياسيا إلى وقف الحرب فورا عبر وقف الغزو الروسي لأوكرانيا وتراجعه الفوري، ووقف تدخل أميركا و»الناتو» في الحرب وتراجعهما عن تأجيجها واستخدامها لتعزيز الهيمنة، واللجوء للأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع بين روسيا وأوكرانيا على قاعدة القانون الدولي. أما نحن في فلسطين فليس لنا حضور سياسي حول الحرب، ولا مبادرات داخلية لتجاوز آثارها السلبية المدمرة.