تطورات بمناحٍ إستراتيجية تُظلل مشاهد الشرق الأوسط، وهنا لا نتحدث عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى المنطقة قبل أيام، وإنما نتحدث عن مسار جديد دشنته قوى مناهضة للسياسات الأمريكية. المسار الجديد ركائزه أربع دول، هي روسيا وإيران والصين وضمناً سورية، وقبل أيام عُقدت في العاصمة الإيرانية طهران، قمة جمعت إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبطبيعة الحال فإن دمشق كانت الغائبة الحاضرة عن هذه القمة.
حقيقة الأمر، أن العلاقات الإيرانية الروسية، تُمثل ازعاجاً وقلقاً حقيقياً للغرب، خاصة أن هذه العلاقة تحت المنظار الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أن العلاقة بين طهران وموسكو، قد ارتقت لتبلغ مستوى التغيير الجيو استراتيجي، في اللعبة الشرق أوسطية، وكذا في لعبة الأمم الدولية، وهنا لابد من الإشارة، إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قد اتخذت مساراً جديداً، سيكون لإيران نصيب منه.
إذاً في طهران كان القمة التي جمعت إبراهيم رئيسي، وفلاديمير بوتين، ورجب طيب اردوغان. هي قمة ذات توقيت استراتيجي غاية في الأهمية، ليس جراء التطورات الدولية بأبعادها كافة، وإنما نتيجة التطورات الشرق أوسطية، وحالة الاصطفاف الجديدة، والتي جاءت كنتيجة طبيعية للتطورات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة الغرب تحييد روسيا سياسياً واقتصادياً.
لا يمكن إنكار أن القمة الثلاثية في طهران، جاءت ضمن بُعدين، الأول روسي إيراني سوري، والثاني التركي الباحث عن مخارج سياسية. وعليه يمكننا القول، وضمن البُعد الأول، أن العقوبات الغربية الأمريكية ضد روسيا وإيران، قد أنتجت تحالفاً أعمق بين موسكو وطهران، لجهة الالتفاف على تلك العقوبات، وبما يساهم ويساعد على تعزيز قدرة وصمود الدولة السورية، وفي جانب آخر، فإن هذه القمة ستؤسس لحضور روسي إيراني أكبر ضمن الجغرافية السورية، وتحديداً في شمال شرق سوريا، بما يُبدد المخاوف التركية بشأن قسد، وبطبيعة الحال، فإن دمشق والقوات السورية، باتت حاضرة وبقوة في مناطق واسعة من الشمال الشرقي، الأمر الذي سيتم استثماره من قبل دمشق وحلفاؤها، لتأسيس نواة مقاومة جديدة، ضد التواجد اللا شرعي، للقوات الأمريكية ومثلها التركية، وهذا ما ألمحت إليه دمشق مراراً لجهة إنشاء جبهة مقاومة للوجود الأجنبي في شمال شرق سوريا.
في البُعد الثاني، فإن روسيا وتركيا يعملان معاً، لإخراج تركيا من الجغرافية السورية، وهذا الأمر سيكون عبر بوابات عدة، إحداها البوابة الاقتصادية، فالاتفاقيات الاقتصادية التي وُقعت بين إيران وتركيا، وكذا روسيا وتركيا، من شأنها أن تُصرف سياسياً وميدانياً، بمعنى، ستتخلى تركيا عن أطماعها في الجغرافية السورية، عبر ضمانات اقتصادية روسية وايرانية، وفي ذات الإطار، عبر ضمانات سورية تتمثل في الانتشار العسكري الواسع، في عموم الشمال السوري.
يتضح مما سبق، بأن العالم اليوم لم يعد أمريكياً خالصاً، ولم تعد واشنطن هي القطب الجاذب للتحالفات والإصطفافات، بل اليوم هناك معادلات جديدة، وتكتلات من شأنها الوقوف في وجه السياسات الأمريكية، والأهم أن روسيا وإيران والصين وضمناً سوريا، باتوا رقماً صعباً في ضبطه أمريكياً، وبالتالي فإن قمة طهران، ستكون بلا ريب الخطوة الأولى في سياق عالمي واقليمي جديد، ولا يمكن لواشنطن ضمن ذلك، من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
كاتب فلسطيني