زيارة بايدن للسعودية بين النجاح والفشل..محمد ياغي

الجمعة 22 يوليو 2022 03:12 م / بتوقيت القدس +2GMT



خلال حملته الرئاسية للبيت الأبيض العام 2020، قدم المرشح جوزيف بايدن عدة وعود تتماشى مع عقيدة الرئيس أوباما بالانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز بدلاً من ذلك على الصين. حيث وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018، وأنه سينهي الحرب في اليمن، وأن يعامل السعوديين على أنهم «منبوذون» رداً على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
خلال سنته الأولى في المنصب حافظ الرئيس بايدن على وعوده، لكن الاجتياح الروسي لأوكرانيا أجبر إدارته على تغيير أولوياتها.
الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات اللاحقة على روسيا جعلت دول الخليج أكثر أهمية من أي وقت مضى للاقتصاد العالمي. فقد أدت العقوبات الاقتصادية خاصة على قطاع الطاقة الروسي إلى زيادة غير مسبوقة في أسعار النفط والغاز لم يشهدها العالم منذ العام 2008، ما أدى بدوره إلى زيادة معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا إلى نسب غير مسبوقة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وهذا أدى بدوره إلى انخفاض حاد في شعبية الرئيس بايدن. ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الأول القادم، قد يؤدي ذلك كله إلى فشل الحزب الديمقراطي في الحفاظ على أغلبيته في الكونغرس.
على هذه الخلفية، أصبحت الأولوية الأولى للرئيس بايدن إيجاد مصادر طاقة بديلة غير تلك الموجودة في روسيا.
في أوائل آذار الماضي أرسل وفدا لفنزويلا، أحد أهم الدول التي يمكنها تعويض نقص النفط في السوق العالمي، لكنه لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق معها. ثم وخلافا لوعوده الانتخابية، اتصل بولي العهد السعودي لإقناعه بزيادة إنتاج النفط، لكن تقارير صحافية عديدة ذكرت أنه رفض الرد على مكالمة بايدن الهاتفية.
قرار الرئيس بايدن بزيارة  السعودية جاء على هذه الخلفية وبهدف أساسي وهو تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة،  لكنه رغم ذلك صور زيارته لها في البداية على أنها محاولة منه لدمج إسرائيل أكثر في المنطقة العربية. هنالك سببان وراء محاولته لإظهار زيارته للسعودية بهذه الطريقة:
الأول، أنه لم يرغب في أن يظهر كما لو أنه تراجع عن وعودة الانتخابية بمعاملة العربية السعودية بالطريقة التي وعد بها خلال حملته الرئاسية.
والثانية، هو رغبته بانتزاع تنازلات من السعودية مقابل زيارته. تنازلات من شأنها أن تعزز شعبيته في الولايات المتحدة من خلال توسيع الاتفاقيات التي وقعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل أو ما يعرف باتفاقات أبراهام (إبراهيم).
لا شك في أن زيارة بايدن للسعودية كان لها هدفان رئيسان: إقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط لخفض أسعار الطاقة عالميا، وإنشاء ما يسمى تحالف الدفاع الجوي العربي الإسرائيلي، أو تحالف الناتو العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن أنكر في البداية الهدف الأول لزيارته، فهو لم ينكر الثاني.
في تعليق له على الرفض السعودي لزيادة إنتاج النفط في حزيران الماضي، قال الرئيس بايدن إن «زيارته للعربية السعودية لا تتعلق بأي شيء له علاقة بالطاقة ... بل يتعلق بالأمن القومي لهم - للإسرائيليين». كما ذكر البيت الأبيض أن «بايدن يأمل في تعزيز رغبة إسرائيل في إقامة علاقات دبلوماسية مع العربية السعودية بهدف مساعدة دول الشرق الأوسط على التوحد ضد إيران».
في الواقع، يبدو أن إصرار الولايات المتحدة على تحقيق هذا الهدف، تشكيل ناتو عربي إسرائيلي تسبب في تأجيل زيارة بايدن من نهاية حزيران إلى منتصف تموز وذلك لإتاحة المزيد من الوقت لتحقيق هذا الهدف ولكن دون طائل.
بعد الفشل في تحقيق هذا الهدف، أعلن الرئيس بايدن قبل يومين من زيارته للعربية السعودية، أهدافا أكثر تواضعا. في مقال له نُشِرَ في صحيفة واشنطن بوست قال إن زيارته تهدف إلى «مواجهة العدوان الروسي، ووضع أميركا في أفضل موقع ممكن للتغلب على الصين، وبهدف العمل على تحقيق استقرار أكبر في منطقة حيوية للعالم، وإنه ولهذه الأسباب فإن عليه التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر على تلك النتائج مثل العربية السعودية.» وأضاف أيضا: «هدفي عندما ألتقي بالقادة السعوديين هو تعزيز شراكة استراتيجية تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة مع التمسك أيضا بالقيم الأميركية الأساسية».
كل ما حققه الرئيس بايدن خلال زيارته للعربية السعودية هو موافقتها على فتح مجالها الجوي للطائرات المدنية الإسرائيلية مقابل سيطرتها الكاملة على جزيرتي تيران وسنافير، والتي أعاقتها إسرائيل منذ أن أعادتها مصر لها العام 2017.
الخلاف بين السعودية وإسرائيل كان بشأن الاحتفاظ بالمراقبين الدوليين في الجزر: أرادت إسرائيل أن يبقوا وفقا لاتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر لكن السعودية أرادت أن يرحلوا. في النهاية، تخلت إسرائيل عن مطالبتها بالإبقاء عليهم في الجزيرتين مقابل فتح المجال الجوي السعودي لرحلاتها المدنية.
على الرغم من فشله في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو أمر أراده بشدة لتبرير زيارته إلى للسعودية فقد نجح بايدن في إقناعها بزيادة إنتاجها من النفط من 9 ملايين إلى 13 مليون برميل خلال أشهر الصيف (تموز وآب).
في المقابل تمكنت العربية السعودية من إجبار بايدن على «بلع» وعودة السابقة بمعاملتها كدولة «منبوذة» وبأنه لن يتواصل مع ولي العهد السعودي واضطر في النهاية للاجتماع به.
أيضا لم تخضع السعودية لضغوط بايدن لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وفي الواقع، فإن العربية السعودية والدول العربية الأخرى التي التقت به بما في ذلك تلك التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم، ذَكرت بايدن أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شرط ضروري لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
أخيرا، أرسل ولي العهد السعودي إشارات واضحة لإدارة بايدن بأنه سيعامل الأميركيين بنفس الطريقة التي عاملوه بها: لقد رفض استقبال الرئيس بايدن في المطار، وأرسل بدلاً من ذلك أمير منطقة مكة لاستقباله في الوقت الذي استقبل هو كل القادة العرب الآخرين في المطار.
إضافة لذلك، وخلال لقائه بالرئيس بايدن ورداً على طرح الأخير لموضوع الخاشقجي، ذَكّره ولي العهد السعودي بازدواجية المعايير الأميركية عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان بما في ذلك قيام إسرائيل بقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عقله، والمعاملة الأميركية السيئة للأسرى في سجن أبو غريب في العراق. كما أعاد تذكيره بغزو العراق بناء على معلومات استخبارية كاذبة (بايدن أيد الحرب على العراق عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ)، وأبلغه أيضا أن الجهود المبذولة لفرض قيم أميركية على دول أخرى قد تؤدي إلى نتائج عكسية.