اختار البيت الأبيض أن يكون الرئيس الأميريكي جو بايدن خلال الـ500 يوم الماضية بعيداً عن المنطقة ومتجاهلاً قادتها وقضاياها، إلا أن الجفاء الأقوى كان بين بايدن وبن سلمان ورفض الرئيس الأميركي لقاء ولي العهد السعودي لجملة أسباب أهمها مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، كل ذلك كان قبل اندلاع الحرب الروسية الأميركية في شباط الماضي، وقبل اعتراف أميركا الضمني بهزيمتها في الحفاظ على موقعها كمهيمن في الاقتصاد والعملة والنفط، فأخذت تفرض عقوبات على روسيا مالبثت أن قلبت السحر على الساحر فراح بايدن متراجعاً إلى السعودية يطلب النجدة من ولي عهدها لزيادة إنتاج النفط.
لكن بايدن ولحفظ ماء وجهه برر زيارته بمقال نشره في الواشنطن بوست بعنوان «لماذا أزور السعودية؟ شرح فيه أسباب زيارته المملكة خلال الأيام المقبلة، قائلاً “أعرف أن هناك كثيرين ممن لا يتّفقون مع قراري السفر إلى السعوديّة” مردفاً قوله “آرائي حول حقوق الإنسان واضحة وثابتة، والحريات الأساسية موجودة دائما على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج، وهي ستكون كذلك خلال هذه الزيارة.
ومهما تكن مكنونات بايدن فإن الزيارة تأتي في خضم الأحداث الملتهبة في الإقليم وهي ذات أهمية كبيرة بسبب الوضع الراهن للعالم وللشرق الأوسط، وقد تكون قمة جدة فرصة لترتيب الأوراق وتحديد الأولويات.
لكن على الرغم من المعلومات التي تؤكّد أهمية الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط وتداعياتها في الإقليم، فإنّ الإدارة الأمريكية نفسها لم تصدر أي تأكيد عن نتائج ملموسة لهذه الزيارة، بسبب التعقيدات التي تحيط بها، مايطرح أسئلة حول المستفيد الأول من هذه الزيارة بعد أمريكا طبعاً التي تسعى لحث السعودية على زيادة إنتاجها من النفط بسبب وقف روسيا إمدادات الغاز لأوروبا، المستفيد الثاني هو الكيان الإسرائيلي الذي يسعى رئيس وزرائه يائير لابيد إلى تعزيز أوراق قوته على مقربة من الانتخابات التي ستحصل بعد أربعة أشهر من خلال زيادة رقعة التطبيع أولاً، والبدء بالتنقيب من حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان والذي كاد يشعل حرباً أو بروفا حرب حين أرسلت إسرائيل منصة إنرجين باور إلى المنطقة المتنازع عليها في الوقت الذي كانت المفاوضات لاتزال بين أخذٍ ورد، وكر وفر بين الجانب اللبناني والوسيط الأمريكي آموس هوكستين من جهة، وبين اللاعب الجديد الذي صار الأهم في ملف الترسيم وهو المقاومة اللبنانية، وهدّد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أمس، باستهداف كامل حقول الغاز والنفط في المياه الفلسطينية المحتلة، في حال عدم السماح للبنان باستخراج نفطه وغازه، مشدداً على ضرورة الوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية قبل أيلول المقبل
وتوعد السيد نصر الله، في خطاب حول آخر التطورات السياسية، بأن المفاوضات إذا وصلت إلى خواتيم سلبية فـ«لن يستطيع أحد أن يستخرج ويبيع الغاز والنفط». وفيما لفت إلى أن رسالة المسيّرات هي «بداية متواضعة لما يمكن أن نذهب إليه»، أعلن «المعادلة الجديدة: كاريش، وما بعد كاريش، وما بعد بعد كاريش»، مبيّناً أن المقاومة تتابع كل ما يُقابل الشواطئ الفلسطينية المحتلة من «حقول وآبار ومنصات.»
وعليه فكيف سيوازي بايدن بين ما يريده الإسرائيليون من قمتهم مع بايدن خاصة في ملف الترسيم، وبين ما ينتظره القادة العرب، ولاسيما المملكة العربية السعودية في قمة جدة.
أما لبنان فهو ليس في جدول أعمال بايدن، لكنه مع ذلك يجلس على رصيف الانتظار ويأمل أن تأتيه نسمات أميركية عربية تخرجه من دوامة التعطيل الذي يبدع السياسيون في اختلاقه مع كل استحقاق، وكلما ضاقت المسافة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الرئاسي القريب تزداد فيه التعقيدات للوصول إلى تأليف حكومة لذلك يبقى التعويل على نتائج التسويات الإقليمية.
لكن الواضح أن الهمس في الكواليس السياسية يشدد على وجوب إعطاء الاولوية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة أن تشكيل حكومة جديدة لبضعة أشهر لن يغير شيئًا، وهنا تبرز مخاوف التيار الوطني الحر من تشكيل حكومة تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال وقع البلاد في الفراغ الرئاسي، لذلك تعتبر مصادر أن فريق رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لا مصلحة لهم في تشكيل حكومة، وهم يتهمون الرئيس المكلف بعدم رغبته تشكيل حكومة وهو الذي قدم مسودة التشكيلة الحكومية منذ حوالي أسبوعين لرئيس الجمهورية وسط اعتراضات من التيار الوطني الحر بسبب عدم إسناد وزارة الطاقة إليه.
وعليه فإن الطريق مقطوعة بين بعبدا والسراي، وانتظار “الألو” من رئيس الجمهورية هو واقع الحال اليوم،لكن الانتظار السياسي يقابله انهيار في كل مفاصل الدولة التي يبدو أن ثمة مساعٍ لتفكيكها والقضاء على إدارتها ومؤسساتها العامة، فإضراب العاملين في القطاع العام مستمر، والقضاة مضربون، وأساتذة الجامعة اللبنانية كذلك، والأزمات تشتد ، فلاخبز ولا دواء ولا ماء ولا كهرباء، والمواطن يدفع فواتير تفوق راتبه بعشرات الأضعاف، والليرة لم يعد لها قيمة، والحبل على الجرار إذا بقي الداخل ينتظر بايدن وبوتين وكل زعماء العالم لينقذوه من جهنّم فهم حتماً واهمون، لأن الإنقاذ يأتي من الداخل، من حكومة تعالج القضايا المعيشية، وتضع الحسابات والمصالح جانباً، لكن ذلك لن يحصل طالما بقي النظام الطائفي يهيمن على السياسة، فالمطلوب استئصال النظام الطائفي والذهاب إلى دولة مدنية، واختيار الكفاءات لا توريث المقاعد، وتفعيل مؤسسات الدولة، والكثير من الإصلاحات التي لاتعد ولاتحصى، وليس انتظار التسويات الخارجية لأن الله لايغير مافي قوم حتى يغيروا مافي أنفسهم، وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط قد لا تؤثر قيد أنملة على الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان، فلننتظر لأننا اعتدنا الانتظار في بلد المعجزات التي تأتي فيه كلمة السر الخارجية في الربع الساعة الأخير، ولننتظر.
كاتبة لبنانية