عن دوافع العلاقات العربية الإسرائيلية..محمد ياغي

الجمعة 08 يوليو 2022 06:17 م / بتوقيت القدس +2GMT



في مقال سابق، ذكرت أن الأصل في السياسات في العالم العربي هو مُمارستها سراً خصوصا ما يتعلق منها بالعلاقة مع إسرائيل والسبب يعود إلى ثلاثة عوامل:
الأول هو أن العلاقات مع إسرائيل تشكل عبئا كبيرا على الأنظمة العربية التي تقيمها فهي عبء أخلاقي أولا إذ لا يمكن تبرير هذه العلاقات مع دولة تحتل أراضي عربية وتمعن في القتل في أصحاب الأرض الشرعيين من قبل قادة يعتبرون أنفسهم عربا ومسلمين.
وهي أيضاً عبء أمني ومالي على هذه الدول لأن عليها أن تسخر جزءا من مصادرها الأمنية والمالية لحماية الدبلوماسيين الإسرائيليين يفوق أضعافا مضاعفة ما تسخره من مصادرها لحماية دبلوماسيين غير إسرائيليين.
وهي أيضا تجعلها مستهدفة من كل من له «ثأر» مع إسرائيل، وكردستان العراق مثال على ذلك عندما استهدفت إيران مقار فيها بالصواريخ يعتقد أنها للموساد الإسرائيلي.
الثاني أن العلاقة مع الإسرائيليين تأخذ من شرعية هذه الأنظمة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى تعزيز شرعيتها بسبب غياب الانتخابات التي تعطي الشرعية، وغياب شرعية الإنجاز حيث ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والغلاء في غالبية الدول العربية.
والثالث هو أن القضية الفلسطينية راسخة ومتجذرة في وجدان الشعوب العربية ولا يمكن للأنظمة العربية إقناع شعوبها بأن ضعف أداء قيادات الفلسطينيين، وأن الحاجة لمواجهة إيران، أو أن الضغوط الدولية هي مبررات كافية لإقامة علاقات مع إسرائيل.
الحقيقة أن كل الأنظمة العربية التي أقامت علاقة علنية مع إسرائيل (باستثناء مصر) قد أقامتها بذريعة أن الفلسطينيين قد قبلوا بإقامة علاقات مع إسرائيل عبر اتفاق أوسلو، وإذا كانوا «هم» قد قبلوا فلا حرج «علينا» إن أقمنا هذه العلاقات.
لكن ما الذي يغري الأنظمة العربية لتقيم علاقات علنية مع إسرائيل رغم المخاطر والأعباء التي تتضمنها هذه العلاقات؟
السبب الأول هو المكاسب التي يمكن أن تجنيها هذه الدول العربية من الغرب.
الكثير من الدول مثل الأردن ومصر والمغرب تتلقى مساعدات مالية مهمة من الغرب تُشكل رافدا لخزينتها، ورغم أن هذا الدعم غير مشروط صراحة بالعلاقات العلنية مع إسرائيل (مصر هنا استثناء حيث المساعدات المالية السنوية والجزء الأكبر منها عسكري هو ضمن ملحقات اتفاقات كامب ديفيد) إلا انه مفهوم ضمنا أن هذه المساعدات مشروطة بالعلاقات الجيدة مع إسرائيل، والغرب حريص على تذكير هذه الدول بذلك تضمينا أو صراحة خلال لقاءات قادته معهم.
البعض الآخر مثل السودان أقام علاقاته مع إسرائيل طمعا في رفع اسمه عن لوائح الإرهاب وما يمثله ذلك من فرص لجلب استثمارات خارجية وأُعلن عن ذلك صراحة بلا خجل أو استحياء من قبل قادة السودان العسكريين. أي أنهم بادلوا «دعمهم للقضية الفلسطينية بالرفع عن لوائح الإرهاب» وهو ما يؤكد حقيقة أن الدعم الغربي للدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل هو مشروط باستمرار هذه العلاقات.
البعض الآخر مثل المغرب حصل على اعتراف أميركي بأن الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر هي أرض مغربية، وأيضا لم تخجل المغرب من ذلك وهي التي تقيم علاقات سرية مع إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي حيث يذكر محمد حسنيين هيكل في أحد كتبه بأن القمم العربية التي كانت تعقد في المغرب كان يتنصت عليها الإسرائيليون وبتسهيلات من المغرب نفسه.
السبب الثاني هو تخفيف الضغوط الغربية عليها إذ لطالما استخدمت الولايات المتحدة «حقوق الإنسان» كذريعة لمعاقبة البعض ولإكرام البعض الآخر من العرب.
العربية السعودية مثلا تعرضت وتتعرض لكم هائل من الانتقادات الغربية تحت مسمى الدفاع عن حقوق الإنسان فيها، فيما دول أخرى مثل الإمارات العربية والبحرين خارج هذه الضغوط لأن لها علاقات مع إسرائيل.
العلاقة مع إسرائيل وبسبب نفوذ الأخيرة المتنامي في السياسات الغربية (في أميركا تحديدا وبدرجة أقل نسبيا في أوروبا) تشكل البوابة التي يتم من خلالها قبول الأنظمة العربية أو رفضها من قبل الدول الغربية.
الرئيس المصري السادات كان على قناعة بذلك قبل توقيعه لاتفاقات كامب ديفيد وربما تولدت له هذه القناعة من عراب الاتفاق ملك المغرب الراحل الحسن الثاني. حيث يذكر يوسي أَلفرا في كتابه «بحث إسرائيل عن حلفاء في الشرق الأوسط» بأن أول لقاء كان بين ملك المغرب ومدير الموساد إسحاق حوفي وهذا بدوره أفضى إلى «لقاء ملكي آخر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين»، والذي وصل المغرب متخفيا ومرتديا باروكة شعر أشقر وأعقب ذلك لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين مصريين، من بينها كان لقاء موشى ديان وزير خارجية إسرائيل وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء المصري، وتُوج ذلك كله بزيارة السادات للكنيست الإسرائيلي في القدس العام ١٩٧٧.
هذه هي المكاسب التي يجنيها القادة العرب من علاقاتهم بإسرائيل وليس هنالك أي مكاسب أخرى.
كل ما يقال عن حاجة بعض العرب للتكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة أو لخبراتها في مجال الزراعة أو لقدراتها العسكرية من أجل مواجهة إيران هي مجرد أكاذيب.
التكنولوجيا ليست حكراً على إسرائيل ويمكن الحصول عليها من الولايات المتحدة أو من الصين أو من كوريا الجنوبية أو من الهند وهنالك دول أخرى عديدة تمتلكها، وبالتالي لا حاجة للحصول عليها من إسرائيل (باستثناء برنامج التجسس بيجاسوس بالطبع). والزراعة متقدمة في كثير من بلدان العالم مثل هولندا وكندا والصين وروسيا والولايات المتحدة والكثير غيرها ولا ضرورة أو حاجة لإسرائيل في هذا المجال.
أما فيما يتعلق بحاجة البعض لإسرائيل للدفاع عن نفسه ضد الخطر الإيراني، فهذه ليست أكثر من نكته لأن إسرائيل لأسباب جغرافية وديمغرافية عاجزة عن حماية نفسها، وهي تستعين بالعرب لحماية نفسها فهم من يحمي حدودها الشرقية والجنوبية والشمالية.. والبحر المتوسط يحميها غربا.
لاحظوا مثلا أن الحكومة اللبنانية انتقدت إرسال حزب الله لبعض المُسيرات التي أرسلها الحزب للاستطلاع فوق حقل كاريش المتنازع عليه، بينما هذه الحكومة نفسها صامته مثل القبور تجاه عشرات الخروقات الأسبوعية للطيران الحربي الإسرائيلي لأراضيها. من يحمي من إذاً؟!