خبر : الفنانة فريدة لاشايي في غاليري رفيا: تجربة رائدة في التشكيل الإيراني المعاصر ... انور بدر

الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 01:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الفنانة فريدة لاشايي في غاليري رفيا: تجربة رائدة في التشكيل الإيراني المعاصر ... انور بدر



دمشق - ’القدس العربي’ تؤكد صالة ’غاليري رفيا’ التي افتتحت في نيسان (إبريل) من هذا العام، ضمن فندق ’الفورسيزنز’ وسط دمشق، أنها ليست مجرد إضافة رقمية لباقي صالات العرض التي انتشرت لدينا في السنوات الأخيرة، بل هي مصمّمة على التميز من خلال اعتماد ’القيمة الفنية’ قاعدة في نشاطها، وأن تكون ’نافذة للمجتمع السوري على فنانين شرق أوسطيين، وعرب، وسوريين استطاعوا الوصول إلى العالمية’ وليست استضافتها مؤخراً للفنانة الإيرانية ’فريدة لاشايي’ إلا عنواناً لهذا المسار. ففريدة لاشايي التي ولدت في إيران عام 1944، درست الأدب الألماني في فرانكفورت، ثم الفنون الجميلة في فيينا، وعملت لاحقاً مصممة كريستال في جنوب النمسا وألمانيا، دون أن تنقطع عن مزاولة الفن التشكيلي: نحتاً وتصويراً زيتياً وأعمالا ً تركيبية، حتى غدت من ابرز رائدات المشهد التشكيلي الإيراني، وأكثرهن انتشاراً في العالم، إذ أقامت 33 معرضاً فردياً حتى تاريخه، كما شاركت في نحو 60 معرضاً وبينالي مشتركاً في العالم. وتتوزع لوحاتها في أشهر صالات العرض ومتاحف العالم من صالة مزادات كريستي في لندن إلى متاحف وصالات شنغهاي، روما، بازل، ألمانيا، نيويورك، دبي... وسواها. في معرضها الأول ضمن سورية الذي افتتح في الرابع من هذا الشهر في ’غاليري رفيا’ نكتشف مجموعة من الأعمال الاستعادية، يعود أغلبها للسنوات الأخيرة، حيث ذهبت الفنانة في علاقتها مع الطبيعة وبحساسية مرهفة تصل أمداءً في التجريد اللوني، وربما تكون من القلائل الذين يمزجون استخدامات الرصاص مع كل من الزيت والاكليريك في جرأة لافتة للانتباه، إذ تبدو مغرمة بفرش مساحة لونية كبيرة كخلفية زيتية للوحة، ما تلبث أن تشتغل عليها سواء بالزيت أو بالاكليريك لرسم عناصر رمزية وتعبيرية تتماهى مع العلاقات التجريدية للألوان الجريئة، ثم تضيف خطوطاًُ رصاصية تبدو عفوية في مداها الحركي، لكنها تشكل في الواقع الهارموني الحامل أو الدال على اتساق وتناغم الرؤية التجريدية للوحة. وتبدو لاشايي التي درست الفن الغربي وعملت في فضاءاته أكثر إخلاصاً لانتماءاتها الإيرانية، من حيث علاقتها بالألوان والخطوط، ومن حيث استلهام موضوعاتها في رسم الطبيعة أو التشاكل مع الحالة الثقافية في إيران. ربما يبرز ذلك في لوحة ’مصدق’، فرئيس الوزراء محمد مصدق من أبرز الشخصيات الإيرانية في القرن العشرين، إذ قام بتأميم النفط عند توليه رئاسة الحكومة سنة 1951 مما شجع الانقلاب عليه بعد عامين، حيث نُحي عن السلطة، وقضى بقيت حياته رهن الإقامة الجبرية، وقد اختارت الفنانة لاشايي إحدى الصور الفوتوغرافية لمحمد مصدق في أواخر أيامه وقد أدار ظهره إلى الكاميرا، يتوكأ على عكازه ولا شيء في مساحة المكان المجدب غير ظله على الأرض. لكنها في اشتغالها على هذه الصورة، حافظت على خلفية هذا الرجل الذي يمضي في اللوحة الأولى عبر قفر من الأرض تمتد على شماله وعن يمينه ينداح اللون الأبيض آخذاً شكل الأرنب ما بين صورة الرجل وظله. بياض يأخذ من الدلالة الرمزية في السرعة والرشاقة لهذا الكائن ليسيطر الأبيض على مجمل اللوحة الثانية، يتوزع الأسود بين مساحات الجسد وظله المبتعد في البياض. كما نتهجى بعض الحروف العربية المستخدمة في الكتابة الفارسية لتعزيز الدلالة التجريدية في هذا العمل. فجأة تتحول الصورة الفوتوغرافية إلى دراما لونية، تضج بالدلالة والحيوية، دراما تأخذنا في التاريخ الإيراني بكل مكوناته الواقعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذه المكونات التي تؤكد الفنانة عليها في لوحة أخرى بعنوان ’غداء في حديقة ملّت’ وهي لوحة شهيرة للفنان الفرنسي ’ادوارد ماتيه’ 1963، حيث تجلس فتاة عارية على العشب مقابل شابين بكل أناقتهما الباريسية، وقد أثارت جدلاً في الأوساط الفرنسية حينها، وأثارت اتهامات بالفجور، مما أغرى الفنانة لاشايي باستعادة هذه اللوحة، أو استعادة الفكرة من اجل إعادة إنتاجها في فضاء من الثقافة الإيرانية، فرسمت الأشخاص الثلاثة في ذات الوضعية، لكنهم بملامح إيرانية، وأبقت على أناقة الشابين، فيما أضافت للسيدة العارية في صورة ’ماتيه’ ثوباً إيرانياً زاهي الألوان، وأبقتها حاسرة الرأس، وتبدو الساق اليمنى والقدم اليسرى عاريتين، مما يعني ذات الفضيحة فيما يخص التعاطي مع الجسد ضمن الثقافة الإيرانية، وذات الاتهام بالفجور. الفارق ما بين العملين قرابة نصف قرن. لكنه فارق كبير في الدلالة الحضارية والإنسانية مع أن لاشايي التي حافظت على الخطوط العامة للوحة ’ماتيه’ أضافت جمالاً وسحراً خاصين في رسم ملامح الوجوه، وبشكل خاص وجه السيدة التي تجلس قبالة الرجلين. نذكر أن ’فريدة لاشايي’ نشرت عام 2003 روايتها ’جاء ابن آوى’ التي تحكي قصة ثلاثة أجيال من النسوة في حالة صدام مع الواقع الاجتماعي والسياسي في إيران، لكن ما يعنينا الآن أن النقاد وصفوا تلك الرواية بأنها ’شكل أدبي بين الكتابة والرسم الزيتي’، ألا نستطيع استعارة هذا التعبـــــير ذاته لوصف لوحات ’لاشايي’ عن مصـــــدق أو عن جلسة الغداء؟ ألا تبدو هذه الأعمال شكلاً من السرد اللوني الذي يبدو غنيـــاً بالدراما والمفــــارقة، وبشكل خاص عندما تعرض لوحتها ’غداء في حديقة ملّت’ مع لوحة ’ماتيه’ بطريقة أقرب إلى ’الفيديو آرت’ إذ تتناوب اللوحتان في الظهور والتلاشي عبر إسقاط ضوئي، وليس كلوحتين مقابل بعضهما؟ نعم إنها دراما لونية غنية بالسرد، سرد يؤكد موقفاً نقدياً وثقافياً، بذات السوية التي تؤكد فيها الفنانة إيرانيتها، أو انتماءها للجغرافيا والتاريخ والثقافة، انتماء من حيث الموضوع وحتى الطبيعة، لكنها تشتغل على ذلك بمقاربات حداثية وفنية عالية المستوى ومتميزة أيضاً.