زيارة السيد بايدن..عبد المنعم سعيد

الأحد 03 يوليو 2022 01:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
زيارة السيد بايدن..عبد المنعم سعيد



الليلة لا تشبه البارحة على وجه الإطلاق، وهناك بُعد بينهما كذلك الذي بين السماء والأرض.
البارحة كان فيها ذلك المشهد للخروج الأميركي من مطار كابول، وفيها بعض من مشاهد سابقة جرت في فيتنام، عندما تعلق الجمهور الفيتنامي بأذيال الطائرات المغادرة للسفارة الأميركية.
ساعة الخروج الأميركي من أفغانستان كان هناك زحام الأفغان أسفل الطائرات المسافرة، ومن حولها قصص الهروب للقادة والزعماء إلى عواصم أخرى.
استسلم الجيش الأفغاني، ولم تمضِ أيام حتى كانت أعلام طالبان تخفق في كل أرجاء المدينة، ومعها أوامر استعادة العصور الوسطى من جديد.
كان الرئيس الأميركي جوزيف بايدن يصدق فيما وعد به الناخبين قبل شهور أن الولايات المتحدة لن تدخل الحروب «الأبدية» مرة أخرى.
كان الأبد هذه المرة عشرين عاماً، خرجت طالبان في بدايتها وعادت في نهايتها، ومع ذلك كان الرئيس الجديد مصمماً على هداية العالم إلى كفاءة النظام الديمقراطي الذي كانت نتائجه جلية الإخفاق في أفغانستان والعراق وتونس، وبعد فترة قصيرة بات الإخفاق كارثياً في أوكرانيا.
في بداية حكم الولاية الديمقراطية كانت النظرية بسيطة، وهي أن الخروج الأميركي سوف يكون من الشرق الأوسط، لكنه سوف يكون بداية الدخول الواسع إلى آسيا الجديدة بأسواقها ونموها ونظامها الرأسمالي والديمقراطي، والذي يقف أمام الصين مباشرة في معادلة عالمية جديدة.
بشكل ما كان بايدن يسير على نفس التقاليد التي بدأ بها رؤساء أميركيون منذ بداية القرن الواحد والعشرين، عندما كانت بداية الرئيس جورج بوش الابن هي أنه لن يفعل مثلما فعل سابقه كلينتون، لكنه في العام الأخير من ولايته الثانية قرر العودة إلى الشرق الأوسط من خلال مفاوضات شاملة لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
أوباما وجد أن التواجد الأميركي في الشرق الأوسط كان في المكان الخاطئ، أي في أفغانستان، بينما المكان الصحيح هو ذلك الذي يوجد في قلب الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وبعد عدة جولات انتابه ملل.
وعندما حل ترامب كان منكراً للاهتمام بالشرق الأوسط، لكنه عاد بعد ذلك، ووجد أنه من الممكن استلاب بعض من الأموال وتغيير نتائج عقود من المفاوضات بتسليم إسرائيل كل ما تريده.
الدورة ذاتها جرت مع بايدن، وهو الذي بدأ بالإنكار للأهمية الاستراتيجية للمنطقة في ظل الصعود الصيني، وأهمية المفاوضات مع إيران، والاعتقاد أن رفع صفة الإرهابية عن الجماعة الحوثية، وتأجيل التعاقدات العسكرية مع دول الخليج، وتجاهل الهجمات الإيرانية الحوثية على العواصم الخليجية، سوف تجعل الاتفاق مع طهران سهلاً. المعضلة دائماً هي أن العالم يتغير، وأن التفكير القديم كثيراً ما يحل في واقع لم يعد كما كان، ورغم العلاقات الأميركية الخليجية القديمة فإنه عندما عاد بايدن إلى الشرق الأوسط، وجد قناعة خليجية أن «التحالف» مع الولايات المتحدة أولاً لم يكن له طريق واحد من واشنطن إلى الخليج، وإنما كان العكس أيضاً بصفقات السلاح، والطاقة والتجارة، والتوافق في المواقف الدولية، وفي الحرب ضد الإرهاب.
وثانياً أن الخليج في الحقيقة ونتيجة الإصلاح والاستقرار لم يعد كما كان، والسعودية والإمارات باتت دولا أكثر غنى وقوة إلى الدرجة التي عندما تكون رسالة واشنطن مهينة، فإنها قادرة على إغلاق التواصل دون رد لأن الحديث لا يستحق.
وثالثا أن عمليات المراجعة للنظام الدولي الذي قام بعد انتهاء الحرب الباردة بدأ طريقاً جديداً لا تكون فيه الصين طرفاً مهماً فقط، بل إن روسيا لم تعد هي الاتحاد السوفييتي الذي انهار.
دخل العالم إلى جولة جديدة من الكراسي الموسيقية لا يعلم أحد إلى أين تنتهى مقاعدها، لكن المؤكد أنها لن تعيد الهيمنة الأميركية على عالم العولمة كما كان من قبل.
ورابعاً تحول تركيز الولايات المتحدة نحو احتواء الصين، وردها غير الحاسم على هجمات الطائرات بدون طيار ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من قبل الميليشيات المتحالفة مع إيران، قوض الثقة في التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة. وأكثر من ذلك وصلت المفاوضات في فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني إلى طريق مسدود منذ آذار، ما زاد من احتمالية تصاعد التوترات مع طهران.
زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة هي تتويج لعملية مراجعة للسياسة الأميركية التي أتى بها الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن التفكير ذهب إلى ما ظنه ترامب أن إسرائيل هي مفتاح المنطقة، ومن ثم فإن تصور «الزيارة» كان الذهاب إلى القدس ثم دعوة قادة المنطقة إلى الأرض الموعودة للجميع للقاء مع الرئيس.
كان طبيعياً انهيار هذا التصور، وأن فهماً أفضل للمنطقة لا بد منه، وذهب محللون إلى أن الرحلة المزمعة إلى الشرق الأوسط ستشهده يدفع لإعادة بناء الثقة في شراكة واشنطن طويلة الأمد في مجال الأمن من أجل الطاقة مع حلفائها الإقليميين في الوقت الذي يسعى فيه إلى تبديد اللغط بشأن فك الارتباط الأميركي مع دول المنطقة.
واستعداداً لرحلة الرئيس الأولى منذ توليه منصبه، سعى البيت الأبيض إلى تسليط الضوء على الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الدفاع عن إسرائيل ودول الخليج العربية من إيران.
مسار الزيارة أخذ طريقاً مختلفاً، حيث تبدأ بزيارة إسرائيل المهمة للظروف الداخلية الأميركية، ومن بعدها زيارة رام الله المهمة لأطراف عربية، مع تطويع الجانبين بخلق صيغة لتأييد إسرائيل فيما يتعلق بعلاقاتها مع السعودية، وتأييد السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل ما من التمثيل القنصلي الأميركي في القدس.
المحطة الاستراتيجية بعد ذلك سوف تكون في جدة، حيث توجد القضايا الكبرى للطاقة، والأمن الإقليمي بتغيير جوهري للتوازن الاستراتيجي مع إيران.
لاحظ هنا أن هناك حرباً خفية تجري في المنطقة، بعضها يجرى داخل إيران نفسها تجاه العلماء والمشاركين في البرنامج النووي الإيراني بدس السم والقتل المباشر، وبعضها الآخر يجري بصراحة في سورية ولبنان، ومؤخراً العراق بهجمات جوية لتقليم الأظافر الإقليمية الإيرانية.
وعندما تنعقد قمة جدة سوف يكون حاضراً مع الولايات المتحدة السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان ومصر والأردن والعراق.
تسع دول عربية في لقاء استراتيجي من الطراز الأول، سوف تأتي له الولايات المتحدة بتصور في قلبه حل مشكلة الطاقة العالمية، حيث الخليج وحده لديه فائض لتعويض النفط والغاز الروسي، ومركزه الاستراتيجي إيران، وقريباً منها توجد إسرائيل التي تقوم بدور نشط من أجل مد السلام الإبراهيمي إلى حيث يمكن المد.
الدول العربية لا بد لها أن يكون لها مشروع مقابل للطاقة والأمن الإقليمي والتعامل مع إيران، ووضع القضية الفلسطينية، والسلام والاستقرار والإصلاح في المنطقة.
حتى الآن توجد مبادرات ومشروعات متفرقة بدأت حول الغاز في شرق المتوسط، وبيان «العلا» الذي مهد الطريق إلى نهاية المنازعات مع قطر، والحديث مع إيران، والتفاوض مع تركيا، والآن ربما آن الأوان لقمة سابقة لقمة جدة تكفل طرحاً عربياً لا يواجه بالضرورة الطرح الأميركي، وإنما يضعه على المسار الصحيح.