برقة: النار والجبل

الثلاثاء 28 يونيو 2022 12:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
برقة: النار والجبل



نابلس وفا- بسام أبو الرب

في التاسع والعشرين من كانون الثاني عام 1948، أرسل مخاتير بلدة برقة شمال غرب نابلس، رسالة إلى سكرتير اللجنة القومية بنابلس آنذاك، يطالبون فيها بضرورة توفير عدد من قطع السلاح للدفاع عن أراضيها، وتسليح أهلها، من أجل المحافظة عليها، حسب وثيقة نشرها المواطن ضرار أبو عمر، عبر حسابه على موقع " فيسبوك".

لبرقة أهمية تاريخية خاصة، كونها تتوسط جبل نابلس، كما يعرف في العهد العثماني، وحلقة الوصل بين نقاط تواجد الزعامات وقادة الثورة، ما بين جنين ونابلس، ما جعل أرضها تشهد معارك ضد الاستعمار، وهي التي أعلنت نفسها جمهورية مستقلة حرة عام 1988، بعد فشل قوات الاحتلال في النيل من المجموعات المقاومة على أرضها.

بعد 74 عاما على احتلال اسرائيل لفلسطين ونهب خيراتها، لا تزال نار المقاومة مشتعلة في بلدة برقة كغيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، تشهد حكايات وقصصا في مواجهة أطماع المستوطنين وحكومة الاحتلال، بعد دعوات والترويج يوم أمس، من قبل المستوطنين للعودة الى أراضي جبل القبيبات، أو ما يعرف بمستوطنة " حومش" المخلاة منذ العام 2005.

وتشهد بلدة برقة ومحيطها مواجهات مستمرة، في ظل انتشار واسع لجنود الاحتلال والمستوطنين؛ الذين يدعون للعودة لمستوطنة "حومش"، والترويج لها كمنطقة لتعليم أصول التوراة، عقب مقتل أحد المستوطنين في المنطقة منتصف كانون الأول عام 2021.

ويقول دغلس في تصريح لـ"وفا"، إن بلدة برقة تشكل حالة انتصار عبر الرد الجماعي والمقاومة الشعبية في ظل التصدي الدائم لهجمات المستوطنين، التي وصلت لأكثر من 100 اعتداء على منازل المواطنين منذ منتصف كانون الأول الماضي، عدا عن استشهاد الشاب أحمد حكمت سيف، واصابة المئات برصاص الاحتلال".

ويضيف " تعتبر المنطقة ثكنة عسكرية لجيش الاحتلال، وانتشار واسع للمستوطنين على الطرقات وفوق أراضي جبل القبيبات، الذين ينفذون هجمات بحق المواطنين وممتلكاتهم بحماية من جنود الاحتلال". 

ويؤكد دغلس أن بلدة برقة منذ العهد العثماني تشهد حالة مقاومة، وكان لها نصيب في قيادة ثورة العام 1936 في مواجهة الاستعمار البريطاني، في معركة أطلق عليها اسم "معركة برقة"، بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد، الذي عين قائدا لعموم الثورة، وهي التي شكلت حالة خاصة لدى الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما قال لوزير الخارجية الأميركي جورج شولتز الذي كان في زيارة للمنطقة للحديث عن آخر التطورات، وآلية تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "اذهب وفاوض أهالي برقة".

"ويتّسم جبل القْبيبات وسلسلة الجبال الّتي ترتبط به بالوعورة وصعوبة الوصول إليها، وكأنّ مَنْ يسيطر على هذه القمم يسيطر على ما دونها من أرض، ونجد على طرفي السلسلة مبنيين شبيهين ببرجي مراقبة، يُخْضِعان ما بينهما من جغرافيا لسلطة مَنْ يملك هذين البرجين، وهما "مقام بايزيد"، شرقًا و"مقام رجال الظَّهْرَة" غربا"، حسب ما يروي الباحث حمزة العقرباوي في مقالة بعنوان "القْبيبات... ذاكرة الجبل وأوليائه".

ويقول العقرباوي"إن المبنى القائم على قمّة جبل القْبيبات ينسَب إلى مجموعة من الأولياء الصالحين، الّذين انقطعوا للعبادة فيه، وبعض الروايات تقول إنّ أصله نقطة مراقبة أحدثها صلاح الدين الأيّوبيّ، قبل أن يصبح زاوية للخلوة والاعتزال، ذلك أنّ طبيعة الجبل وموقعه البعيد عن القرى مُواتي لطلب الخشوع والتصوّف، ومبنى المقام مؤلّف في الأصل من غرفتين تعلوهما قبّة بارزة، وفيهما محراب باتّجاه القبلة، وحوله قبور إسلاميّة قديمة، يُعْتَقَد أنّه لصُلَحاء وأولياء أو شهداء منسوب إليهم المقام".

ويضيف: يصف المؤرّخ مصطفى الدبّاغ في موسوعته "بلادنا فلسطين"، موسما شعبيا ارتبط بمقام أولياء "رجال الظَّهْرَة"، وذلك نقلًا عن كبار السنّ في بُرْقَة: "كان يُحْتَفَل في هذا المكان في اليوم التاسع من ذي الحجّة من كلّ سنة، احتفال بالغ تشترك فيه وفود القرى المجاورة، وتتسابق فيه الخيول وتنشط حفلات الطرب".

ويؤكد العقرباوي أن موسم "رجال الظَّهْرَة" كان مرتبطا بحدث دينيّ إسلاميّ، وجاء تعويضًا عن عدم القدرة على بلوغ مكّة المكرّمة لأداء فريضة الحجّ، وهو بخلاف المواسم الشعبيّة الأخرى الّتي خُلِقَتْ من بُعْد جهاديّ، يهدفَ إلى حشد الناس لمواجهة أيّ خطر صليبيّ يحاول إعادة احتلال بيت المقدس وسواحل بلاد الشام.

ويقول العقرباي، إنه من الحكايات الشاهدة على تحدي أهالي برقة أن القنصل البريطاني جميس فن مَرَّ وهو في طريقه إلى نابلس بقرية برقة في عام 1854، فقال: ولما وصلنا إلى برقة فدخلت وجدت البيوت قد أغلقت أبوابها ونوافذها كافة، وكان كل ركن وكل زاوية من أركان وزوايا الطرقات فيها، مخفورًا بثلاثة رجال مُسلحين.."

يشار إلى أن بلدة برقة قدمت أكثر من 60 شهيدا منذ بداية الثورة، وكان أول شهيد في العام 1929، وهي من أوائل القرى التي تعرض أهلها للاعتقال، وهدم منازلها في اليوم السابع من احتلال الضفة الغربية عام 1967