على الرغم من التعاون الممتاز بين إسرائيل ومصر، فإن الواقع العسكري الذي نشأ اليوم في شبه جزيرة سيناء بهدف مكافحة الإرهاب هناك، يتعارض مع تفاصيل اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين.
العلاقات الجيدة جدًا القائمة اليوم بين إسرائيل ومصر تغيب عن أعين الجمهور الانشطة العسكرية التي تقوم بها القاهرة في شبه جزيرة سيناء. يتم تنفيذ هذه الانشطة بموافقة إسرائيل وأيضًا بدون موافقتها. حقائق جديدة خلقت على الأرض، ويعتقد الكثيرين أنه لا يمكن العودة عنها.
سنبدأ من البداية. في اتفاق السلام بين البلدين، وضع الملحق العسكري للاتفاق قيودا على حجم القوات على الحدود بالقرب من إسرائيل واقتصر الانتشار على وجود قوة شرطية محدودة التسليح. بعد الثورة المصرية عام 2011 وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، طلبت مصر تعزيز القوات العسكرية لمحاربة الإرهاب. واسرائيل وافقت.
كما ذكرنا، توجد اليوم علاقات أفضل وأوثق بين إسرائيل ومصر من أي وقت مضى، ويجب الحفاظ عليها. ساهمت مجموعة من العوامل في الشرق الأوسط، وحالة الاستقطاب بين المؤيدين لإيران والمعارضين لها، ومحاربة الإرهاب الإسلامي - في التقارب بين البلدين. بعد سنوات طويلة يبدو ان مصر غيرت عقيدتها العسكرية وجعلتها متلائمة أكثر مع مكافحة الارهاب. اسرائيل ساعدت في ذلك. وقد أدى هذا التغيير إلى سيطرة مصر بشكل أفضل على الإرهاب، وسجلت مؤخرًا بعض النجاحات. هناك ساعات طويلة من منع التجول بالإضافة الى عدد كبير من الحواجز. يفترض منطقيا في هذه الحالة ان تقوم مصر بتقليص قواتها وفقا للملحق العسكري للاتفاق.
وبحسب رئيس الأركان المصري، فإن قرابة 24 ألف جندي يحاربون الإرهاب في شمال شرق سيناء. ولكن هناك 20 ألف آخرين منتشرين في جميع أنحاء شبه الجزيرة. منذ أن طلبت مصر الحصول على موافقة إسرائيل على إرسال قوات إلى سيناء لمحاربة الإرهاب، قبل أكثر من عقد من الزمان، بدأت الطلبات تتضاعف. وافقت اسرائيل على جميع هذه الطلبات لأنها تريد الهدوء على حدودها الجنوبية وعلى حدود غزة. انتهك الملحق العسكري لاتفاقية السلام لعام 1978 فعليا بموافقة اسرائيلية من دون إعادة فتحه. عدم رغبة إسرائيل في فتح الملحق ينبع من موقف واضح بأنه لا زال ساري المفعول وموجودا، وعندما يسمح واقع الحرب على الإرهاب الإسلامي، سنعود إلى تطبيق الملحق. إسرائيل تتصرف مع مصر عند الضرورة، ومصر تعزز من قواتها. السؤال هو ما إذا كان هذا الوضع الذي نشأ على الأرض قابل للعودة عنه؟ صحيح أن مصر حرصت على الحصول على موافقة إسرائيل على هذه الإجراءات، لكن هناك اجراءات لم تطلب الإذن الإسرائيلي من أجلها.
وبحسب الملحق، يُسمح لمصر ببناء مطارات مدنية، لكن مصر قامت ببناء ثلاثة مطارات عسكرية تخدم سلاحها الجوي في سيناء بالإضافة إلى قواعد عسكرية. إذا أضفنا إلى هذا حجم القوات الذي أشار إليه رئيس الأركان المصري، الدبابات والطائرات المقاتلة -نحصل على صورة بعيدة كل البعد عن مضمون وروح الملحق العسكري.
كما ذكرنا، فإن العلاقات بين البلدين هي في افضل حالاتها على الإطلاق، والتقارب الاستراتيجي بينهما يمكن رؤيته بسهولة، لكن ذلك غير مضمون للابد.
عندما طلبت مصر إرسال قوات لمحاربة الإرهاب، ووافقت إسرائيل، كان من الواضح للجانبين أننا في نهاية المهمة سنعود إلى الوضع الذي كان قائما من قبل. والآن بعد أن نجحت مصر جزئياً في استئصال الإرهاب، عليها أن تفكر في تقليص قواتها من اجل الحفاظ على الملحق العسكري. وينطبق نفس الحكم ينطبق على أنواع الأسلحة والمطارات والقواعد العسكرية. إن الوضع الذي نشأ اليوم، وعلى الرغم من التعاون الممتاز بين البلدين، الا انه يقوض فعليا اتفاق السلام شيئا فشيئا والذي له قيمة مهمة للغاية في حد ذاته.
يمكن للولايات المتحدة والقوة متعددة الجنسيات إجراء محادثات مع إسرائيل ومصر لتبديد المخاوف وتعزيز السلام. إن القوة المتعددة الجنسيات، التي تتمثل مهمتها في مراجعة تنفيذ اتفاقية السلام وملحقها العسكري بانتظام، لديها كل المعطيات حول الحقائق على الارض. لا توجد نية لإحداث أزمة مع القاهرة ولا مضايقتها. والقصد من ذلك هو تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة بين البلدين بهدف تمتينها. إذا تطلب الامر مرة اخرى اعادة تعزيز القوات المصرية في سيناء بسبب الإرهاب، فستستطيع القاهرة دائمًا اللجوء إلى إسرائيل، وفي ظل العلاقات المفتوحة والعميقة بينهما، فإن إسرائيل ستوافق على طلب مصر كما هو الحال حاليا. لذلك من المهم التوضيح أن العمليات العسكرية المصرية في سيناء مسالة قابلة للعودة عنها دائمًا، بطبيعة الحال.
أطلس للدراسات