أعرب مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين عن استهجانه للصمت العالمي تجاه العدوان الإسرائيلي المتصاعد في الأراضي الفلسطينية، من إزهاق للأرواح، وانتهاكات المقدسات والمقابر، والاستياء على الأراضي.
وأشار المجلس إلى مصادقة ما تسمى بلدية الاحتلال في القدس على المخطط الهيكلي التفصيلي لتحويل سوق الأغنام "الجمعة" أو "أرض الخندق" وجزء من أرض المقبرة اليوسفية في الزاوية الشرقية من سور البلدة القديمة إلى متنزه سياحي حول أسوارها، في إطار خطة عدوانية متصاعدة على الأماكن والمقدسات الفلسطينية وتحويلها إلى متنزهات، على غرار ما حدث في مقبرة مأمن الله وغيرها من المقابر التي أزالتها سلطات الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1948م، لإقامة حدائق ومتاحف توراتية.
وندد المجلس بالمخطط الاستيطاني الذي يهدف لإقامة "حديقة وطنية" بزعم الاحتلال على مساحة تبلغ حوالي مليون دونم بين القدس والبحر الميت، ويغير معالم المنطقة، ويجعلها وجهة للترفيه عن المستوطنين، وبحسب المخطط ستضم الحديقة حوالي نصف المساحة المطلة على البحر الميت، بهدف القضاء على أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية، ومنع التواصل بين محافظاتها وأرجائها، منتهكة بذلك الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وطالب المجلس أصحاب القرار في العالم بالتدخل الفوري والعاجل للضغط على سلطات الاحتلال لوقف هذا الجنون الاستيطاني العنصري والظالم.
وعلى صعيد الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك، أدان المجلس تأدية مستوطن متطرف صلاة يهودية جهراً في المسجد الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال، خلال اقتحام المستوطنين المتطرفين له، في تحدٍ سافر للمسلمين الذين أمّوا المسجد لإعماره بالصلاة، وبين المجلس أن هذه الاقتحامات والانتهاكات تجري بحماية من قوات الاحتلال وشرطته، في محاولة لتفريغه من رواده، ليتسنى للمقتحمين التجول في أرجائه، وتأدية طقوسهم التلمودية العنصرية في باحاته بحرية، مشدداً على رفض هذه الانتهاكات المدبرة والمخطط لها من سلطات الاحتلال وشرطتها، ومؤكداً أن المسجد الأقصى المبارك، كان وسيبقى إسلامياً، رغم أنوف المحتلين، وأن له ربا يحميه، وسدنة وحراسا وروادا وغيورين على دينهم وأماكن عبادتهم لن يتركوه وحيداً، ولن يكلوا لحظة واحدة عن الذود عنه، وحمايته بأرواحهم.
وعلى صعيد آخر، استهجن المجلس انتخاب ممثل كيان الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، "جلعاد أردان"، نائباً لرئيس الجمعية العامة للمنظمة، معتبرا ذلك مكافأة من الأمم المتحدة لسلطات الاحتلال على جرائم الحرب التي تمارسها ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وقال: في الوقت الذي يصدر فيه التقرير الأول عن لجنة التحقيق الدولية الدائمة المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، الذي أكد أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، والتمييز ضد الفلسطينيين، هما السببان الجذريان وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار في المنطقة، يكرم الاحتلال بانتخاب ممثله نائبا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدل محاسبة الاحتلال، وفرض العقوبات عليه.
من جهة أخرى، أدان المجلس بشدة التصريحات المسيئة لمقام الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، من قبل متحدثين باسم الحزب الحاكم في الهند، وقال: تأتي هذه الإساءات العدوانية في سياق تصاعد الكراهية للإسلام والمسلمين، التي يروج لها أعداء الإسلام، داعياً إلى ضرورة التصدي بحزم لأشكال التطاول على الرسول الكريم، صلى الله وعليه وسلم، وعلى الدين الإسلامي كافة، مؤكدا أن الأديان جميعها ترفض المس بأماكن العبادة والرموز الدينية وتحرمه، مستهجنا المبررات التي يسوقها المسيئون للإساءة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم.
وفيما يخص أسرانا البواسل؛ دعا المجلس أبناء الشعب الفلسطيني إلى مناصرة الأسرى في مراحل نضالهم جميعها، موجهاً تحية إعزاز وإكبار إلى إخواننا وحرائرنا في زنازين الاحتلال وسجونه، ولا سيما الأسيرين خليل عواودة المضرب عن الطعام منذ (106) أيام، والأسير رائد ريان المضرب عن الطعام منذ (71) يوماً، وكذلك المرضى منهم، لا سيما الأسير ناصر أبو حميد الذي يتعرض لأبشع جرائم القتل البطيء، حيث يعاني من وضع صحي حرج، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى كلهم، الذين يتعرضون لأبشع أنواع التنكيل والقمع والاعتداء على حريتهم، مؤكدا أن ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال يندرج ضمن نطاق جرائم الحرب، التي تتعارض مع الشرائع السماويــــــة والقوانين الدوليـــة، ومواصــلة ســــلطات الاحتلال لمنهجها الإجرامي تجاه الأسرى يدل على خطورة الأوضاع في سجون الاحتلال والمعتقلات الإسرائيلية، التي تفتقر لأبسط متطلبات حقوق الإنسان، بهدف النيل من عزيمتهم وصبرهم، مطالباً بضرورة تلبية حقوقهم الإنسانية والوقوف الدائم إلى جانبهم، من أجل إيصال رسائلهم ومساندة حقهم في الحرية والعدالة والكرامة، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على سلطات الاحتلال لوقف الجرائم التي تقترف ضد الأسرى الفلسطينيين، والعمل على محاسبتها على جرائمها واعتداءاتها على حقوق الشعب الفلسطيني وأسراه ومسراه وممتلكاته.
وقال المجلس: في ظل ما يتعرض له شعبنا ووطننا ومقدساتنا من عدوان صارخ، فإن من أبرز الأمور التي ينبغي الحرص عليها من أبناء شعبنا أن يحافظوا على وحدة الصف، وأن ينبذوا الخلافات الجانبية والفئوية، ويعملوا على حفظ السلم المجتمعي، حرصاً على مصالح شعبنا وديننا وقضيتنا العادلة، والله تعالى يقول: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46).
جاء ذلك خلال عقد جلسة المجلس (207)، برئاسة الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى، وتخلل الجلسة مناقشة المسائل الفقهية المدرجة على جدول أعمالها، وذلك بحضور أصحاب الفضيلة أعضاء المجلس من مختلف محافظات الوطن.