أربعون عاماً من المواقف والذكريات

مراجعة لكتاب الدكتور أحمد يوسف: الفارس خالد مشعل كما عرفته...

السبت 04 يونيو 2022 01:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
مراجعة لكتاب الدكتور أحمد يوسف: الفارس خالد مشعل كما عرفته...



كتب إبراهيم بسام خضر:

أصدر الدكتور أحمد يوسف كتابه (خالد مشعل كما عرفته) في ديسمبر من العام 2021م، حيث احتوى الكتاب على مجموعة من المقالات المنشورة للدكتور أحمد يوسف حول شخصية القيادي البارز في حركة حماس خالد مشعل (أبو الوليد)، والتي شملت جملة من المواقف والذكريات التي جمعت القياديَّيْن عبر مسيرة حافلة من الأحداث والتطورات، وقد غلبت على الكتاب سجيَّة الثناء على الدور البارز للقيادي المخضرم خالد مشعل في قيادة حركة حماس منذ البدايات، ودوره الرائد في العديد من المجالات الحركية والوطنية.

كما حاول الدكتور أحمد يوسف التركيز على إعادة طرح العديد من الأفكار التي نادى بها، والتي يرى بأن القيادي خالد مشعل هو الأقدر والأجدر بالتفاعل معها، نظراً للتقارب الفكري بين الرَّجُلين، وقد كانت أبرز الأطروحات التي نادى بها الدكتور أحمد هي ضرورة عودة (أبو الوليد) لقيادة المكتب السياسي لحركة حماس في الدورة القادمة، انطلاقاً من قناعاته بأنه "رجل المرحلة"، وأنه الأكثر قدرة وأهلية لقيادة الحركة في قادم المحطات.

لذا، ستركز هذه المقالة على قراءة وتفنيد الأطروحة الأبرز التي يتبناها الدكتور أحمد يوسف في كتابه، وقراءة السياقات التي دفعت الدكتور أحمد للدعوة لعودة (أبو الوليد) لقيادة المكتب السياسي للحركة، انطلاقاً من التشابكات والمقاربات المختلفة داخل حركة حماس.

أبو الوليد: القائد والسياسي الفذ...

إن القارئ لسيرة القيادي البارز في حركة حماس خالد مشعل (أبو الوليد)، لا يسعه إلا احترام وتقدير هذه الشخصية الفذة التي تتمتع بالعديد من السمات الشخصية والقيادية المُلهمة، وإجلال دوره الوطني ومسيرته الجهادية الممتدة، التي اشتملت على محطات بالغة الأهمية، كان له فيها دور السبق والقيادة، كما تشهد له سيرته القيادية؛ دوره البارز في قيادة حركة حماس وإيصالها إلى اللحظة الراهنة التي أُهِّلت فيها لقيادة المشروع الوطني.

لا يُبنى البيت من حجر واحد...

تتسم حركة حماس باحتوائها على بُنى مؤسسية راسخة تُمثل مرتكزاً رئيسياً في عملية صنع القرار فيها، كما أنها تتمتع بالمرونة والحيوية التي تؤهلها لترسيخ دور المؤسسية، ومع ذلك؛ لا تزال الشخصية القيادية محور ارتكاز في رسم المسارات وتحديد الخيارات والمسلكيات التي ترسمها الشخصية القيادية، فبالرغم من الأدوار المؤسسية الهامة، إلا أن طبيعة الشخصية القيادية وأُطروحاتها تُمثِّل أساساً في فهم وإدراك توجهات الحركة ومساراتها المستقبلية.

لذا فإن إدراك الدكتور أحمد يوسف لهذه البُنية التي تتسم بها حركة حماس؛ من الدور بالغ الأهمية للشخصية القيادية في الحركة، هي التي دفعته للترويج لأطروحة عودة (أبو الوليد) لقيادة المكتب السياسي خلال الدورة المقبلة، إذ إن مستوى التوافق بين الرَّجُلين عالي المستوى، ما يجعل الباب مفتوحاً أمام أطروحات الدكتور أحمد للولوج إلى أفكار وبرامج المستوى القيادي للحركة، الأمر الذي لا يتوفر في حال تولي بعض الشخصيات الأخرى لرئاسة المكتب السياسي.

هذا التشابك؛ القيادي-المؤسسي، يدفع للتساؤل حول مستوى تأثير وفاعلية المؤسسية داخل الحركة، ومدى تأثيرها في رسم سياسات وتوجهات الحركة، إذ إن إعلاء شأن المؤسسية هو العامل الأكثر ضماناً لديمومة التطور والنجاح، فبالرغم من أهمية الدور القيادي للفرد إلا أنه لا يمثل نموذجاً ناجعاً لتحقيق التقدم المُستدام، فالمؤسسية تُعد الأكثر ضماناً لتحقيق الأهداف والغايات طويلة المدى.

التجديد هو النبع الرافد للنهر...

لا يختلف اثنان داخل حركة حماس على أن (أبا الوليد) كانت له بصماته الواضحة خلال الفترة السابقة في التأسيس لتطوُّر الحركة وبلوغها هذا المستوى من التقدم والتوسع، كما أنه لا يمكن تجاهل المحطات الشائكة والمواقف التي فرضت على الحركة اتخاذ مسارات صعبة في عهد (أبي الوليد)، والتي انعكست نتائجها على شبكة علاقات الحركة مع بعض الأطراف العربية والإقليمية، حيث اتخذت في بعض الأحيان طابعاً شخصياً في أحد أوجهها؛ بالرغم من كون هذه المواقف انعكاساً لرغبة جامعة داخل الحركة.

إن هذه التشابكات والتعقيدات التي جبلت أواخر فترة ولاية (أبو الوليد) تفرض التساؤل حول ما بجعبة (أبا الوليد) لتجاوز عثرات الماضي وتحقيق اختراق واضح لهذه المعضلات في قادم المحطات، كما تفرض التساؤل حول قدرته على تحقيق اختراق في العديد من الملفات التي كانت عالقة في عهده ولا زالت تراوح مكانها؛ وأبرزها ملف المصالحة الفلسطينية، وإعادة تشكيل المؤسسات الوطنية، وإدارة شؤون الناس المعيشية في ظل معضلة المزاوجة بين الحكم والمقاومة، بالإضافة إلى التعامل مع حالة السقوط العربي عقب توقيع اتفاقيات التطبيع مع كيان العدو، وما يمكن فعله لمواجهة هذه الحالة الكارثية التي تشهدها القضية الفلسطينية.

كما يُشرع التساؤل حول قدرته على إحداث التغيير الداخلي المطلوب؛ والمتعلق بتجديد اللوائح والقوانين الداخلية للحركة، وإيجاد آليات حديثة وملائمة للانتخاب والتمثيل داخل الحركة، وقدرته على إفساح المجال أمام الأدوار الشابة للتمثيل والقيادة، إذ إن من أهم المعضلات التي تواجهها الحركة؛ عدم بروز وجوه جديدة وشابة يمكنها تولي زمام الأمور وتصدُّر مشهد القيادة.

إن من أبرز مشكلات الحالة الوطنية بشكل عام هي طرح القيادة للرؤى والتوجهات العامة مع عدم توضيح الآليات والبرامج والخطط الملائمة لتفعيل هذه الرؤى. فبالرغم من طرح (أبو الوليد) للعديد من الأفكار والرؤى المُعتبرة؛ المتعلقة بالمرحلة المقبلة وكيفية إدارة الحالة الوطنية والتنظيمية، إلا أن هذه الأطروحات لا تُبرز طبيعة وشكل البرامج والآليات التي يمكن عبرها تحقيق هذه الرؤى.

لذا، ومع بالغ الاحترام والتقدير للقائد خالد مشعل (أبو الوليد) ولمسيرته النضالية الكبيرة، إلا أنني أجدني متوافقاً مع ما خطَّه الأب منويل مسلَّم في تقديمه للكتاب، حيث قال: "أشيروا علىَّ أيها الناس، هل نعود في الانتخابات القادمة إلى الأمس؟ هل نذهب بعيداً عن القادة السابقين ونبحث عن قادة شباب؟ القائد هو مصدر النور فليضيء الطريق بِـ "مشعلَ"، ولكني لا أوافقك الرأي يا أخي أحمد يوسف، أن نعود ونتسلق نفس الجبل، ونعبر نفس الوادي مرَّتين. صحيح أن الجميع وقع في حُبِّ خالد مشعل، لأنه في تلك الحِقْبات الصعبة لم يستطع أحد أن يساعده فأحبوه، وهذه حقيقة أن الجبل مهما ارتفع لا يمكن أن يحجب الشمس، فالشباب يجب أن يأخذ دوره في القيادة ويقررُ ما يريد لنفسه، ولا يسمح لأحد بأن يقرّر له".

باحث ومحلل سياسي