لا أكذب إن قلت إن هذه المرة هي الأولى التي أعرف فيها أن يوم 1 يونيو "حزيران" من كل عام قد خصص ليكون يوما عالميا للوالدين، ولا أكذب إن قلت إنني احفظ عن ظهر قلب تاريخ يوم الأم (الحادي والعشرين من آذار كل عام)، وقصة اختياره وطقوس الاحتفال فيه، وكيف أنني لم أكن استمتع بتقديم باقة ورد طبيعية لامي بسبب إصابتها بحساسية الصدر، ولم تكن تطيق التواجد في مكان واحد مع وردة أو قنينة عطر.
لكن، اليوم، هناك يوم للوالدين وقد تقرر اختياره قبل عشرة أعوام تقريبا، أي في العام 2012، بناء على قرار من الأمم المتحدة، ونُشر بصدده بيان خاص من الموقع الرسمي للأمم المتحدة تحدث عن أهمية هذا اليوم، فهو يوفر فرصة لتقدير جميع الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم المتفاني تجاه أبنائهم، وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة.
اللافت بأن هذا اليوم يأتي في ظروف تزداد سوءا كل عام وليس كما كانت بداية الاحتفال بيوم الأم مثلا في منتصف القرن العشرين، والظروف التي تزداد سوءا ربما كانت الظروف الاقتصادية التي تشكل تحديا لكل أب ولكل أم، كما أن الأوضاع العامة والمحيطة وحتى طريقة الاحتفال بهذه المناسبة قد تغيرت وتبدلت وخرجت من إطار التقليد الذي سرنا عليه مع أول أيام فصل الربيع المرتبط بتفتح الزهور وزقزقة العصافير وشقشقة الطيور كما كنا نكتب في مواضيع الإنشاء في المدرسة.
خلصت قرارات الأمم المتحدة - وليس بناء على دعوة من شخص مهما كان منصبه مثلما حدث مع صاحب فكرة يوم الأم - إلى أن العائلة القويمة السليمة أساسها الأب والأم، ولو نظرنا لهذا اليوم جيدا لوجدنا أن الاحتفالات فيه تكاد تكون خجولة وان كانت احتفالاته ذات طابع مختلف منذ أن بدأ الاحتفال فيه، حيث يتم تنظيم العديد من الإعلانات الخاصة والتجمعات والفعَّاليات، وتتم استضافة البرامج والليالي الترفيهية من قبل المجتمع. وبالتالي فالاحتفال بهذا اليوم يختص بإشراك الأطفال والشباب فيه من خلال المجتمع المدني.
في ظل ظروف اقتصادية عالمية يكون على الأبناء بكل مراحل عمرهم أن يستشعروا في هذا اليوم حجم الضغط والمعاناة اللذين يتعرض لهما الأب والأم على حد سواء، فاليوم أصبحت الأم تخرج من البيت مثلها مثل الأب وتبحث عن مصدر دخل لرفع مستوى معيشة أسرتها، وعلاوة على قيامها بأعمال البيت التي تغنت بها الراحلة ذات الصوت الحنون فايزة احمد وبأنها تسهر ونحن نيام وتبات تفكر وتتنهد وتصلي من اجل الصغار، فقد أصبحت أم اليوم ملزمة بالمشاركة في نفقات التعليم والزواج وتأسيس مستقبل الأولاد.
اليوم العالمي للوالدين هو يوم تم اختياره بكل توفيق حسبما أرى، فهو يوم يؤكد على أن قوام الأسرة هو الأب والأم وان الأب وحده لا يمكن أن يسير بالقافلة ولا يمكن للسفينة أن تبحر بالأم ما لم تغرق الأم لكي ينجو الصغار، وكلما كذبنا على انفسنا فنحن نفاجأ بحجم التعب والمعاناة على حساب الصحة والراحة لأن أي مركب أو قافلة بلا قائد قوي ومستشار أمين لا يمكن أن تسير أو تبحر.
أعجبني جدا هذا اليوم رغم أن الاحتفال فيه كان خجولا وربما يأخذ صداه في سنوات قادمة وربما يبدأ الإعداد له مثلما يحدث مع يوم الأم، وغالبا ما تأخذنا العاطفة والحنين إلى حضن الأم الأول لذلك فنحن نهتم بأن نسارع إلى حضنها ونلقي بأنفسنا فوق صدرها مهما بلغ بنا العمر ونحمل لها الهدايا معتذرين لا ممتنين.
لليوم العالمي للوالدين نكهة مختلفة عن الاحتفال بقطب واحد من أقطاب الأسرة، وربما لو كانت الأم مشاركة بالاحتفال بالأب والزوج الذي يتعب ويتحمل كل مصاعب الحياة خارج البيت ليؤمن حياة جيدة للأولاد فإن ذلك قمة التفاني والإخلاص والعرفان بالجميل الذي سوف يسير على نهجه الأبناء حين يكبرون وسوف تتعلم البنات حب أزواجهن وسوف ينشأ الأبناء كأزواج صالحين.