فيصل حوراني .. توقفت أمام الحب..غسان زقطان

الإثنين 23 مايو 2022 12:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
فيصل حوراني .. توقفت أمام الحب..غسان زقطان



بنفس السهولة التي يمكن الحديث فيها عن فيصل حوراني تكمن الصعوبة التي تجعل من ذلك الحديث ناقصا.
سيبقى هناك شيء لم تقله، شيء لم تلتقطه في السياق المترامي لشخصيته، زاوية تتردد في الظهور، إشارة لم تنتبه لها في تدفق السرد.
بالنسبة لي، الأمر يذهب إلى التفاصيل الصغيرة؛ الهاتف المبكر وسرد المواعيد الموزعة بدقة في جدول النهار، الأسئلة الصغيرة التي تذهب مباشرة إلى مقاصدها، الضحك من القلب والتباهي بجودة البن الذي يحمله معه في أسفار لا تتوقف، تدوين القلق وهاجس فوات الوقت الذي كان يدفعه لوضع الأشياء في مصفوفات عادلة، خيط الفخر الذي لا يكاد يلحظ لو مر اسم إحدى بناته الثلاث عرضا في الحديث، الرائعات حقا، هنا كان يتوقف قليلا مثل فاصلة يضعها في السرد، أو جملة معترضة لا يمكن المرور من دونها.
كان الحديث بيننا يبدأ من بعيد، من محطته التي يتصل منها، فيينا أو سويسرا أو القاهرة أو عمان على الأغلب، كمن يعد ممرا مدروسا لما سنتناوله ونضعه بيننا عندما يصل عبر الجسر، لا وقت للمقدمات والأبواب الجانبية وإنفاق الوقت فيما لا طائل منه، يتكرر الهاتف مع أي تعديل وعندما يصل رام الله يكون قد أنجز إعداد كل شيء ووضع الوقت في سياقه بحيث لا يتبدد.
مثل جدول أعمال صارم كان فيصل حوراني يصل، عاصفة منظمة من الأنشطة واللقاءات والمهمات، ولكنه يتفكك في لحظات الراحة ويتكشف عن هشاشة إنسانية ممتلئة بالضحك والذكريات.
الهشاشة التي تجعل من العاصفة غيمة.
"دروب المنفى" كانت هديته الأثيرة لبلده وشعبه، خمسة أجزاء وافية من السيرة التي تؤرخ رحلة فلسطيني طويلة من قريته "المسمية" إلى العالم. سيرة شخصية تماما ولكنها أطلقت شبكة جسور مع الرحلة الجماعية بحيث صارت سيرة الرحلة.
في اتصالنا الأخير، سألني عن كتابه "باولا وأنا"، الكتاب الذي بدا مثل "شكرا" كبيرة لشريكته الراحلة باولا، قلت لفيصل إنني توقفت أمام الحب في هذا العمل، لم أذهب إلى التوثيق والمعلومات، وهي كثيرة ومفصلة كما في كل مرة، وقفت أمام الحكايات الصغيرة المفعمة بعفوية عميقة، والتي لا نعثر عليها بسهولة في سردنا، ذهبت إلى غير المقصود، إلى الرجل الذي في انشغاله بغيره لم يحتفظ بحصة من حياته.