كيف تصبح ثرياً؟ سما حسن

الخميس 21 أبريل 2022 01:25 م / بتوقيت القدس +2GMT



هذا السؤال أصبح يطرحه عليك الآن النصابون بامتياز، وهم على أشكال وألوان، ومنهم من يدّعون أنهم خبراء في التنمية البشرية، وهناك من يدّعون التنجيم، ومنهم من يدعون أنهم خبراء في علوم الطاقة، وهؤلاء يرون أن كل شيء حولك له طاقة ويمكن جلبها بعدة طرق ووسائل، وهناك أخطاء قد تقع فيها فتجعلك مريضاً او فقيراً او تعيساً بلا حظ.
بعيداً عن علوم الفيزياء، فقد جذبتني لفترة من الفترات هذه الصفحات المتخصصة والتي تعتقد أنها تقدم خدمات أو نصائح مجانية، ثم لا تلبث أن تكتشف أنها تدير أعمالاً تدرُّ على أصحابها الأموال من وراء الستار على سبيل تنظيم الدورات سواء على ارض الواقع او عبر فضاء الانترنت، وفي نفس الوقت فيجب عليك أن تكون حذراً، فهم لا يفعلون لك شيئاً سوى المزيد من إفقارك أنت وأمثالك المتأرجحين بين فقر حقيقي وستر متوسط.
في فترة ما كما أسلفت، تابعتُ احدى الصفحات وبدأت أتّبع النصائح الواردة والمرصوصة بأسلوب شيّق ومنها تخلص من القديم يأتيك الجديد، وللحق فقد تخلصت من بوادر واعراض الاكتناز القهري، وأفرغت بيتي وخاصة مطبخي من العبوات الفارغة والأدوات التي تبتاع فيها الطعام والمفروض ان تستخدمها لمرة واحدة، ولكنك تقوم بغسلها وتستخدمها عدة مرات، وهكذا باتت أدوات مطبخي قليلة وتبدو للعيان ولم تعد محشورة بين المكدسات مثل المعالق البلاستيكية وأكواب الكرتون، وهكذا.
وتخلصتُ من ملابس وأغطية والكثير من الأشياء المتراصة التي لا تقوم بأي دور في بيتي سوى أن تكون حاملة للغبار والأتربة، وهكذا بدا البيت واسعاً وكثير الهواء ولا تختنق برائحة القدم فيه، ولكن لم يأت الجديد ولم تهبط الثروة بالطبع.
وقرأت نصيحة أخرى، وهي أن من يبغي الثروة وتضاعف المال فعليه أن يتوقف عن استخدام حافظات النقود السوداء، وهكذا طارت الحافظات السوداء والكحلية والبنية التي أكل عليها الزمن وشرب عندي وأصبحَت في بيت جارتي التي فرحت بها كثيراً، وتعبتُ حتى استطعت ان أشتري حافظة نقود حمراء ولا تملك قلباً أسود اللون، فيجب أن يكون ما بداخلها أحمر اللون أيضاً لجلب طاقة الثراء، وهكذا صرت أستخدم تلك الحافظة اللافتة ولكن شيئا لم يحدث سوى تندر أبنائي بأن حافظتي طفولية الشكل غير مناسبة لوقاري.
واستمعت لنصائح كثيرة وكثيرة لجلب الثروة ومنها أن أتخلص من الأكواب المشقوقة والأطباق ذات الأطراف المكسورة وهكذا اصبح لدي عددا يعد على أصابع اليدين من كل نوع، ولم تأت الثروة بعد ولكني شعرت بشعور أفضل.
وكان عليّ أن أتخلص من ألعاب الأطفال القديمة والمكسورة والتالفة والتي يحتفظ بها أولادي على سبيل أنها من ذكريات طفولتهم، ولكني حملتها باتجاه بيت جارتي وقضى أطفالها أسبوعاً لا يخرجون من البيت للعب في الحارة بسبب فرحتهم بها، ولم أنل سوى حزن أولادي حين اكتشفوا الأمر وعتابهم لي.
وقررتُ أن أفكرَ جدياً وأختلي بنفسي وأسأل نفسي كيف يضاعف الناس أموالهم، وكيف يصبح الفقراء أغنياء بعيداً عن الصدفة، ووقعتُ على مقولة لا أذكر قائلها، ولكنه يؤكد وأنا أشاركه الرأي أن الأغنياء يبقون أغنياء لأنهم يعيشون عيشة الفقراء، وأن الفقراء لا يثرون لأنهم يعيشون عيشة الأغنياء فيغرقون في المظاهر واللهاث خلف الماركات وخدعتها وعروض مراكز التسوق وغيرها، فيقعون ضحيةً لثريّ كبير يقضي يومه كله بكأس من العصير وشريحة خبز محمصة مدهونة بالجبن.
وضحكت كثيراً من سذاجتي وأنا أتخيل نفسي لو أصبحت صاحبة ثروة ماذا سأفعل، واكتشفت أنني لن أفعل أكثر مما أفعله الآن، فعلاً وحقاً لن أفعل أكثر من احتساء القهوة والقراءة وشراء الطعام الصحي قدر الإمكان، وتعجبتُ ممن يلهثون خلف الثروة والعمر أقصر من أن يفعلوا، ولكنهم يفعلون ذلك ليكونوا ضحية محتال كبير يجمع منهم ومن غيرهم المال تحت شعار «كيف تصبح ثرياً في عدة خطوات؟».