نجحت “حملة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي” المصرية في إقناع إدارة فندق “توليب” في نويبع لإلغاء حفل موسيقى إسرائيلي، وساند هذه الحملة غضب شعبي مصري من الحفل الذي خطط منظموه الإسرائيليون ليكون في ذكرى تحرير نويبع من الاحتلال الإسرائيلي. وفي رد غاضب على الإلغاء قال أولئك المنظمون: “المهرجان الذي كنا نحلم به في الليل منذ شهرين ليس رفاهية أو امتيازا، لكنه تصريح حقيقي بأننا لن نذهب إلى مكان أو نتخلى عن أي شيء”، ولا نحتاج إلى ذكاء متفرد لنفهم مرمى كلامهم من أنهم لن يذهبوا إلى أي مكان أو يتخلوا عن أي شيء.
يقصدون أن دولتهم ستبقى في المنطقة العربية، وأنها لن تتخلى عن سيناء، ولا يقصدون أنهم لن يقيموا حفلهم في مكان آخر. وأضافوا إلى تلميحهم الواضح بهذا القصد الآثم تهديد أعضاء حملة مقاطعة الاحتلال بأخذهم عبيدا بعد العودة إلى سيناء، وبديهي أن “الأخذ عبيدا” تهديد لكل المصريين وليس لأعضاء الحملة الشرفاء الشجعان وحدهم، وأسرفوا في سفاهتهم فأرسلوا لهم خريطة تظهر فيها سيناء جزءا من فلسطين المحتلة. وفي مسار مضاد لهذا الانتصار الذي حققته الحملة ؛ وصلت إلى شرم الشيخ أول رحلة جوية تجارية تابعة لشركة العال الإسرائيلية، وفي صفحتها على فيسبوك كتبت الشركة: “نحن سعداء ومنفعلون لأول رحلة تجارية إلى شرم الشيخ”.
وكل ما له صلة بسيناء يلهب حماسة الإسرائيليين، ويفضح سوء نواياهم نحوها ونحو مصر ونحو سائر المنطقة العربية. وهذه النوايا كانت وراء إصرارهم في مباحثات كامب ديفيد مع مصر على تقسيمها إلى ثلاث مناطق أ وب وج، يتناقص فيها الوجود العسكري المصري حتى ينتهي في “ج” بشرطة خفيفة التسليح، وهو تناقص في السيادة المصرية على أرض مصرية، وما من مسوغ للاغترار بسماح إسرائيل لمصر بإدخال بعض الجنود والأسلحة إلى المنطقتين “ب” و”ج” لمواجهة الحركات المسلحة فيها المناهضة للدولة المصرية، فهو سماح مؤقت تراه إسرائيل في مصلحتها، ومن هذه المصلحة أنه سيعيق وصول الأسلحة إلى المقاومة في غزة.
إسرائيل لا تعطي شيئا إلا إذا كان ما تأخذه أضعافا له. ومن حقائق نقصان سيادة مصر في سيناء أنه محظور عليها تطويرها عمرانيا واقتصاديا تطويرا يعلي منسوب التواجد المصري البشري فيها لاعتبار إسرائيل هذا التواجد خطرا عليها في فلسطين المحتلة، وفي سيناء ذاتها لتحوله إلى مانع لعودتها إليها مستقبلا بصفتها جزءا من خريطة إسرائيل الكبرى التي يحلم بها مخططو المشروع الصهيوني. وفي مؤتمر سياحي عالمي عقد في دولة أوروبية في ثمانينات القرن الماضي؛ رد موشيه كاتساف رئيس الوفد الإسرائيلي على حديث رئيس الوفد المصري عن نية مصر إقامة مشاريع سياحية كثيرة في سيناء؛ بأن إسرائيل ستدمرها . وفي معلومات رائجة أن إسرائيل منذ انسحابها من سيناء الذي اكتمل في 25 مايو 1982 ما زالت تسرق منها مياها ونفطا، وآلية سرقتها أنها تحفر آبارا في النقب الفلسطيني، وعند بلوغ عمق موازٍ لمكامن المياه والنفط في سيناء تتجه أفقيا نحوها.
ومرة تحدث الراحل محمد حسنين هيكل عن وجود قاعدة اتصالات استخبارية إسرائيلية سرية في سيناء. والله يعلم ماذا أضافت إسرائيل من “سريات” أخرى بعد حديثه الذي انقضت عليه سنون عديدة. وربما يتضلل بعضنا من المقترحات الإسرائيلية التي يطلع علينا بها بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين بين وقت وآخر والتي تحث على توسيع مساحة قطاع غزة بإضافة أرض إليه من سيناء تجاوز ألف كيلومتر مربع حلاً لكثافته السكانية المصنفة أعلى كثافة في العالم، ومقابل تلك الألف تمنح إسرائيل مصر شريطا بريا عبر النقب الفلسطيني يصلها بالأردن وبقية المشرق العربي، أو تمنحها منه قطعة أرض صغيرة لا شريطا.
واحتمال التضلل هنا مصدره الظن أن إسرائيل لا أطماع لها في سيناء بدليل أنها تقترح أن يسكن فيها عرب فلسطينيون هم ألد أعدائها، وبطلان ذلك الظن في أن إسرائيل تعرقل سكنى عرب مصريين في سيناء، وهم أولى بها من إخوانهم الفلسطينيين، وفي أنها مرتعبة متوسوسة من التكاثف البشري المتعالي في قطاع غزة، وتراه تهديدا مصيريا مهلكا لها، ولهذا تريد أن يكون توجه هذا التكاثف إلى سيناء لا إلى فلسطين المحتلة، ولبطلان ذلك الظن بقية؛ هي أن الجزء الذي قد يسكن في سيناء من هذا التكاثف سيكون من السهل عليها دفعه في أي حرب أو حروب قادمة نحو بقية الأراضي المصرية، وعدونا دائما عينه وقلبه على المستقبل وإن ظهر لنا دائما مشغوفا بالماضي، فهذا الشغف غايته التضليل بوجود جذوره في المنطقة العربية، والمعلوم المحسوم أن أكثر من 90 % من مستوطني إسرائيل لا صلة لهم ببني إسرائيل، وأنهم متهودون أتراك ومغول ومجر من خزاريا بين البحر الأسود وبحر قزوين، ومن بقية الدول الأوروبية . وما قاله بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق البولندي الأصل للمستوطنين الذي رفضوا، أو تظاهروا برفض الانسحاب من سيناء لمضاعفة تعويضاتهم؛ يختصر النوايا الإسرائيلية الآثمة نحو سيناء. قال لهم إن الانسحاب منها ظرفي مؤقت، وإن اليهود عائدون إليها حتما يوما ما، وهو ما ألمح إليه منظمو الحفل الموسيقى الغاضبون لإلغائه إلماحا واضحا بقولهم: “إننا لن نذهب إلى أي مكان أو نتخلى عن أي شيء”.
سيناء جزء من حلم إسرائيل الكبرى المنداحة من فرات العراق إلى نيل مصر اللذين يرمز لهما في علمها خطان أزرقان.
كاتب فلسطيني