حـرب أوكـرانـيـا الـمـسـتـمـرة..صادق الشافعي

السبت 09 أبريل 2022 02:34 م / بتوقيت القدس +2GMT



ما يجري في أوكرانيا الآن هو «حرب» بكل دلالات الكلمة ومعانيها.
في بدايتها، ربما لم يكن التقدير ان تصل الأمور الى درجة الحرب لذلك ساد تعبير «غزو» في توصيفها.
وفي بدايتها، كما يبدو في الغالب، لم يكن هناك تقديرـ بالذات لدى الطرف الذي بدأها- انها ستصل الى المديات التي وصلت لها ولا الى الزمن الذي وصلت اليه حتى الآن وما تزال، فعزز ذلك من سيادة تعبير «غزو» في وصفها وفي استمرار هذا الوصف حتى الآن وان بشكل متراجع.
فالعالم قاطبة يقف الآن – بل ومنذ أسابيع- امام حالة «حرب» بكل معانيها وتعبيراتها، وبكل آلياتها وويلاتها وتناقضاتها...وبكل ألاعيبها أيضاً.
ورغم انها في العنوان المعلن حرب مباشرة بين روسيا واوكرانيا فإنها في الواقع الحقيقي والمكشوف حرب بين روسيا وبين اوكرانيا ومعها معظم دول الغرب (دول الناتو) والولايات المتحدة التي تصر على قيادة المعركة وعلى قبول كل الدول الغربية بهذه القيادة، بينما هي تؤكد في نفس الوقت انها لن ترسل ولو جنديا أميركيا واحدا الى أوروبا للمشاركة في القتال.
دول الغرب المذكورة تشارك في الحرب بمنطق واستراتيجية السيطرة والقيادة على أكبر عدد من دول ومساحات ومناطق العالم.
لا يغير من حقيقة مشاركة دول الغرب بالحرب انها لا تشارك حتى الآن، بالعمليات والاشتباكات القتالية المباشرة مع القوات الروسية. لكن مشاركتها تتحقق وبفاعلية عالية التأثير في انها توفر- وبكل سخاء وغزارة - كل الأسلحة والمعدات والمعونات القتالية التي تحتاجها القوات الأوكرانية إضافة الى التمويل النقدي شديد التدفق، كريم وعالي الاستجابة.
يضاف الى ذلك مبادرتها الى فتح جبهات غير عسكرية تخوضها مباشرة وبكل شراسة ضد روسيا لا تقل فاعلية وتأثيرا وبما يزيد ربما عن فعل وتأثير السلاح.
وتتمثل في حروب اقتصادية وحصارات ومقاطعات تجارية ومالية وتمويلية ودبلوماسية وتحالفية وسياسية دولية (الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة).
وهي تخوض كل هذه الحروب بكل شراسة، وبأقصى توسع ممكن، ضد روسيا لعزلها واضعاف وضعها الخارجي بوصفها القطب الموازي لأميركا في توازن القوى العالمي.
وككل حرب فإنها، وبالذات مع استطالتها، تفرض ديناميكيتها ومسارها الخاصين وتفرض معها ويلاتها ومآسيها والتي تقع أساساً وبالدرجة الأولى على الناس اهل البلاد وساكنيها.
صحيح أن الدمار والقتل والتهجير وتدمير المؤسسات والمرافق الحياتية الأساسية يحصل في المناطق التي تدور فيها المعارك العسكرية، لكن غالبية شعوب العالم تتأثر بمفاعيل وارتدادات الحرب الاقتصادية والتجارية والحصار.
في مثل هذه الظروف والأجواء فان محاولات وقف القتال والتفاوض بين طرفي القتال المباشرين روسيا واوكرانيا لا تملك الحد الأدنى من إمكانيات النجاح والاتفاق. وهذا ما هو حاصل فعلا رغم انعقاد أكثر من جولة من المفاوضات بين وفدين من الطرفين مباشرة او باستضافة ورعاية تركية.
يزيد كثيراً من صعوبة الوصول الى اتفاق، لدرجة تقترب من الاستحالة، أن الولايات المتحدة ودول الغرب لا تريد ان تنتهي هذه الحرب قبل ان يتحقق لها تراجع ملحوظ في أوضاع روسيا على كل المستويات القتالية والسياسية والاقتصادية تؤدي الى تراجع ملحوظ في أوضاعها المجتمعية الداخلية وتماسك الحكم فيها، وبما يقود اليه كل ذلك بالمحصلة الى ضعف وتراجع ثقل روسيا ودورها كقطب مركزي على المستوى الدولي.
وهي في سبيل تحقيق ما تقدم تزيد من جهة، دعمها بشكل لافت لحكومة اوكرانيا بأكثر الأسلحة تطوراً في ترسانتها وبمبالغ مالية سخية تلبي كل احتياجاتها، وربما بما يزيد. وتزيد من جهة ثانية وبشكل مطّرد ومتواصل وفي كل يوم تقريباً إجراءاتها المباشرة ضد روسيا على شكل إجراءات اقتصادية وتجارية ومالية، إضافة الى محاولات حصار في أي مجال يمكنها ان تطاله، وتصل في كل ذلك الى التفاصيل.
وأيضاً، يزيد من صعوبة الوصول الى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين، ان روسيا بالمقابل ما تزال متماسكة وقوية وقادرة على الصمود في وجه كل ذلك، وعلى الرد ايضاً.
ان مسار الحرب الدائرة والمستمرة يطرح بقوة السؤال عن ازدواجية المعايير في مواقف الدول الغربية «ومبادئها» حين تتم المقارنة بين موقفها في الدفاع عن اوكرانيا ونصرتها ضد الحرب الروسية عليها بغض النظر عن أسبابها، وبين مواقفها في السكوت الذي يصل حد الدعم والتأييد عن الاعتداءات الشرسة المتواصلة والمستمرة عبر عشرات السنين والمتعددة الاشكال والوسائل ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وكما اقرتها المنظمات والهيئات الدولية.