دجاجة على المائدة..سما حسن

الخميس 07 أبريل 2022 04:47 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا يمكن أن تحدد متى أصبحت الدواجن أو اللحم الأبيض الطبق الرئيسي أو المكون الرئيسي لمعظم الوجبات في المطبخ الفلسطيني خصوصاً وتحديداً، ومع ظاهرة ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم هذه الأيام، وزيادة الطلب عليه من قبل المواطنين لموائد رمضان، لا تعرف كيف انسحب دور وتصدر اللحوم الحمراء في الولائم سواء السعيدة والحزينة، وهناك عادة أصبحت متبعة منذ سنوات في غزة تحديداً، وهي أن يكون اللحم الأبيض هو واجهة الولائم المكونة من الأرز أو المفتول كطبق مشهور ومعروف في غزة، ولأصناف أخرى كثيرة، وفي النهاية تكتشف أن ارتفاع أسعار اللحوم هو السبب الأول، إضافة للمحاذير الطبية وحث الأطباء دوما على تناول «صدر الدجاجة» كقطعة لحم آمنة تحتوي على البروتين وقليلة الدهون وضمن وجبة صحية أو حتى حمية غذائية.
وهكذا ما إن يحل شهر رمضان حتى يبدأ المواطنون بالاستعداد لإقامة الولائم والعزومات العائلية التي قوامها اللحم الأبيض غالباً، ولأن هذه الولائم والدعوات التي تقام للأهل والأحبة أو لأسباب أخرى مثل النذور وتذكر الأموات والدعاء لهم فهي غالباً ما يجمع لها رب الأسرة ميزانية خاصة طيلة العام لكي يستطيع أن ينال بياض الوجه أمام أهله واقاربه، ولكن مع ارتفاع أسعار الدجاج سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة وغير المسبوق حسب اعتقادي، فالناس أصبحت في حيرة خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي واقتطاع الرواتب للموظفين وكل المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد والتي لا تخفى على أحد، ولذلك فالشكوى الأولى والمشتركة هي ارتفاع أسعار الدجاج.
فكرت كثيراً في تغير مزاج العائلة الفلسطينية، وأذكر ان أمي رحمها الله لم تكن تُدخل الدجاج الذي نشتريه من السوق إلى بيتنا، وكان بينها وبين جدي رحمه الله اتفاق غير مكتوب، بحيث يتخذ قناً صغيراً في حديقة البيت الخلفية وتقوم امي بجمع بقايا الطعام والخبز الجاف لدجاجات جدي والتي يربيها لشهور طويلة حتى تصبح في حجم مناسب لكي تُذبح وتقام عليها وليمة صغيرة، وفي حال الولائم التي كانت تقام في بيتنا فلا بد من شراء الخراف ولا نقاش في ذلك حتى دار الزمان وتغير الحال.
تخلت العائلة الفلسطينية عن قن الدجاج واصبح الدجاج الذي نشتريه من السوق والذي لا نعرف مصدر تغذيته، بحيث يكبر ويسمن بصورة سريعة ويكون مكتنزاً وكثير الدهن، وفي الحقيقة انه يبدو عديم الطعم ما لم تسنده البهارات والتوابل الشرقية، ورغم ذلك فقد تربع بالتدريج على المائدة وأصبح العنصر البروتيني الرائد الأول في الدعوات والولائم خاصة مع ارتفاع أسعار لحوم الخراف والأبقار، وكذلك فالأسماك لا تتوافر دائما وغالبا ما تكون مرتفعة الأسعار، وفي النهاية فمن يتلقى دعوة لوليمة فذهنه يرتبط باللحم، ويبدو ان هذا الذهن قد عانى طويلاً حتى تخلى عن صورة لحم البقر أو الخروف، وأصبح يرى في خياله دجاجةً محمرة ومتربعة فوق طبق واسع من الأرز.
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي كما أسلفت بالشكوى من ارتفاع أسعار الدجاج، وهنا نكتشف حجم التعود او ضريبة التعود وان الإنسان يجب ان يبحث دوماً عن بدائل، ويجب ألا يعتاد، ففي الاعتياد عذاب ومعاناة، كما أن الولائم يمكن أن ترحل لأيام أخرى وتقتصر أيام شهر رمضان على أن تكون للقاءات خفيفة وسهرات نظيفة «خفيفة نظيفة» تشمل الحلوى مثل القطايف وبعض المشروبات الرمضانية، ويجب أن يقنع الجميع ان لقاء الأحبة يساوي ويعادل ألف دجاجة ودجاجة، وأن المحب يقبل منك طبقاً من العدس، والمنافق والمتقلب يستصغر الخروف وحتى البقرة مكتنزة اللحم.
لا زلت أكرر أن علينا أن نبتعد عن التعود ونعتبر التعود نوعاً من النمطية المملة أو التكرار الممل، ونبحث دوماً بأفكارنا وحنكة أمهاتنا وبناتنا عن بدائل، ولا نترك أنفسنا ضحايا للتجار أو حتى للسوق، ونتذكر دوماً أن للحب وصلة الرحم صوراً كثيرة وأن طبق الفول يعادل دجاجة، وفي النهاية والأهم أن تأكل وأنت رائق البال خالي البدن من الأسقام.