تراجع مستوى وطبيعة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويبرز ذلك في الاتصالات بين الجانبين حول الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والدول العظمى الأوروبية والصين وروسيا وبين إيران، حيث الإدارة الأميركية تكاد لا تستمع للموقف الإسرائيلي المعارض للتوصل إلى اتفاق نووي والمطالب التي تطرحها لتضمينها بالاتفاق.
ورأى المدير العام السابق والمشارك في تأسيس "معهد سياسة الشعب اليهودي"، أفينوعام بار يوسف، أن اجتماع وزراء الخارجية في النقب، الأسبوع الحالي، ولقاء شرم الشيخ بين بينيت والسيسي وبن زايد، الأسبوع الماضي، "لا يبشران باستئناف شهر العسل بين إسرائيل والولايات المتحدة في المدى القريب. بل على العكس، رغم الاتصالات الجارية بين الدولتين، يخلق الاتفاق الإشكالي مع إيران الذي يجري نسجه في فيينا وضعا خطيرا لإسرائيل والمنطقة، وكذلك شعورا دوليا أن الولايات المتحدة تبتعد عن إسرائيل".
وأضاف بار يوسف، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" اليوم، الجمعة، أن "هذا تطور يسمح بتقدم البرنامج النووي في السر من دون قيود اقتصادية ويضع مصاعب أمام عملية عسكرية إسرائيلية في المستقبل".
وبحسبه، فإن العلاقات المتميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة تأسست على ثلاثة محاور. "الأول هو نسيج شائك من المصالح التي ليست متطابقة بالضرورة. والثاني هو قيم مشتركة رفعت شأن التراث التوراتي وأحدثت إعجابا بالمشروع الصهيوني، في أوساط الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. والثالث هو التأثير اليهودي في أميركا الشمالية، والذي ساهم في تعزيز المحورين الآخرين".
وتابع أن إدراك اليهود في الولايات المتحدة أن عليهم ممارسة تأثير تعزز بعد المحرقة. "وأدرك يهود أميركا أن إنجازاتهم ستكون جزئية من دون تأثير سياسي. واعتنوا بسياسيين أميركيين أصدقاء لإسرائيل وساعدوهم كي يُنتخبوا. وشجعوا الشبان اليهود ذوي التزام قوي إلى تبوء مواقع في وسائل الإعلام، والبروز في الفنون والأهم هو الوصول إلى مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية والحياة العامة".
وأشار إلى أن "قادة الجالية اليهودية غرسوا في قلوب هؤلاء الشبان التزاما يهوديا. ليس بالضرورة تجاه حكومة كهذه أو تلك في إسرائيل، ولا تجاه أرض إسرائيل الكاملة، وإنما لوجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".
وكتب بار يوسف، وهو محلل سياسي سابق في "معاريف"، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، قال له إن "القافلة الجوية التي أنقذتنا في حرب يوم الغفران (تشرين 1973) هبطت في مطار اللد بفضل (وزير الخارجية الأميركي حينها هنري) كيسنجر. وهذا السلاح وصل في الوقت المناسب. وصل في الدقيقة التسعين، لكنه وصل". وكان يشير رابين بذلك إلى يهودية كيسنجر.
وأضاف أنه خلال ولاية نائب وزير الدفاع الأميركي، بول وولوفيتش، في الثمانينيا والتسعينيات، "بذل كل ما بوسعه من أجل ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي. وهو لم يكن وحيد. فخلال فترة رئاسة بيل كلينتون، كان سبعة من بين 12 مديرا رفيعا في مجلس الأمن القومي يهودا".
ولفت بار يوسف إلى أن "المصالح الإسرائيلية والأميركية أصبحت أقل ارتباطا ببعضها عما كانت عليه في الماضي. وأميركا تشعر بالتزام أقل تجاه العالم وبالتأكيد تجاه الشرق الأوسط. وإيران تهمها أقل، وتعلمت طهران استغلال الوضع الجديد".
وشدد على أن "إسرائيل أصبحت جذابة أقل بالنسبة للجيل الشاب الأميركي. والانتقادات ضد إسرائيل على ما يعتبر انتهاك لحقوق الإنسان، والصراع الذي تخوضه جهات عربية ومعادية للسامية في الجامعات، والهجمات غير المتوقفة من جانب اليسار الراديكالي في الحزب الديمقراطي، تتغلغل في الرأي العام وتسبب تراجعا في التأييد لإسرائيل".
وأضاف أن "التأثير اليهودي، الذي كان موردا إستراتيجيا من الدرجة الأولى، تراجع أيضا"، على خلفية إقصاء التيار اليهودي الأرثوذكسي في إسرائيل للتيارين الإصلاحي والمحافظ الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من الأميركيين اليهود. "وانعدام التسامح تجاه الأقليات والمس بالطابع اليهودي للدولة جعل الجيل اليهودي الشاب في أميركا ينفر من المشروع الصهيوني. والتزامهم تجاه بجذورهم اليهودية بارزة أقل مما كانت عليه في الأجيال السابقة".
وأشار إلى أن "الأمور في البيت الأبيض متعبة أيضا. ورغم أن الرئيس جو بايدن مؤيد لليهود والمشروع الصهيوني، لكن إسرائيل ليس في سلم أولوياته. كما أن الهوامش المناهضة لإسرائيل في إدارته لا تخفف ضغوطها عليه. والتحدي الوجودي الذي يضعه البرنامج النووي الإيراني يستوجب تنظيما يهوديا عالميا".
وتابع أن "القيادة اليهودية في أميركا موجودة في فترة تغيّر الأجيال. وعليها العمل من أجل الجيل الشاب، الملزم باستعادة قوته لنفسه. وعلى قادة المنظمات اليهودية تشجيع شبان يهود ملتزمين بالمشاركة في اللعبة السياسية، والانضمام إلى السلك الحكومي، وتبوء مواقع في وسائل الإعلام والأكاديميا".