عن النهب الأوروبي المستمر..عبد الغني سلامة

الأربعاء 30 مارس 2022 12:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن النهب الأوروبي المستمر..عبد الغني سلامة



في كلمة قوية ألقاها في مؤتمر المناخ (اسكتلندا، تشرين الثاني 2021)، قال المؤرخ والصحافي الهندي «فيجاي راشاد»: «إن بريطانيا نهبت ما بين سنتي 1765 و1938 نحو 45 ترليون دولار من الهند، ولم تتقاضَ الهند أي مقابل أو تعويض عنها، ولا حتى كلمة اعتذار، وعندما غادر البريطانيون الهند كانت نسبة التعليم فيها 13% فقط، بعد مئات السنين من تلك الحضارة المزعومة، وفي غضون ذلك تم تدمير الأراضي الزراعية، ونهب موارد البلاد».
وأضاف: «عندما أستمعُ لقادة دول الغرب كل ما أفكر فيه هو كيف أنهم متغطرسون! احتقرونا منذ 400 سنة، ومنذ 300 سنة، و200 و100 سنة، وما زالوا يحتقروننا، هم لا يعرفون سوى الاحتقار، لأن الاستعمار بالنسبة إليهم، ليس ماضياً انقضى وحسب، بل هو شيء ماثل ومتأصل في عقليتهم الاستعمارية، والتي ما زالت حاضرة حتى اللحظة. الاستعمار بالنسبة لهم حالة دائمة ومستمرة؛ يريدون أن يخبرونا أننا مسؤولون عن جميع المشاكل، وعن تلوث البيئة.. وهم لا يعترفون بدورهم ومسؤوليتهم.. علماً أنهم المسؤولون من الأساس، فقد خالفوا اتفاقية الريو سنة 1992، التي تنص على المسؤولية المشتركة والمتباينة لجميع الدول، واليوم يقولون إننا جميعاً سواسية! وفي حقيقة الأمر هم وحدهم من يتحمل المسؤولية. الولايات المتحدة التي تشكل 5% من سكان العالم تستهلك 25% من موارد الكوكب!». (خمسة أضعاف).
ثم يوجه خطابه لقادة الغرب: «تعهدون إنتاجكم إلى الصين، ثم تتهمونها أنها سبب التلوث البيئي والانبعاث الكربوني! الصين هي التي تنتج صواميلكم وبراغيكم ودولاراتكم وهواتفكم.. جربوا تصنيع هذه المنتجات في بلادكم وسترون أنكم تزيدون انبعاث الكربون.. تلقّنون العالم دروساً وتقولون لهم كيف يعيشون، لأن عقليتكم استعمارية، تقرضون دول العالم الثالث الأموال، وهي في الأساس أموالهم، تتحدثون عن المستقبل وتتجاهلون واقع اليوم في إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، الذين ليس لديهم مستقبل، لأنه ليس لديهم حاضر.. 2.7 مليار من سكان العالم يعانون الجوع، ثم تقولون لهم: قللوا استهلاككم!».
وعلى منصة TED تساءلت خبيرة اقتصاد إفريقية عن سبب تدهور قيمة العملة لأغلب الدول الإفريقية، مع العلم أنها تحتوي على أكبر مخزون من الذهب في العالم؟ وأضافت: «من الواضح أن الغرب ليس هو من يساعد إفريقيا؛ بل إفريقيا هي التي تساعد الغرب، وأن الاقتصاد الغربي رهين لإفريقيا من جميع النواحي، لأنه يفتقد للموارد الطبيعية؛ فالعالم الغربي يحصل على إعانة مجانية ومتواصلة من إفريقيا، وذلك بنشر فتنة مستمرة في دولها، وفي منظومتها، وبوساطة حملات إعلامية منظمة وكبيرة، حتى اعتقد الكثيرون أن إفريقيا فقيرة وميتة، وأنه ليس بوسعها أن تحيا إلا بوساطة التبرعات الغربية».
وأضافت: «لقد أتقنتم اللعبة جيداً، اليونيسيف، أوكسفام، الصليب الأحمر، لايف إيد، وكل المنظمات التي تنفق ملايين الدولارات على الحملات الدعائية لتبرز قيمة التبرعات حتى تعمم الصورة المخادعة في العالم، وهذه الحملات تموَّل من أناس طيبيين يعتقدون أنهم يقدمون المساعدة عن طريق صدقاتهم. وبينما تقدَّم المعونات أمام الكاميرات وتحت الأضواء، تأتي اليد الأخرى وتستردها في الظلام.. فمثلاً تحصل فرنسا كل سنة على حوالى 500 مليار دولار ناتج التحويلات المصرفية مع دول إفريقية.. وهذا كله مبني على ديون استعمارية تجبر الدول الإفريقية على دفعها.. نحن نعلم أنَّ الدولار لا يساوي شيئاً، وأن اليورو يعكس الذكاء والتقنية الألمانية، وأن الغرب يقدم مساعدات شكلية وتافهة، ويأخذ مقابلها الذهب والماس واليورانيوم.. الأفضل أن تأتوا بأيادٍ فارغة مع النزاهة والشرف.. نريدكم أن تشاركونا خيراتنا، ولكن أن تعاملونا بالمثل، وبعدالة، لكن هذا يزعزع ويضعف اقتصادات الدول الغربية المبنية على النظام الاستعماري والنهب المباح»..
وفي كلمة لوزيرة الخارجية الإيطالية «ميلوني» توبخ فيها «ماكرون» قالت: «إن فرنسا قصفت ليبيا لمنع إيطاليا من الحصول على صفقات تجارية مع القذافي، وإن فرنسا تواصل طبع النقود لـ14 دولة إفريقية، وتفرض عليهم رسوم سك العملة، وإنها تشغّل الأطفال في المناجم، وتنهب المواد الخام، وخاصة في النيجر، حيث تحصل فرنسا على 30% من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر لتشغيل مفاعلاتها النووية، في حين أنَّ 90% من سكان النيجر دون كهرباء، وأن الأفارقة يهاجرون بلادهم بسبب سياسات فرنسا الاستعمارية، وأن الحل ليس بمنع هجرة الأفارقة، بل بتحرير إفريقيا من الأوروبيين».
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك اعترف في كلمة مسجلة له أن «نسبة كبيرة من الأموال الموجودة في المحفظة الفرنسية مصدرها الاستغلال المتواصل منذ قرون لقارة إفريقيا».
حيث استعمرت فرنسا وحدها 20 بلداً إفريقياً. في حين استعمرت بريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا وهولندا بقية الدول. أما إسباينا والبرتغال فقد استعمرتا أميركا الجنوبية، ونهبتا خيراتها على مدى خمسمائة عام.
صحيح أن دول الغرب متفوقة تكنولوجياً وقوية اقتصادياً، لكن من بين أهم أسباب قوتها وازدهارها نهبها لموارد العالم الثالث، والذي بدأته في الحقبة الكولونيالية، وما زالت تمارسه حتى اللحظة، وهذا النهب يتخذ صوراً وأشكالاً عديدة، أبرزها القروض، وفرض سياسات معينة على أنماط الإنتاج في تلك الدول، واستغلال أسواقها، فضلاً عن التدخلات المباشرة في تغيير أنظمة الحكم، ودعم الجماعات الموالية لها، ومحاربة من يعارضها واتهامه بالإرهاب.. وفوق كل ذلك، تأتي وبكل وقاحة لتتحدث عن حقوق الإنسان، والقانون الدولي.
إذا كانت للحرب الروسية الأوكرانية حسنة، فهي أنها أيقظت الشعور بالظلم لدى شعوب العالم الثالث، وفضحت ازدواجية المعايير التي يتبعها قادة الدول الغربية، وفضحت التمييز والعنصرية في السياسات الأوروبية والأميركية.. وهذه الصورة أخذت تتضح أكثر فأكثر، حتى في داخل الدول الغربية، إذ بدأت أصوات عديدة تعلو من داخل تلك الدول، لسياسيين، ومفكرين، ومشاهير، وإعلاميين، وبرلمانيين.. يتحدثون بوضوح، وبنبرة عالية عن الظلم الذي مارسه الغرب الاستعماري، والذي ما زال يمارسه بنفس العقلية الاستعمارية، وينتقدون ازدواجية الخطاب الغربي وعنصريته وتعاليه.
لعل ذلك كله يشكل إرهاصات لثورة عالمية ضد الظلم والطغيان.