هآرتس- بقلم: ألوف بن في يوم الجمعة الماضي تلقيت إعلاناً عبر “واتساب” من مسؤول العلاقات العامة راني راهف، وكتب فيه “هذه صورة وزير خارجية مملكة البحرين”، مرفقا بالصورة الرسمية للضيف الذي سيزور إسرائيل غداً مع نظرائه من مصر والمغرب والإمارات والولايات المتحدة. وقع راهف على البيان بصفته مدير العلاقات العامة في سفارة البحرين في إسرائيل. هذا انعطاف في الحبكة الملتوية للعملية السلمية: الشركاء في الاتفاقات السياسية يريدون أيضاً أن يظهروا بصورة جيدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بحيث لا يقتصر الأمر على مهمات دبلوماسية قصيرة والحفاظ على مسافة كما في السابق.
قمة “سديه بوكر” التي سيستضيفها اليوم وزير الخارجية يئير لبيد، مثل اللقاء الثلاثي المشترك في شرم الشيخ بين رئيس الحكومة نفتالي بينيت والرئيس المصري وبن زايد في الأسبوع الماضي، تجسد حلم المبادرين للعملية السلمية قبل ثلاثين سنة. هكذا تخيل الرئيس السابق شمعون بيرس “الشرق الأوسط الجديد”: تعاون مكشوف بين إسرائيل ودول المنطقة على قاعدة المصالح المشتركة، دون صلة بوضع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي أو بحل شامل للنزاع.
عملياً، بادرت إسرائيل قبل بيرس إلى “المحادثات متعددة الأطراف” للدفع بمشاريع أمنية واقتصادية إقليمية، في موازاة التقدم الثنائي مع الفلسطينيين وسوريا. المحادثات متعددة الأطراف، كما سميت في حينه، وفرت عملاً جزئياً لدبلوماسيين ومستشارين، لكنها تحطمت على صخرة الواقع الثنائي القاسية. في القناة الأمنية، أرادت إسرائيل الحديث عن مناورات عسكرية مشتركة، في حين أن مصر صممت على البدء في تفكيك المشروع النووي الإسرائيلي.
مؤتمرات القمة الاقتصادية التي بادر إليها بيرس اختفت نهائياً من الأجندة بعد قتل رئيس الحكومة السابق إسحق رابين وصعود بنيامين نتنياهو إلى الحكم. جميع مظاهر التطبيع من الجانب العربي احتاجت في حينه جهودا دبلوماسية كبيرة، وبالطبع لم يكن أحد يتخيل أن يأتي يوم وتنطلق فيه عشرات رحلات الطيران أسبوعياً من إسرائيل إلى دبي وأبو ظبي والمغرب، وأن مناورات عسكرية مشتركة لأسلحة الجو ستجري بين هذه الدول، وحتى إن ضباطاً كباراً في الجيش الإسرائيلي سيقومون بزيارات رسمية في الدول العربية.
المؤتمر الذي سيعقد في النقب ينتمي لتلك الأحداث غير المسبوقة. فمستوى المشاركين في القمة يدل على أن “أهميتها تكمن في مجرد عقدها”، ولن يتم اتخاذ أي قرارات عملية فيها. ولكن يجب عدم الاستخفاف بالمعنى الرمزي لاختيار المكان. هل سيزور وزراء الخارجية العرب قبر دافيد بن غوريون كما اقترح لبيد؟ حيث إن بن غوريون بالنسبة للفلسطينيين ليس “العجوز” المحبوب و”أبو الأمة” كما هي صورته في إسرائيل، بل هو المسؤول الأول عن نكبة 1948، الشخص الذي أشرف على إبعاد اللاجئين من إسرائيل ومصادرة أراضيهم وقمع الذين بقوا. زيارة قبره سترمز إلى صفحة جديدة في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي بدون الفلسطينيين، حقاً مثلما في “اتفاقات إبراهيم” التي تجاهلتهم.
الاتفاقات التي قادها دونالد ترامب ونتنياهو في صيف 2020 غيرت الديناميكية الإقليمية وأخرجت العلاقات التي جرت بالسر من الظلام. يثبت عقد القمة أن هذه العلاقات تتطور وإن لم يعد المبادرون إليها في الحكم. رئيس الحكومة بينيت ليس شخصاً كاريزماتياً وشعبياً مثل سلفه، وفي ظل غياب قوة سياسية أو دافعية لقيادة تغيير اجتماعي واقتصادي فإنه يركز على النجاح في السياسة الخارجية. يظهر بينيت في هذه الأثناء قدرة جيدة على استغلال الفرص السياسية، مثلما أظهرت جهود وساطته بين روسيا وأوكرانيا، وتحسين العلاقات مع تركيا والتطبيع المتطور مع مصر. إسرائيل تنجح في أن تكون شعبية، وتحافظ على الساحة الفلسطينية بهدوء نسبي، وفي إظهار موقف مستقل إزاء واشنطن حتى في حرب أوكرانيا وأيضاً بالنسبة للاتفاق النووي الجديد بين الدول العظمى وإيران. في الوقت الذي يتجاهل فيه الرئيس الأمريكي بينيت، فإن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القمة تدل على أن الإدارة الأمريكية مستعدة، مع ذلك، لإعطاء إسرائيل حرية عمل معينة.
بالطبع، تعبر القمة بمجرد انعقادها عن خشية المشاركين فيها من تعاظم قوة إيران في أعقاب الاتفاق النووي، ومن تقارب إيران من الغرب على حساب حلفاء قدامى للولايات المتحدة في المنطقة: إسرائيل ودول الخليج العربية. بهذا المعنى، فإن الزعيم الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، هما العرابان في قمة “سديه بوكر” بدرجة لا تقل عن المنظمين والمشاركين. لذلك، من الواضح أيضاً أن بلينكن جاء للتهدئة والتعزية مثلما سافر الرئيس إسحق هرتسوغ ليغازل اليونانيين والقبارصة في طريقه إلى أنقرة.
بعد انتهاء الهتافات وإغلاق الكاميرات، ستبقى إسرائيل مع نفس المشكلات الوجودية في علاقتها مع الفلسطينيين. لذلك، من الجدير بزعمائها أن لا يوهموا أنفسهم بأن النزاع سيحل من تلقاء نفسه أو سيتم طمسه تحت أكوام مساحيق التجميل في الصور الرسمية. عملية بئر السبع غير بعيدة عن مكان عقد القمة، والتحذيرات الموسمية عن توتر في شهر رمضان تذكر بأن الشرق الأوسط القديم ما زال موجوداً، حتى لو لم يدعوا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القمة.