القدس المحتلة / سما / كجزء من محاولة جديدة لتحريك قناة المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية تركز الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة جهوداً ملحوظة في إقناع دول عربية مختلفة وعلى رأسها دول الخليج لاتخاذ مبادرات نحو إسرائيل. على الرغم انه من الناحية الجغرسياسية تعتبر الساحة الإسرائيلية العربية وساحة الخليج الفارسي منفصلتان، إلا إن دول الخليج الفارسي مشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في النزاع العربي – الإسرائيلي، ولا يمكن فصلها عن التأثيرات التي توجد في علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين ومع جاراتها العرب.مقابل الضغط الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على إسرائيل في موضوع المستوطنات تقوم الإدارة بالضغط على دول الخليج لاتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.في هذا الإطار نُشر في الأشهر الأخيرة أن الإدارة الأمريكية انتزعت " عربونات " في إطارها ستفتح عُمان وقطر الممثليات الإسرائيلية في مسقط التي أغلقت في سنة 2000 في أعقاب " انتفاضة الأقصى ", وفي الدوحة " التي أغلقت في أعقاب حملة الرصاص المصبوب " في سنة 2008.أُدعى أيضاً أن بعض الدول ستسمح لطائرات مدنية " بما في ذلك طائرات شحن" إسرائيلية بالمرور في المجال الجوي لهذه الدول أو إقامة رحلات مباشرة من إسرائيل إلى مطاراتها، بينما دول أخرى ستمنح تأشيرات دخول إلى إسرائيليين ويتم التأسيس لخطوط الهاتف مباشرة، وسيجرون لقاءات علنية بدرجة رفيعة المستوى مع موظفين إسرائيليين. المملكة العربية السعودية أعلنت أنها لا تنوي أن تتخذ في هذه المرحلة أي خطوة تفسر كإيماء نحو إسرائيل، لكنها لا تعارض خطوات من جانب باقي دول الخليج؛ لكون موقف المملكة العربية السعودية مهم ,وأحياناً حاسم لدول الخليج الصغيرة، يمكن أن نعتبر أي خطوة للسعودية إلى مدى كبير عبارة " ضوء أخضر " لهذه الخطوات من باقي دول الخليج.بشكل تقليدي دول الخليج لم تتخذ سياسة منفصلة في الصراع الإسرائيلي العربي، وهي فضلت أن تتكيف مع الموقف العربي الأساسي، هذا على الرغم من أن معظم المشاكل الأساسية التي تقف بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية ليست مرتبطة بشكل مباشر بما يجري في ساحة الخليج.كان هذا بشكل خاص الجهد الدبلوماسي الأمريكي لاقتحام الجهود في العملية السلمية الإسرائيلية العربية واطلاق " مؤتمر مدريد " في 1991، الذي ساهم في الاقتراب الرسمي من جانب دول الخليج من إسرائيل، ومع أن ذلك حصل استجابة دول الخليج إلى طلبات الإدارة الأمريكية, إلا أنه كان في نفس الوقت أيضاً احتقار لعرفات " بسبب دعمه لصدام حسين ". العلاقات التي تتطور مع منظمات يهودية في الولايات المتحدة وحتى إحساس التضامن في أعقاب إطلاق صواريخ الـ " سكاد " على تل أبيب والرياض ساهمت في هذا الميل، لكن التقدم القليل في المسيرة السلمية في السنوات التي تلت ذلك " أعادت " دول الخليج إلى مواقفها السابقة المضادة لإسرائيل.اتفاقيات أوسلو أدت إلى أن تدرس دول الخليج مواقفها من جديد، لكن أيضاً حينئذ لم تشذ كثيراً عن حدود الإجماع العربي، في أكتوبر 1994 وافق مجلس التعاون الخليجي على إلغاء المقاطعة عن الشركات التي تقيم علاقات اقتصادية مع إسرائيل، لكن ممثليها شددوا على أن المقاطعة المباشرة المفروضة على إسرائيل لا تلغي إلا عندما يتم اتفاق سلام شامل وكامل بين إسرائيل وجاراتها. إلا ان مقتل "رابين" في نوفمبر 1995، وحملة " عناقيد الغضب " في إبريل 1996, وحادثة " نفق حائط البراق " في أكتوبر 1996 أثارت نقداً شديداً في الخليج, وسببت في تجميد هذه الدول في مارس 1997 خطوات التطبيع التي اتخذت منذ " مؤتمر مدريد ". أيضاً مبادرة السلام السعودية التي تبناها مؤتمر القمة العربي في مارس 2002 نبعت خاصة من رغبة سعودية في الحصول على اعتراف بموقفها كعامل وسيط ومنسق – التأثير العملي للمبادرة على علاقات إسرائيل والعرب كانت حتى الآن محدوداً جداً.كذلك في السنوات الأخيرة استمرت التذبذبات التي ميزت تعامل دول الخليج العربية مع إسرائيل ولعملية السلام.في أعقاب تطبيق خطة الفصل في أغسطس 2005، صرحت عدد من الدول مرة أخرى عن خطوات " تطبيع " مع إسرائيل : وزير الخارجية البحريني محمد بن مبارك أكد أن بلاده قررت إزالة المقاطعة على البضائع الإسرائيلية، ووزير الخارجية القطري حمد بن حاسم طالب الدول العربية " أن ترد بإيجاب على الخطوة التي قامت بها إسرائيل ( الفصل عن القطاع) في مؤتمر دولي، أو في لقاءات بين سياسيين عرب وإسرائيليين", وذكر أيضاً ربما تحدث علاقات دبلوماسية كاملة بين قطر وإسرائيل، قبل الانسحاب الكامل لإسرائيل من المناطق المحتلة. لإسرائيل مصلحة في تعزيز العلاقات مع دول الخليج اليوم أكثر من أي وقت مضى، فباستثناء المزايا المفهومة في فتح ممثليات قرب إيران، فالخطوة يمكن أن تقوي موقف إسرائيل، وأن تمنح شرعية لدول أخرى للانضمام إلى " عجلة السلام " وأن " تعزز مقابل " للرأي العام الإسرائيلي بشكل إيماءات عربية لصالح السلام. لكن أمس مثل كاليوم، فإنه في نظر الخليجيين واجب الإثبات ملقى على إسرائيل " – فعليها أن تبدي رغبتها في السلام وأن توافق على صيغة تكون مقبولة عليهم في مسألة البناء في المناطق.ما هي مصلحة دول الخليج من التقرب من إسرائيل ؟ ربما أن الاستجابة لطلبات الإدارة الأمريكية في المسألة يمكن في نظرهم أن تستحق الجهد وأن تؤمن موقفاً أمريكياً مشجعاً أكثر في قائمة القضايا التي تزعجهم، حتى لو أن الإمكانية الاقتصادية التجارية الكامنة في العلاقات مع إسرائيل هي قليلة الحجم. إن إسرائيل تشكل هدفاً للتعاون في مجال تكنولوجيا الري وتحلية المياه والمعلومات العسكرية الأمنية. كقاعدة فإن مصلحة إسرائيل بأن تكون أيدي القوات المعتدلة في الخليج هي المهيمنة. إحدى الاستراتيجيات الفعالة أمام التحدي الإيراني هي بناء تحالف لدول وزعماء معتدلين، لهم رؤية مشابهة تشمل الولايات المتحدة، إسرائيل ودول الخليج العربية " السعودية، الكويت، البحرين، قطر، اتحاد دول الإمارات العربية وعُمان ". إضافة إلى ذلك انضمام دول الخليج لعملية سياسية يمكن أن تمنح العملية السلمية زخماً وأن تخلق جواً إيجابياً، وإذا وقعت اتفاقية إسرائيلية فلسطينية / عربية فإنها أيضاً ستساعد في تمويلها.هل دول الخليج ستتبنى سياسة سلام أكثر نشاطاً وفعالية ؟ من الصعب التصديق. يبدو أنه على الأكثر الدور المستقبلي الذي ستتبناه الدول سيحمل طابعاً تمويلي " Donor " في تمويل مشاريع إسرائيلية فلسطينية مشتركة، وكمانحات خدمات جيدة " Facilitator " عن طريق إجراء جولات محادثات في أراضيها. تدخل دول الخليج في العملية مطلوب أيضاً كطريق " ترغب " للفلسطينيين, فيوجد في قدرتهم إذا لم يكن بالضرورة في رغبتهم أن يدفعوا المواقف الفلسطينية إلى الاعتدال. كقاعدة لا يمكن النظر إلى دول الخليج كوحدة سياسية واحدة، وربما أنهم سيلاقون صعوبة " كما كان في الماضي، أن يوافقوا على خط سياسي واحد بالتأكيد نحو إسرائيل. بينما هناك دول كعُمان والبحرين وقطر يمكن أن تتخذ مبادرات معينة نحو إسرائيل، دول أخرى مثل السعودية والكويت يمكن أن تبقى من الخلف على الأقل في المرحلة الأولى.أيضاً يمكن أن نضيف إلى ذلك عدد من الحدود أو القيود الأول: تأثير الرأي العام في دول الخليج يميل بشكل تقليدي ضد التطبيع مع إسرائيل، وسيصعب على أنظمة الحكم تجاهل ذلك، ثانياً: ربما أن أطراف راديكالية سينظر بعين غير جملية إلى أي تقارب مع إسرائيل، وهم من شأنهم أن يزيدوا من محاولاتهم إيذاء هذه الدول.في هذه المرحلة يبدو أن دول الخليج العربية ستختار أيضاً هذه المرة أن تكيف مع الموقف العربي الأساسي، أيضاً إذا كان عن طريق تنفيذ إنسجامات تكتيكية خاصة بها، من خلال الحفاظ على تدخلات غير مباشرة.من الصعب القول بالتأكيد إلى أي مدى ستذهب دول الخليج نحو الولايات المتحدة في هذا الموضوع. وغير واضح بالمرة هل هذه الدول حسمت ما إذا كانت ستنضم إلى كتلة الدول البرجماتية وكيف بشكل واضح وكوزن ضد القوة الإيرانية، هذا على ضوء تخوفها من إيران، والشك يزيد بخصوص استعداد الأمريكان الوقوف بجانبهم في اللحظة الحقيقة.دول الخليج العربية هي الآن في جبهة التعاطي مع التهديدات المتوقع أن تؤثر على استقرار الشرق الأوسط وعلى رأس ما يهم الحكام في الخليج التهديد الكبير الإبعاد الذي تضعه نحوهم إيران ومسألة الهوية المستقبلية للعراق، ربما أنهم سيطلبون ربط الإيماءات المذكورة نحو إسرائيل بضمانات أمريكية، تصعب على إيران، حتى إذا أو بدون قدرة نووية أن تملي جدول الأعمال في الخليج – هكذا سيسهل ويخفف على دول الخليج أن تتخذ مقابل ذلك بخطوات بناء الثقة وأن تلين علاقاتها مع إسرائيل.